الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موسى، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقِيلَ لَهُمْ يَعْنِي لِلْعِرَاقِيِّينَ: لَمْ تَقُولُوا بِقَوْلِ مَنِ احْتَجَجْتُمْ بِقَوْلِهِ، وَرَوَيْتُمْ هَذَا عَنْهُ، وَلَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ عَلِمْنَاهُ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَيْنَ خَالَفْنَاهُمْ؟ قُلْنَا. قَالُوا: حَتَّى تَغْتَسِلَ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ، وَقُلْتُمْ: إِنْ فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَلَّتْ وَهِيَ لَمْ تَغْتَسِلْ، وَلَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ. انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله.
قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا الْأَطْهَارُ فِي اللِّسَانِ قَوْلُ الأعشى:
أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ
…
تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا
مُوَرِّثَةٍ عِزًّا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةٌ
…
لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
فَالْقُرُوءُ فِي الْبَيْتِ: الْأَطْهَارُ، لِأَنَّهُ ضَيَّعَ أَطْهَارَهُنَّ فِي غَزَاتِهِ، وَآثَرَهَا عَلَيْهِنَّ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الطُّهْرَ أَسْبَقُ إِلَى الْوُجُودِ مِنَ الْحَيْضِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْمِ، قَالُوا: فَهَذَا أَحَدُ الْمَقَامَيْنِ.
[فصل رَدُّ الْمُفَسِّرِينَ بِالْأَطْهَارِ عَلَى أَدِلَّةِ الْمُفَسِّرِينَ بِالْحَيْضِ]
وَأَمَّا الْمَقَامُ الْآخَرُ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ أَدِلَّتِكُمْ: فَنُجِيبُكُمْ بِجَوَابَيْنِ، مُجْمَلٍ وَمُفَصَّلٍ.
أَمَّا الْمُجْمَلُ: فَنَقُولُ: مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِتَفْسِيرِهِ، وَبِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ، وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعِدَّةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ بِالْأَطْهَارِ، فَلَا الْتِفَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى شَيْءٍ خَالَفَهُ، بَلْ كُلُّ تَفْسِيرٍ يُخَالِفُ هَذَا فَبَاطِلٌ. قَالُوا: وَأَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَعْلَمُهُنَّ بِهَا عَائِشَةُ رضي الله عنها؛ لِأَنَّهَا فِيهِنَّ لَا فِي الرِّجَالِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ قَوْلَهُنَّ فِي
ذَلِكَ مَقْبُولًا فِي وُجُودِ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِنَّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُنَّ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَ الرِّجَالِ، فَإِذَا قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها: إِنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ.
فَقَدْ قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا
…
فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ
قَالُوا: وَأَمَّا الْجَوَابُ الْمُفَصَّلُ، فَنُفْرِدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَدِلَّتِكُمْ بِجَوَابٍ خَاصٍّ، فَهَاكُمُ الْأَجْوِبَةَ.
أَمَّا قَوْلُكُمْ: إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ فِي الْآيَةِ الْأَطْهَارُ فَقَطْ، أَوِ الْحِيَضُ فَقَطْ أَوْ مَجْمُوعُهُمَا إِلَى آخِرِهِ.
فَجَوَابُهُ أَنْ نَقُولَ: الْأَطْهَارُ فَقَطْ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَالَةِ. قَوْلُكُمُ النَّصُّ اقْتَضَى ثَلَاثَةً إِلَى آخِرِهِ. قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ
أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ عِنْدَنَا قُرْءٌ كَامِلٌ، فَمَا اعْتَدَّتْ إِلَّا بِثَلَاثٍ كَوَامِلَ.
الثَّانِي: أَنَّ الْعَرَبَ تُوقِعُ اسْمَ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ، وَبَعْضِ الثَّالِثِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197][الْبَقَرَةِ: 197] فَإِنَّهَا شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ تِسْعٌ، أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَيَقُولُونَ: لِفُلَانٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، إِذْ دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ. فَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْرُوفًا فِي لُغَتِهِمْ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْءِ فِي الْحَيْضِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الطُّهْرِ، فَمُقَابَلٌ بِقَوْلِ مُنَازِعِيكُمْ.
قَوْلُكُمْ: إِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُصَدِّرُونَ كُتُبَهُمْ بِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْحَيْضُ، فَيَذْكُرُونَهُ تَفْسِيرًا لِلَفْظٍ، ثُمَّ يُرْدِفُونَهُ بِقَوْلِهِمْ: بِقِيلَ، أَوْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الطُّهْرُ.
قُلْنَا: أَهْلُ اللُّغَةِ يَحْكُونَ أَنَّ لَهُ مُسَمَّيَيْنِ فِي اللُّغَةِ، وَيُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَى هَذَا، وَعَلَى هَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ فِي الْحَيْضِ أَظْهَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْكِي إِطْلَاقَهُ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، فالجوهري: رَجَّحَ الْحَيْضَ. وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَقَدْ رَجَّحَ أَنَّهُ الطُّهْرُ، وَقَالَ أبو عبيد: الْقُرْءُ يَصْلُحُ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بَهْ، عَنْ يونس أَنَّ الْقُرْءَ عِنْدَهُ يَصْلُحُ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الْقُرْءُ الْوَقْتُ، وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ، وَيَصْلُحُ لِلطُّهْرِ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ نُصُوصَ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ؟
قَوْلُكُمْ: إِنَّ مَنْ جَعَلَهُ الطُّهْرَ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَوْقَاتَ الطُّهْرِ الَّتِي يَحْتَوِشُهَا الدَّمُ، وَإِلَّا فَالصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ لَيْسَتَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَعَنْهُ جَوَابَانِ.
أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، بَلْ إِذَا طُلِّقَتِ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ ثُمَّ حَاضَتْ، فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِالطُّهْرِ الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ قُرْءًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ بَعْدَهُ حَيْضٌ، وَكَانَ قُرْءًا كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ حَيْضٌ.
الثَّانِي: إِنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ لَا يُسَمَّى قُرْءًا حَتَّى يَحْتَوِشَهُ دَمَانِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: فَالدَّمُ شَرْطٌ فِي تَسْمِيَتِهِ قُرْءًا، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ الْحَيْضُ، وَهَذَا كَالْكَأْسِ الَّذِي لَا يُقَالُ عَلَى الْإِنَاءِ إِلَّا بِشَرْطِ كَوْنِ الشَّرَابِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ زُجَاجَةٌ أَوْ قَدَحٌ، وَالْمَائِدَةِ الَّتِي لَا تُقَالُ لِلْخِوَانِ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ طَعَامٌ، وَإِلَّا فَهُوَ خِوَانٌ، وَالْكُوزِ الَّذِي لَا يُقَالُ لِمُسَمَّاهُ: إِلَّا إِذَا كَانَ ذَا عُرْوَةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ كُوبٌ، وَالْقَلَمِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْقَصَبَةِ كَوْنُهَا مَبْرِيَّةً، وَبِدُونِ الْبَرْيِ، فَهُوَ أُنْبُوبٌ أَوْ قَصَبَةٌ، وَالْخَاتَمِ شَرْطُ إِطْلَاقِهِ أَنْ يَكُونَ ذَا فَصٍّ مِنْهُ أَوْ مِنْ
غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ فَتْخَةٌ، وَالْفَرْوِ شَرْطُ إِطْلَاقِهِ عَلَى مُسَمَّاهُ الصُّوفُ، وَإِلَّا فَهُوَ جِلْدٌ.
وَالرَّيْطَةِ شَرْطُ إِطْلَاقِهَا عَلَى مُسَمَّاهَا أَنْ تَكُونَ قِطْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُلَفَّقَةً مِنْ قِطْعَتَيْنِ، فَهِيَ مُلَاءَةٌ، وَالْحُلَّةِ شَرْطُ إِطْلَاقِهَا أَنْ تَكُونَ ثَوْبَيْنِ، إِزَارًا وَرِدَاءً، وَإِلَّا فَهُوَ ثَوْبٌ، وَالْأَرِيكَةِ لَا تُقَالُ عَلَى السَّرِيرِ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَجَلَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى بَشْخَانَةَ وَخَرَكَاهْ، وَإِلَّا فَهُوَ سَرِيرٌ، وَاللَّطِيمَةِ لَا تُقَالُ لِلْجِمَالِ إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهَا طِيبٌ، وَإِلَّا فَهِيَ عِيرٌ، وَالنَّفَقِ لَا يُقَالُ إِلَّا لِمَا لَهُ مَنْفَذٌ، وَإِلَّا فَهُوَ سَرَبٌ، وَالْعِهْنِ لَا يُقَالُ لِلصُّوفِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَصْبُوغًا، وَإِلَّا فَهُوَ صُوفٌ، وَالْخِدْرِ لَا يُقَالُ إِلَّا لِمَا اشْتَمَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ سِتْرٌ.
وَالْمِحْجَنِ لَا يُقَالُ لِلْعَصَا إِلَّا إِذَا كَانَ مَحْنِيَّةَ الرَّأْسِ، وَإِلَّا فَهِيَ عَصًا. وَالرَّكِيَّةِ لَا تُقَالُ عَلَى الْبِئْرِ إِلَّا بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَاءِ فِيهَا، وَإِلَّا فَهِيَ بِئْرٌ. وَالْوَقُودِ لَا يُقَالُ لِلْحَطَبِ إِلَّا إِذَا كَانَتِ النَّارُ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ حَطَبٌ، وَلَا يُقَالُ لِلتُّرَابِ ثَرًى إِلَّا بِشَرْطِ نَدَاوَتِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ تُرَابٌ. وَلَا يُقَالُ لِلرِّسَالَةِ: مُغَلْغَلَةٌ، إِلَّا إِذَا حُمِلَتْ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَإِلَّا فَهِيَ رِسَالَةٌ، وَلَا يُقَالُ لِلْأَرْضِ قَرَاحٌ إِلَّا إِذَا هُيِّئَتْ لِلزِّرَاعَةِ، وَلَا يُقَالُ لِهُرُوبِ الْعَبْدِ: إِبَاقٌ إِلَّا إِذَا كَانَ هُرُوبُهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا جُوعٍ وَلَا جَهْدٍ، وَإِلَّا فَهُوَ هُرُوبٌ، وَالرِّيقُ لَا يُقَالُ لَهُ رُضَابٌ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي الْفَمِ، فَإِذَا فَارَقَهُ فَهُوَ بُصَاقٌ وَبُسَاقٌ، وَالشُّجَاعِ لَا يُقَالُ لَهُ: كَمِيٌّ إِلَّا إِذَا كَانَ شَاكِيَ السِّلَاحِ، وَإِلَّا فَهُوَ بَطَلٌ، وَفِي تَسْمِيَتِهِ بَطَلًا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُ تُبْطِلُ شَجَاعَتُهُ قِرْنَهُ وَضَرْبَهُ وَطَعْنَهُ، وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ تَبْطُلُ شُجَاعَةُ الشُّجْعَانِ عِنْدَهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ، فَهُوَ فَعَلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَعَلَى الثَّانِي، فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ قِيَاسُ اللُّغَةِ.
وَالْبَعِيرُ لَا يُقَالُ لَهُ: رَاوِيَةٌ إِلَّا بِشَرْطِ حَمْلِهِ لِلْمَاءِ، وَالطُّبَقُ لَا يُسَمَّى مِهْدًى إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ هَدِيَّةٌ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُسَمَّى ظَعِينَةً إِلَّا بِشَرْطِ كَوْنِهَا فِي الْهَوْدَجِ، هَذَا فِي الْأَصْلِ، وَإِلَّا فَقَدَ تُسَمَّى الْمَرْأَةُ ظَعِينَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي هَوْدَجٍ، وَمِنْهُ فِي الْحَدِيثِ:«فَمَرَّتْ ظُعُنٌ يَجْرِينَ» وَالدَّلْوُ لَا يُقَالُ لَهُ: سَجْلٌ إِلَّا مَا دَامَ فِيهِ مَاءٌ، وَلَا يُقَالُ لَهَا: ذَنُوبٌ، إِلَّا
إِذَا امْتَلَأَتْ بِهِ، وَالسَّرِيرُ لَا يُقَالُ لَهُ: نَعْشٌ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ مَيِّتٌ، وَالْعَظْمُ لَا يُقَالُ لَهُ: عَرْقٌ، إِلَّا إِذَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ لَحْمٌ، وَالْخَيْطُ لَا يُسَمَّى سِمْطًا إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهِ خَرَزٌ.
وَلَا يُقَالُ لِلْحَبْلِ: قَرَنٌ إِلَّا إِذَا قُرِنَ فِيهِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَالْقَوْمُ لَا يُسَمَّوْنَ رِفْقَةً إِلَّا إِذَا انْضَمُّوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَسَيْرٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا زَالَ هَذَا الِاسْمُ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُمُ اسْمُ الرَّفِيقِ، وَالْحِجَارَةُ لَا تُسَمَّى رَضْفًا إِلَّا إِذَا حُمِيَتْ بِالشَّمْسِ أَوْ بِالنَّارِ، وَالشَّمْسُ لَا يُقَالُ لَهَا: غَزَالَةٌ إِلَّا عِنْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، وَالثَّوْبُ لَا يُسَمَّى مِطْرَفًا إِلَّا إِذَا كَانَ فِي طَرَفَيْهِ عَلَمَانِ، وَالْمَجْلِسُ لَا يُقَالُ لَهُ: النَّادِي إِلَّا إِذَا كَانَ أَهْلُهُ فِيهِ.
وَالْمَرْأَةُ لَا يُقَالُ لَهَا: عَاتِقٌ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ أَبَوَيْهَا، وَلَا يُسَمَّى الْمَاءُ الْمِلْحُ أُجَاجًا، إِلَّا إِذَا كَانَ مَعَ مُلُوحَتِهِ مُرًّا، وَلَا يُقَالُ لِلسَّيْرِ: إِهْطَاعٌ إِلَّا إِذَا كَانَ مَعَهُ خَوْفٌ، وَلَا يُقَالُ لِلْفَرَسِ: مُحَجَّلٌ، إِلَّا إِذَا كَانَ الْبَيَاضُ فِي قَوَائِمِهَا كُلِّهَا، أَوْ أَكْثَرِهَا، وَهَذَا بَابٌ طَوِيلٌ لَوْ تَقَصَّيْنَاهُ، فَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ لِلطُّهْرِ: قُرْءٌ، إِلَّا إِذَا كَانَ قَبْلَهُ دَمٌ، وَبَعْدَهُ دَمٌ، فَأَيْنَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ؟
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ لَمْ يَجِئْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ إِلَّا لِلْحَيْضِ، فَنَحْنُ نَمْنَعُ مَجِيئَهُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ لِلْحَيْضِ الْبَتَّةَ، فَضْلًا عَنِ الْحَصْرِ. قَالُوا: إِنَّهُ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ: «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكَ» ، فَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ بِمَا فِيهِ شِفَاءٌ، وَهَذَا لَفْظُهُ.
قَالَ: وَزَعَمَ إبراهيم بن إسماعيل بن علية أَنَّ الْأَقْرَاءَ: الْحِيَضُ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ سفيان، عَنْ أيوب، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أم سلمة رضي الله عنها:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي امْرَأَةٍ اسْتُحِيضَتْ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَمَا حَدَّثَ بِهَذَا سفيان قَطُّ، إِنَّمَا قَالَ سفيان، عَنْ أيوب، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أم سلمة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَدَعُ الصَّلَاةَ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ»
أَوْ قَالَ: " أَيَّامَ أَقْرَائِهَا "، الشَّكُّ مِنْ أيوب لَا يَدْرِي. قَالَ: هَذَا أَوْ هَذَا، فَجَعَلَهُ هُوَ حَدِيثًا عَلَى نَاحِيَةِ مَا يُرِيدُ، فَلَيْسَ هَذَا بِصِدْقٍ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا مالك، عَنْ نافع، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أم سلمة رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِتَنْظُرْ عَدَدَ
اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، ثُمَّ لِتَدَعِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لِتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلِّ.» ونافع أَحْفَظُ عَنْ سليمان مِنْ أيوب وَهُوَ يَقُولُ: بِمِثْلِ أَحَدِ مَعْنَيَيْ أيوب اللَّذَيْنِ رَوَاهُمَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالُوا: وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228][الْبَقَرَةِ: 228] .
وَأَنَّهُ الْحَيْضُ، أَوِ الْحَبَلُ أَوْ كِلَاهُمَا، فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَيْضَ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ تَحْرِيمُ كِتْمَانِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرُوءَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ هِيَ الْحِيَضُ، فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتِ الْأَطْهَارَ، فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ، فَإِذَا أَرَادَتْ كِتْمَانَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَتْ: لَمْ أَحِضْ، فَتَنْقَضِيَ عِدَّتِي، وَهِيَ كَاذِبَةٌ وَقَدْ حَاضَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ دَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْقُرُوءَ الْأَطْهَارُ أَظْهَرَ، وَنَحْنُ نَقْنَعُ بِاتِّفَاقِ الدِّلَالَةِ بِهَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الِاسْتِدْلَالَ، فَهُوَ مِنْ جَانِبِنَا أَظْهَرُ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: الْحَيْضُ وَالْوِلَادَةُ. فَإِذَا كَانَتِ الْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِظُهُورِ الْوِلَادَةِ فَهَكَذَا تَنْقَضِي بِظُهُورِ الْحَيْضِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا فِي إِتْيَانِ الْمَرْأَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4][الطَّلَاقِ: 4] فَجُعِلَ كُلُّ شَهْرٍ بِإِزَاءِ حَيْضَةٍ، فَلَيْسَ هَذَا بِصَرِيحٍ فِي أَنَّ الْقُرُوءَ هِيَ الْحِيَضُ، بَلْ غَايَةُ الْآيَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْيَأْسَ مِنَ الْحَيْضِ شَرْطًا فِي الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ، فَمَا دَامَتْ حَائِضًا لَا تَنْتَقِلُ إِلَى عِدَّةِ الْآيِسَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَقْرَاءَ الَّتِي هِيَ الْأَطْهَارُ عِنْدَنَا لَا تُوجَدُ إِلَّا مَعَ الْحَيْضِ، لَا تَكُونُ بِدُونِهِ، فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْحَيْضَ؟
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ عائشة رضي الله عنها: «طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ وَقَرْؤُهَا حَيْضَتَانِ» فَهُوَ حَدِيثٌ لَوِ اسْتَدْلَلْنَا بِهِ عَلَيْكُمْ لَمْ تَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنَّا، فَإِنَّهُ
حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مَعْلُولٌ، قَالَ الترمذي: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مظاهر بن أسلم، ومظاهر لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. ومظاهر بن أسلم هَذَا، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ، وَضَعَّفَهُ أبو عاصم أَيْضًا. وَقَالَ أبو داود: هَذَا حَدِيثٌ مَجْهُولٌ، وَقَالَ الخطابي: أَهْلُ الْحَدِيثِ ضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ البيهقي: لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَقُلْنَا بِهِ إِلَّا أَنَّا لَا نُثْبِتُ حَدِيثًا يَرْوِيهِ مَنْ تُجْهَلُ عَدَالَتُهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّحِيحُ عَنِ القاسم بِخِلَافِ هَذَا، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: سُئِلَ القاسم عَنِ الْأَمَةِ كَمْ تُطَلَّقُ؟ قَالَ: طَلَاقُهَا ثِنْتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ.
قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: هَلْ بَلَغَكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا؟ فَقَالَ: لَا. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " تَارِيخِهِ ": مظاهر بن أسلم، عَنِ القاسم، عَنْ عائشة رضي الله عنها يَرْفَعُهُ:«طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ.»
