الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} إلى قوله: {غُرُورًا} [الإسراء: 64](1).
*
تَتِمَّةٌ:
سبق أن إبليس كنيته أبو مرة، وهذا مشهور عند الناس.
وروى عبد بن حميد عن سفيان رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ} [الأعراف: 190]، قال: أشركاه في الاسم، قال: وكنية إبليس أبو كدوس (2).
3 - ومن أخلاق الشيطان - لعنه الله تعالى - الدعاء إلى الكفر، بل هو أشد من الكفر
.
قال الله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16].
ذكر البغوي، والقرطبي، وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه قال في هذه الآية: كان راهب في الفترة يقال له: برصيصا قد تعبد في صومعته سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين حتى أعيا إبليس، فجمع إبليس مردة الشياطين، فقال: لا أحد منكم يكفيني أمر برصيصا؟ فقال الأبيض - وهو صاحب الأنبياء، وهو الذي قصد النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي، فجاءه جبريل عليه
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "مكائد الشيطان"(73)، وقد تقدم لكن لم يعزه هناك لابن أبي الدنيا.
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 626).
السلام فدخل بينهما، ثم دفعه بيده حتى وقع بأقصى الهند، فذكر قوله تعالى:{ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: 20]، فقال: أنا أكفيكه.
فانطلق، فتزيا بزي الرهبان، وحلق وسط رأسه حتى أتى صومعة برصيصا، فناداه، فلم يجبه، وكان لا ينفتل من صلاته إلا في كل عشرة أيام يوماً، ولا يفطر إلا في كل عشرة أيام، وكان يواصل العشرة أيام، والعشرين، والأكثر، فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته، فلما انفتل برصيصا من صلاته رأى الأبيض قائماً يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان، فندم حيث لم يجبه، فقال: ما حاجتك؟ قال: أن أكون معك فأتأدب بآدابك، وأقتبس من علمك، ونجتمع على العبادة، فقال: إني في شغل عنك، ثم أقبل على صلاته، وأقبل الأبيض كذلك على الصلاة، فلمَّا رأى برصيصا شدة اجتهاده قال: ما حاجتك؟ قال: أن أرتفع إليك، فأذن له، فأقام الأبيض معه حولاً لا يفطر إلا في كل أربعين يوماً، وربما مد إلى الثمانين، فلمَّا رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه، ثم قال الأبيض: عندي دعوات يشفي الله بها السقيم والمبتلى والمجنون، فعلمه إياها، ثم جاء إبليس فقال: قد - والله - أهلكت الرجل.
ثم تعرض لرجل فخنقه، ثم قال لأهله - وقد تصور في صورة الآدميين -: إن بصاحبكم جنوناً أفاطبه؟ قالوا: نعم، قال: لا أقدر على جنيته، ولكن اذهبوا إلى برصيصا؛ فإن عنده اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أُعطي، وإذا دعى به أجاب، فجاؤوه، فدعا بتلك
الكلمات، فذهب عنه الشيطان، ثم جعل الأبيض يفعل ذلك بالناس، ويرشدهم إلى برصيصا فيعافون، فانطلق إلى جارية من بنات الملوك بين ثلاثة أخوة، وكان أبوهم ملكاً فمات، واستخلف أخاه، وكان عمها ملكاً في بني إسرائيل، فعذبها وخنقها، ثم جاء إليهم في صفة رجل متطبب ليعالجها، فقال: إن شيطانها مارد لا يطاق، ولكن اذهبوا إلى برصيصا، فدعوها عنده، فإذا جاء شيطانها دعا لها فبرأت، فقالوا: لا يجيبنا إلى هذا، قال: فابنوا صومعة إلى جانب صومعته، ثم ضعوها فيها، وقولوا: هي أمانة عندك، فاحْتَسِب فيها، فسألوه ذلك، فأبى، فبنوا صومعة ووضعوا فيها الجارية، فلما انفتل من صلاته عاين الجارية وما بها من الجمال، فوقعت في قلبه وأسقط في يديه، فجاءها الشيطان وخنقها، فدعا بتلك الكلمات، فذهب عنها الشيطان، فلما أقبل على صلاته عاد إليها الشيطان، وكان يكشف عنها ويتعرض لبرصيصا، ثم جاءه الشيطان وقال: ويحك! واقعها فما تجد مثلها، ثم تتوب بعد ذلك، فلم يزل به حتى واقعها فحملت، وظهر حملها، فقال له الشيطان: ويلك! قد افتضحت فهل لك أن تقتلها ثم تتوب ولا تفتضح، فإن جاؤوك وسألوك فقل: جاءها شيطانها فذهب بها، فقتلها برصيصا، ودفنها ليلاً، فأخذ الشيطان طرف ثوبها حتى بقي خارجاً من التراب، ورجع برصيصا إلى صلاته إذ جاء إخوتها يتعاهدون أختهم فلم يجدوها، فقالوا: يا برصيصا ما فعلت أختنا؟ قال: قد جاء شيطانها فذهب بها، ولم أطقه، فصدقوه، فلما أمسوا وهم مكروبون جاء الشيطان إليهم في منامهم، فقال لكل من إخوتها:
إن برصيصا فعل بأختكم كذا وكذا، وقتلها، ودفنها في جبل كذا، فقالوا: هذا حلم، فتتابع عليهم ثلاث ليال، فانطلقوا إليه، وقالوا: يا برصيصا! ما فعلت أختنا؟ فقال: أليس قد أعلمتكم بحالها فكأنكم اتهمتموني؟ فقالوا: لا - والله - لا نتهمك، واستحيوا منه وانصرفوا، فجاءهم الشيطان وقال: ويحكم! إنها المدفونة في موضع كذا، وإن طرف إزارها خارج من التراب، فانطلقوا فرأوا أختهم على ما رأوه في المنام، فمشوا وغلمانهم معهم المساحي والفؤوس فهدموا صومعة برصيصا، وأنزلوه منها، ثم ذهبوا به إلى الملك، فأقر على نفسه، فأمر الملك بقتله وصلبه على خشبة، فلما صلب أتاه الأبيض فقال: يا برصيصا! أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا صاحبك الذي علمتك الكلمات فاستجيبَ لك، أما اتقيت الله في أمانة خنت أهلها؟ وإنك زعمت أنك أعبد بني إسرائيل، أما استحييت؟ فما زال يعيره ويعنفه حتى قال في آخر ذلك: ألم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك، وفضحت نفسك وأشباهك من الناس؛ فإن مت على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك، قال: فكيف أصنع؟ فقال: تطيعني في خصلة واحدة حتى أخلصك مما أنت فيه فآخذ بأعينهم، وأخرجك من مكانك، قال: وما هي؟ قال: تسجد لي، قال: أفعل، فلما سجد له قال: يا برصيصا! هذا الذي أردت منك؛ صار عاقبة أمرك أن كفرت بربك، إني بريء منك، إني أخاف الله رب العالمين (1).
(1) انظر: "تفسير البغوي"(4/ 322)، و"تفسير القرطبي"(18/ 37).