الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
109 - ومن خصال الأنبياء عليهم السلام: الصبر بأقسامه الثلاثة
.
- الصبر على طاعة الله تعالى: وهذا الصبر مشروط في كل طاعة وخلق حسن، ولذلك أخرت الصبر إلى هنا.
- القسم الثاني: الصبر عن معصية الله تعالى.
- والقسم الثالث: الصبر على بلاء الله تعالى.
ويشمل الأقسام الثلاثة قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35].
وقال: {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا} [الأنعام: 34].
وقال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 83].
وقال تعالى في أيوب عليه السلام: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44].
وروى الحكيم الترمذي عن ابن أبزي رحمه الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) قال:"كانَ أَيُّوْبُ عليه السلام أَعْلَمَ النَّاسِ، وَأَصْبَرَ النَّاسِ، وَأَكْظَمَهُمْ لِلغَيْظِ"(2).
وروى أَبو نعيم عن يزيد بن ميسرة - قال: لما ابتلى الله تعالى
(1) عند ابن أبي شيبة: "داود" بدل "النبي".
(2)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(2/ 296). وكذا ابن أبي شيبة في "المصنف"(34255)، وعندهما:"أحلم" بدل "أعلم".
أيوب عليه السلام بذهاب المال والأهل والولد، فلم يبقَ له شيء، أحْسَنَ الذكر والحمد لله رب العالمين، ثم قال: أحمدك رب الأرباب الذي أحسنت إليَّ، أعطيتني المال والولد فلم يبقَ شعبةٌ من قلبي إلا قد دخله ذلك، فأخذت ذلك كله وفرَّغت قلبي، فليس يحول بيني وبينك شيء، فمن ذا يُعطيه المال والولد فلا يشغله حب المال والولد عن ذكرك؛ لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت إليَّ حسدني.
قال: فلقي إبليس من هذه شيئا منكراً (1).
وعن عوسجة العقيلي رحمه الله قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم عليهما السلام: يا عيسى بن مريم! أنزلني من نفسك كَهَمِّك، واجعلني ذخراً لك في معادك، وتقرب إليَّ بالنوافل أُدْنِكَ، وتوكل عليَّ أَكْفِكَ، ولا تولِّ غيري فأخذلك، واصبر على بلائي، وارض بالقضاء وكن كمسرتي فيك؛ فإنَّ مسرَّتي فيك أن أُطاع فلا أُعصى، وكُن مني قريباً، وأَحْيِ لي ذكراً بلسانك، ولتكن مودتي في صدرك تيقظ لي من ساعات الغفلة، وأحكم لي لطف الفطنة، وكُن لي راغباً وراهباً، وأَمِتْ قلبك بالخشية لي، وراعِ الليل بتحزي مسرتي، وأظمئ لي نهارك لليوم الذي عندي، نافس في الخيرات جهدك، ولتعرف بالخير أينما توجهت، واحكم في عبادي بالنصيحة، وأقم في الخلائق بعدلي، فقد أنزلت عليك شفاءً من وساوس الصدور، ومن مرض الشيطان، وجلاءً للأبصار ومن عشا الكلال، ولاتكُ كأنك
(1) رواه أَبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 240).
حِلْسٌ مقبور وأنت حي تتنفس.
يا عيسى بن مريم! حقاً أقول: ما آمنت فيَّ خليقة إلا خشعت، ولا تخشعت إلا رجت نوالي، وأُشهدك أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سُنني.
يا عيسى بن مريم ابن البكر البتول! ابك على نفسك أيام الحياة بكاء من قد ودع الأهل وقَلا الدنيا وترك اللذات لأهلها من بعده، وارتفعت رغبته فيما عند إلهه، وكن على ذلك تُلين الكلام وتُفشي السلام، وكُن يقظان إذا نامت عيون الأبرار، حذراً لما هو آت من أمر المعاد وزلازل الأهوال حيث لا ينفع مال ولا ولد ولا أهل، وأكحل عينك بملمول الحزن إذا ضحك البطَّالون، وابكِ بكاء من قد علم أنه مودع العلم النازل من عند الله الذي هو أقرب إليك من حبل الوريد، وكن في ذلك صابراً محتسباً، فطُوبى لك إن نالك ما وعدتُ الصابرين، فَرُحْ من الدنيا بالله فيوما، وذق مذاقة ما قد هرب منك أين طعمه، وما لم يأتك كيف لذته.
حقاً ما أقول لك: ما أنت إلا بساعتك ويومك فرح ما أخذت وكيف أرتعت، فاعمل على حساب فإنك مسؤول.
لو رأت عيناك ما أعددت لعبادي الصالحين لذاب قلبك وزهقت نفسك اشتياقاً إليه (1).
ومن أحسن ما قيل في الصبر قول الحسين بن الحسن الصوفي
(1) رواه أَبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 301).