قَالَ أبو عاصم: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مظاهر، ثُمَّ لَقِيتُ مظاهرا، فَحَدَّثَنَا بِهِ، وَكَانَ أبو عاصم يُضَعِّفُ مظاهرا، وَقَالَ يحيى بن سليمان: حَدَّثَنَا ابن وهب، قَالَ: حَدَّثَنِي أسامة بن زيد بن أسلم، أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ أَبِيهِ، فَأَتَاهُ رَسُولُ الْأَمِيرِ، فَقَالَ: إِنَّ الْأَمِيرَ يَقُولُ لَكَ: كَمْ عِدَّةُ الْأَمَةِ؟ فَقَالَ: عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، وَطَلَاقُ الْحُرِّ الْأَمَةَ ثَلَاثٌ، وَطَلَاقُ الْعَبْدِ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّسُولِ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أَسْأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: فَأُقْسِمُ عَلَيْكَ إِلَّا رَجَعْتَ إِلَيَّ فَأَخْبَرْتَنِي مَا يَقُولَانِ، فَذَهَبَ وَرَجَعَ إِلَى أَبِي، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمَا قَالَا كَمَا قَالَ، وَقَالَا لَهُ: قُلْ لَهُ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي " أَطْرَافِهِ ": فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَعِدَّتُهَا
حَيْضَتَانِ» ، فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مَا رَوَاهُ سالم، ونافع مِنْ قَوْلِهِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ سالم ونافع، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: طَلَاقُ الْعَبْدِ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، وَطَلَاقُ الْحُرِّ الْأَمَةَ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ.
قَالُوا: وَالثَّابِتُ بِلَا شَكٍّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّ الْأَقْرَاءَ: الْأَطْهَارُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا مالك رحمه الله، عَنْ نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ، وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا.
قَالُوا: فَهَذَا الْحَدِيثُ مَدَارُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وعائشة، وَمَذْهَبُهُمَا بِلَا شَكٍّ أَنَّ الْأَقْرَاءَ: الْأَطْهَارُ، فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خِلَافُ ذَلِكَ، وَلَا يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ؟ قَالُوا: وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عائشة الْآخَرِ: «أُمِرَتْ بريرة أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ.»
قَالُوا: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ: أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ، وَأُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ، وَأُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَلَعَلَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى " ثَلَاثَ حِيَضٍ " مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَمِنَ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عائشة رضي الله عنها هَذَا وَهِيَ تَقُولُ: الْأَقْرَاءُ: الْأَطْهَارُ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا السَّنَدِ الْمَشْهُورِ الَّذِي كُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ، وَلَا يُخَرِّجُهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ، وَلَا الْمَسَانِدِ، وَلَا مَنِ اعْتَنَى بِأَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ وَجَمْعِهَا، وَلَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَكَيْفَ يَصْبِرُ عَنْ إِخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ هُوَ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا بِهَذَا السَّنَدِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي هُوَ كَالشَّمْسِ شُهْرَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ بريرة أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ، وَأَمَّا إِنَّهَا أُمِرَتْ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، فَهَذَا لَوْ صَحَّ لَمْ نَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَبَادَرْنَا إِلَيْهِ.
قَالُوا: وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِشَأْنِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ الصَّحِيحَ كَوْنُهُ بِحَيْضَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ الصَّحِيحِ، فَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِالتَّعَلُّلِ بِالْقَوْلِ: إِنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِالطُّهْرِ، فَإِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ نَصِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَخِلَافُ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَخِلَافُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنَ الْأُمَّةِ، فَالْوَجْهُ الْعُدُولُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَنَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقِّ الزَّوْجِ، فَاخْتُصَّتْ بِزَمَانِ حَقِّهِ، وَهُوَ الطُّهْرُ بِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ، فَيُعْلَمُ مِنْهَا الْبَرَاءَةُ بِوَاسِطَةِ الْحَيْضِ، بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ.
قَوْلُكُمْ: لَوْ كَانَتِ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارَ لَمْ تَحْصُلْ بِالْقُرْءِ الْأَوَّلِ دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهِ حَسَبَتْ بَقِيَّتَهُ قُرْءًا، وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ هَذَا الطُّهْرَ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ.
فَجَوَابُهُ أَنَّهَا إِذَا طَهُرَتْ بَعْدَ طُهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ، صَحَّتْ دَلَالَتُهُ بِانْضِمَامِهِ إِلَيْهِمَا.
قَوْلُكُمْ: إِنَّ الْحُدُودَ وَالْعَلَامَاتِ وَالْأَدِلَّةَ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ إِلَى آخِرِهِ.
جَوَابُهُ أَنَّ الطُّهْرَ إِذَا احْتَوَشَهُ دَمَانِ، كَانَ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ دَمٌ، وَلَا بَعْدَهُ دَمٌ، فَهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ الْبَتَّةَ.
قَالُوا: وَيَزِيدُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قُوَّةً، أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْجَمْعُ، وَزَمَانُ الطُّهْرِ أَوْلَى بِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْتَمِعُ الْحَيْضُ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ بَعْدَ جَمْعِهِ. قَالُوا: وَإِدْخَالُ التَّاءِ فِي (ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ مُذَكَّرٌ، وَهُوَ الطُّهْرُ، فَلَوْ كَانَ الْحَيْضَ لَكَانَ بِغَيْرِ تَاءٍ؛ لِأَنَّ وَاحِدَهَا حَيْضَةٌ.
