الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكَ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ» .
فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ نَوْعَانِ: مَدْخُولٌ بِهَا وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا، وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً، وَيَجُوزُ تَطْلِيقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا طَاهِرًا وَحَائِضًا.
وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، حَرُمَ طَلَاقُهَا، وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا، فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَبِينَةَ الْحَمْلِ، جَازَ طَلَاقُهَا بَعْدَ الْوَطْءِ وَقَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا لَمْ يَجُزْ طَلَاقُهَا بَعْدَ الْوَطْءِ فِي طُهْرِ الْإِصَابَةِ، وَيَجُوزُ قَبْلَهُ. هَذَا الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مِنَ الطَّلَاقِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ، وَأَبَاحَهُ إِذَا كَانَ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ، عَالِمٍ بِمَدْلُولِ اللَّفْظِ، قَاصِدٍ لَهُ.
[الِاخْتِلَافُ فِي وُقُوعِ الْمُحَرَّمِ مِنَ الطَّلَاقِ]
وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ الْمُحَرَّمِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ، أَوْ فِي الطُّهْرِ الَّذِي وَاقَعَهَا فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي جَمْعِ الثَّلَاثِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَحْرِيرًا وَتَقْرِيرًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُمَا تَصْوِيرًا، وَنَذْكُرُ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ، وَمُنْتَهَى أَقْدَامِ الطَّائِفَتَيْنِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُقَلِّدَ الْمُتَعَصِّبَ لَا يَتْرُكُ مَنْ قَلَّدَهُ وَلَوْ جَاءَتْهُ كُلُّ آيَةٍ، وَأَنَّ طَالِبَ الدَّلِيلِ لَا يَأْتَمُّ بِسِوَاهُ، وَلَا يُحَكِّمُ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلِكُلٍّ مِنَ النَّاسِ مَوْرِدٌ لَا يَتَعَدَّاهُ، وَسَبِيلٌ لَا يَتَخَطَّاهُ، وَلَقَدْ عُذِرَ مَنْ حَمَلَ مَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ قُوَاهُ، وَسَعَى إِلَى حَيْثُ انْتَهَتْ إِلَيْهِ خُطَاهُ.
[هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطُّهْرِ الَّذِي وَاقَعَهَا فِيهِ]
فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ لَمْ يَزَلْ ثَابِتًا بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَقَدْ وَهِمَ مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى وُقُوعِهِ، وَقَالَ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْخِلَافِ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ، وَمَا يُدْرِيهِ لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا.
كَيْفَ وَالْخِلَافُ بَيْنَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْلُومُ الثُّبُوتِ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، (عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ) ، ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ فِي " الْمُحَلَّى " بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ.
وَقَالَ عبد الرزاق فِي " مُصَنَّفِهِ ": عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، (عَنِ ابن طاووس، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ لَا يَرَى طَلَاقًا مَا خَالَفَ وَجْهَ الطَّلَاقِ وَوَجْهَ الْعِدَّةِ، وَكَانَ يَقُولُ: وَجْهُ الطَّلَاقِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَإِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا) .
وَقَالَ الخشني: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قتادة، (عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: لَا يُعْتَدُّ بِهَا) ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ: وَالْعَجَبُ مِنْ جُرْأَةِ مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَهُوَ لَا يَجِدُ فِيمَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي إِمْضَاءِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ كَلِمَةً عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم غَيْرَ رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنَّا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرِوَايَتَيْنِ سَاقِطَتَيْنِ عَنْ عثمان وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهما.
إِحْدَاهُمَا: رُوِّيْنَاهَا مِنْ طَرِيقِ ابن وهب عَنِ ابن سمعان، عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه كَانَ يَقْضِي فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَتِهَا تِلْكَ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَهَا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ.