الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* اللَّطِيْفَةُ
الثَّانِيَةُ:
روى البيهقي -أيضًا- عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي رحمه الله تعالى يقول: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام (1).
قلت: فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد الكرام لأنه أكثرهم تواضعاً، وإبليس -لعنه الله - رأس اللئام لأنه أشدهم تكبرًا، فقد علم المتواضعون من سيدهم وإمامهم، وعلم المتكبرون من رأسهم وقائدهم، والله الموفق.
17 - ومن أخلاق الشيطان: رؤية النفس وتزكيتها، والأعجاب بها
، والغضب لها؛ فإن إبليس لما أمر بالسجود لمن هو دونه في اعتقاده غضب وحنق، وحمله الغضب على الإباء، والكبر، والكفر، ولم ينشأ غضبه إلا من رؤيته لفضل نفسه ومفضولية آدم، ألا ترى كيف قال:{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 76]؟
ولم يكتف بحقيقة: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
ولم يتنبَّه لمعنى المثل السائر: يا ويح النار! ما تُخَلِّف إلا الرماد.
فلما نظر إلى نفسه بالتعظيم أنف من السجود لمن رآه بعين التحقير، فغضب، فطارت شرارة غضبه حتى أحرقته، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وإنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وإنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاء فإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْتوَضَّأ".
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(6/ 304).
رواه الإِمام أحمد، وأبو داود عن عطية السعدي رضي الله تعالى عنه (1).
وروى أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو يعلى، والبزار، والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: ذكروا رجلًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فذكَرُوا قُوَّتَهُ في الجهادِ، وَاجتِهادَهُ في العبادةِ، فإذا هم بالرجلِ مقبلٌ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي لأَرَى فِيْ وَجْهِهِ سَفْعَةً مِنَ الشَّيْطَانِ"، فَلَمَّا دَنَا سَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيْ الْقَوْمِ أَحَدٌ خَيْر مِنْكَ؟ "قَالَ: "نعَمْ".
ثمَّ ذَهَبَ فَاختط مَسْجِدًا، وَوَقَفَ يُصَلِّيْ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ يَقُوْمُ إِلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ؟ " فَقَامَ أَبُوْ بَكْرٍ رضي الله عنه فَانْطَلَقَ، فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّيْ، فَرَجَعَ، فَقَالَ:"وَجَدْتهُ يُصَلِّيْ فَهِبْتُ أَنْ أَقْتُلَهُ"، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أيُّكُمْ يَقُوْمُ إِلَيْهِ فَيقتُلُهُ؟ " فَقَامَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ فَصَنعَ كَمَا صَنعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أيَّكُمْ يَقُوْمُ إِلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ؟ " فَقَالَ عَلِي رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنْ أَدْرَكْتُهُ، فَذهبَ فَوَجَدَهُ قَد انْصَرَفَ، فَرَجَعَ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَذَا أَوَّلُ قَرْنٍ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِيْ، لَوْ قَتَلْتَهُ مَا اخْتَلَفَ اثنَانِ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي"(2).
(1) رواه الإِمام أحمد (4/ 226)، وأبو داود (4784).
(2)
رواه أبو يعلى في "المسند"(4143)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(6/ 287).
وكذا رواه الدارقطني في "السنن"(2/ 54). قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 960): . رواه الإِمام أحمد والبزار والدارقطني من حديث أنس بسند حسن.