فَهَذَا مَا احْتَجَّ بِهِ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ اسْتِدْلَالًا وَجَوَابًا، وَهَذَا مَوْضِعٌ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، إِذْ لَا تَوَسُّطَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّحَيُّزِ إِلَى أَحَدِ الْفِئَتَيْنِ، وَنَحْنُ مُتَحَيِّزُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى أَكَابِرِ الصِّحَابَةِ وَقَائِلُونَ فِيهَا بِقَوْلِهِمْ:
إِنَّ الْقُرْءَ الْحَيْضُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ، فَنُجِيبُ عَمَّا عَارَضَ بِهِ أَرْبَابُ الْقَوْلِ الْآخَرِ، لِيَتَبَيَّنَ مَا رَجَّحْنَاهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَنَقُولُ: أَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1][الطَّلَاقِ: 1] ، فَهُوَ إِلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَكُمْ، فَإِنَّ الْمُرَادَ طَلَاقُهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ ضَرُورَةً، إِذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّ هَذَا - مَعَ تَضَمُّنِهِ لِكَوْنِ اللَّامِ لِلظَّرْفِيَّةِ بِمَعْنَى - فِي - فَاسِدٌ مَعْنًى، إِذْ لَا يُمْكِنُ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّهُ سَبَبُهَا، وَالسَّبَبُ يَتَقَدَّمُ الْحُكْمَ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ: الْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ، فَقَدْ عَمِلَ بِالْآيَةِ، وَطَلَّقَ قَبْلَ الْعِدَّةِ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا الْأَطْهَارُ فَالْعِدَّةُ تَتَعَقَّبُ الطَّلَاقَ، فَقَدْ طَلَّقَ قَبْلَ الْعِدَّةِ، قُلْنَا: فَبَطَلَ احْتِجَاجُكُمْ حِينَئِذٍ، وَصَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْعِدَّةِ لَا فِيهَا، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْآيَةِ، لَكِنَّ إِرَادَةَ الْحَيْضِ أَرْجَحُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ فِعْلَةٌ مِمَّا تَعُدُّ يَعْنِي مَعْدُودَةً؛ لِأَنَّهَا تُعَدُّ وَتُحْصَى، كَقَوْلِهِ:{وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1][الطَّلَاقِ: 1] ، وَالطُّهْرُ الَّذِي قَبْلَ الْحَيْضَةِ مِمَّا يُعَدُّ وَيُحْصَى، فَهُوَ مِنَ الْعِدَّةِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ دُخُولُهُ فِي مُسَمَّى الْقُرُوءِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ أَمْ لَا؟ فَلَوْ كَانَ النَّصُّ: فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُرُوئِهِنَّ، لَكَانَ فِيهِ تَعَلُّقٌ، فَهُنَا أَمْرَانِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228][الْبَقَرَةِ: 228]، وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1][الطَّلَاقِ: 1]، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقَائِلَ: افْعَلْ كَذَا لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنَ الشَّهْرِ، إِنَّمَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ مُمْتَثِلًا إِذَا فَعَلَهُ قَبْلَ مَجِيءِ الثَّلَاثِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: فَعَلْتُهُ لِثَلَاثٍ مَضَيْنَ مِنَ الشَّهْرِ، إِنَّمَا يَصْدُقُ إِذَا فَعَلَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ، وَهُوَ بِخِلَافِ حَرْفِ الظَّرْفِ الَّذِي هُوَ " فِي " فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: فَعَلْتُهُ فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ، كَانَ الْفِعْلُ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الثَّلَاثِ، وَهَاهُنَا نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: فَعَلْتُهُ لِثَلَاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ أَوْ بَقِينَ مِنَ الشَّهْرِ، وَفَعَلْتُهُ فِي الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ مِنَ الشَّهْرِ، أَوْ فِي ثَانِيهِ أَوْ ثَالِثِهِ، فَمَتَى أَرَادُوا مُضِيَّ الزَّمَانِ أَوِ اسْتِقْبَالَهُ، أَتَوْا بِاللَّامِ، وَمَتَى أَرَادُوا وُقُوعَ الْفِعْلِ فِيهِ، أَتَوْا بِفِي، وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا مُضِيَّ زَمَنِ الْفِعْلِ أَوِ اسْتِقْبَالَهُ
أَتَوْا بِالْعَلَامَةِ الدَّالَّةِ عَلَى اخْتِصَاصِ الْعَدَدِ الَّذِي يَلْفِظُونَ بِهِ بِمَا مَضَى، أَوْ بِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَإِذَا أَرَادُوا وُقُوعَ الْفِعْلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَتَوْا بِالْأَدَاةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُ، وَهِيَ أَدَاةُ " فِي "، وَهَذَا خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنَ النُّحَاةِ: إِنَّ اللَّامَ تَكُونُ بِمَعْنَى قَبْلُ فِي قَوْلِهِمْ: كَتَبْتُهُ لِثَلَاثٍ بَقِينَ، وَقَوْلِهِ:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1][الطَّلَاقِ: 1] . وَبِمَعْنَى بَعْدُ، كَقَوْلِهِمْ: لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ. وَبِمَعْنَى فِي: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47][الْأَنْبِيَاءِ: 47]، وَقَوْلِهِ:{فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: 25][آلِ عِمْرَانَ: 25] ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اللَّامَ عَلَى بَابِهَا لِلِاخْتِصَاصِ بِالْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْفِعْلَ لِلزَّمَانِ الْمَذْكُورِ اتِّسَاعًا لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ، فَكَأَنَّهُ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ.
وَفَرْقٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّكَ إِذَا أَتَيْتَ بِاللَّامِ، لَمْ يَكُنِ الزِّمَانُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ إِلَّا مَاضِيًا أَوْ مُنْتَظَرًا، وَمَتَى أَتَيْتَ بِفِي لَمْ يَكُنِ الزِّمَانُ الْمَجْرُورُ بِهَا إِلَّا مُقَارِنًا لِلْفِعْلِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا مِنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1][الطَّلَاقِ: 1]، مَعْنَاهُ: لِاسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ لَا فِيهَا، وَإِذَا كَانَتِ الْعِدَّةُ الَّتِي يُطَلَّقُ لَهَا النِّسَاءُ مُسْتَقْبَلَةً بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَالْمُسْتَقْبَلُ بَعْدَهَا إِنَّمَا هُوَ الْحَيْضُ، فَإِنَّ الطَّاهِرَ لَا تَسْتَقْبِلُ الطُّهْرَ إِذْ هِيَ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَسْتَقْبِلُ الْحَيْضَ بَعْدَ حَالِهَا الَّتِي هِيَ فِيهَا، هَذَا الْمَعْرُوفُ لُغَةً وَعَقْلًا وَعُرْفًا، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي عَافِيَةٍ: هُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْعَافِيَةَ، وَلَا لِمَنْ هُوَ فِي أَمْنٍ: هُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْأَمْنَ، وَلَا لِمَنْ هُوَ فِي قَبْضِ مَغَلِّهِ وَإِحْرَازِهِ: هُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَغَلَّ، وَإِنَّمَا الْمَعْهُودُ لُغَةً وَعُرْفًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الشَّيْءَ مَنْ هُوَ عَلَى حَالٍ ضِدَّهُ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ نُكْثِرَ شَوَاهِدَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَنْ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ مُطَلِّقًا لِلْعِدَّةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَقْبِلُ طُهْرَهَا بَعْدَ حَالِهَا الَّتِي هِيَ فِيهَا، قُلْنَا: نَعَمْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَوَّلُ الْعِدَّةِ الَّتِي تُطَلَّقُ لَهَا الْمَرْأَةُ هُوَ الطُّهْرَ لَكَانَ إِذَا طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ مُطَلِّقًا لِلْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الطُّهْرَ بَعْدَ ذَلِكَ الطَّلَاقِ.
فَإِنْ قِيلَ: " اللَّامُ " بِمَعْنَى " فِي "، وَالْمَعْنَى: فَطَلِّقُوهُنَّ فِي عِدَّتِهِنَّ، وَهَذَا إِنَّمَا
يُمْكِنُ إِذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ. قِيلَ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُرُوفِ، وَالْأَصْلُ إِفْرَادُ كُلِّ حَرْفٍ بِمَعْنَاهُ، فَدَعْوَى خِلَافِ ذَلِكَ مَرْدُودَةٌ بِالْأَصْلِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعِدَّةِ ظَرْفًا لِزَمَنِ الطَّلَاقِ، فَيَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الْعِدَّةِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الظَّرْفِيَّةِ، كَمَا إِذَا قُلْتَ: فَعَلْتُهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ، بَلِ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الظَّرْفِ سَابِقًا عَلَى الْفِعْلِ، وَلَا رَيْبَ فِي امْتِنَاعِ هَذَا، فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَتَعَقَّبُ الطَّلَاقَ وَلَا تُقَارِنُهُ، وَلَا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ.
قَالُوا: وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ " اللَّامَ " بِمَعْنَى " فِي "، وَسَاعَدَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاءَةُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه وَغَيْرِهِ:(فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ)، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْءُ: هُوَ الطُّهْرَ، فَإِنَّ الْقُرْءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ هُوَ الْحَيْضَ، وَهُوَ الْمَعْدُودُ وَالْمَحْسُوبُ، وَمَا قَبْلَهُ مِنَ الطُّهْرِ يَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ تَبَعًا وَضِمْنًا لِوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْحَيْضِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ طُهْرٌ، فَإِذَا قِيلَ: تَرَبَّصِي ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَهِيَ فِي أَثْنَاءِ الطُّهْرِ كَانَ ذَلِكَ الطُّهْرُ مِنْ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، كَمَا لَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ: أَقِمْ هَاهُنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ لَيْلَةٍ، فَإِنَّهُ يُدْخِلُ بَقِيَّةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهَا، كَمَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ الْيَوْمَيْنِ الْآخَرِيَنِ فِي يَوْمَيْهِمَا. وَلَوْ قِيلَ لَهُ فِي النَّهَارِ: أَقِمْ ثَلَاثَ لَيَالٍ، دَخَلَ تَمَامُ ذَلِكَ النَّهَارِ تَبَعًا لِلَّيْلَةِ الَّتِي تَلِيهِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْحَيْضَ إِنَّمَا يَتِمُّ بِاجْتِمَاعِ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ قَبْلَهُ، فَكَانَ الطُّهْرُ مُقَدَّمَةً وَسَبَبًا لِوُجُودِ الْحَيْضِ، فَإِذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ، فَمِنْ لَوَازِمِهِ مَا لَا يُوجَدُ الْحَيْضُ إِلَّا بِوُجُودِهِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا أَبْلَغُ مِنَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي، فَإِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مُتَلَازِمَانِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا سَبَبًا لِوُجُودِ الْآخَرِ، وَهَاهُنَا الطُّهْرُ سَبَبٌ لِاجْتِمَاعِ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ، فَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ الَّتِي
تَتَرَبَّصُهَا، وَهِيَ تَتَرَبَّصُ ثَلَاثَ حِيَضٍ بِالْأَطْهَارِ الَّتِي قَبْلَهَا. فَإِذَا طُلِّقَتْ فِي أَثْنَاءِ الطُّهْرِ، فَقَدْ طُلِّقَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَسْتَقْبِلُ فِيهِ الْعِدَّةَ الْمَحْسُوبَةَ، وَتِلْكَ الْعِدَّةُ هِيَ الْحَيْضُ بِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْأَطْهَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طُلِّقَتْ فِي أَثْنَاءِ حَيْضَةٍ، فَإِنَّهَا لَمْ تُطَلَّقْ لِعِدَّةٍ تَحْسَبُهَا؛ لَأَنَّ بَقِيَّةَ ذَلِكَ الْحَيْضِ لَيْسَ هُوَ الْعِدَّةَ الَّتِي تَعْتَدُّ بِهَا الْمَرْأَةُ أَصْلًا وَلَا تَبَعًا لِأَصْلٍ، وَإِنَّمَا تُسَمَّى عِدَّةً؛ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ فِيهَا عَنِ الْأَزْوَاجِ، إِذَا عُرِفَ هَذَا، فَقَوْلُهُ:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47][الْأَنْبِيَاءِ: 47] ، يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لَامَ التَّعْلِيلِ، أَيْ: لِأَجْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْقِسْطَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، أَيْ نَضَعُهَا لِأَجْلِ الْقِسْطِ، وَقَدِ اسْتَوْفَى شُرُوطَ نَصْبِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78][الْإِسْرَاءِ: 78] ، فَلَيْسَتِ اللَّامُ بِمَعْنَى " فِي " قَطْعًا، بَلْ قِيلَ: إِنَّهَا لَامُ التَّعْلِيلِ، أَيْ: لِأَجْلِ دُلُوكِ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى بَعْدَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إِقَامَتَهَا وَقْتَ الدُّلُوكِ سَوَاءٌ فُسِّرَ بِالزَّوَالِ أَوِ الْغُرُوبِ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ بَعْدَهُ، وَيَسْتَحِيلُ حَمْلُ آيَةِ الْعِدَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَكَذَا يَسْتَحِيلُ حَمْلُ آيَةِ الْعِدَّةِ عَلَيْهِ، إِذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى: فَطَلِّقُوهُنَّ بَعْدَ عِدَّتِهِنَّ. فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِاسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إِذَا طُلِّقَتْ طَاهِرًا اسْتَقْبَلَتِ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ. وَلَوْ كَانَتِ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارَ، لَكَانَتِ السُّنَّةُ أَنْ تُطَلَّقَ حَائِضًا لِتَسْتَقْبِلَ الْعِدَّةَ بِالْأَطْهَارِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْعِدَّةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ هِيَ أَنْ تُطَلَّقَ طَاهِرًا لِتَسْتَقْبِلَ عِدَّتَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا جَعَلْنَا الْأَقْرَاءَ: الْأَطْهَارَ، اسْتَقْبَلَتْ عِدَّتَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِلَا فَصْلٍ، وَمَنْ جَعَلَهَا الْحِيَضَ لَمْ تَسْتَقْبِلْهَا عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الطُّهْرُ.
قِيلَ: كَلَامُ الرَّبِّ تبارك وتعالى لَا بُدَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى فَائِدَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَعْنَى: فَطَلِّقُوهُنَّ طَلَاقًا تَكُونُ الْعِدَّةُ بَعْدَهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الْمَعْنَى: فَطَلِّقُوهُنَّ طَلَاقًا يَسْتَقْبِلْنَ فِيهِ الْعِدَّةَ لَا يَسْتَقْبِلْنَ فِيهِ طُهْرًا لَا تَعْتَدُّ بِهِ، فَإِنَّهَا إِذَا طُلِّقَتْ حَائِضًا اسْتَقْبَلَتْ طُهْرًا لَا تَعْتَدُّ بِهِ، فَلَمْ تُطَلَّقْ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ، وَيُوَضِّحُهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدِّتِهِنَّ. وَقُبُلُ الْعِدَّةِ: هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي
يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الْعِدَّةِ تُسْتَقْبَلُ بِهِ، كَقُبُلِ الْحَائِضِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ مَا ذَكَرُوهُ، لَقِيلَ: فِي أَوَّلِ عِدَّتِهِنَّ، فَالْفَرْقُ بَيِّنٌ بَيْنَ قُبُلِ الشَّيْءِ وَأَوَّلِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: لَوْ كَانَتِ الْقُرُوءُ هِيَ الْحِيَضَ، لَكَانَ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ. قُلْنَا: أَجَلْ، وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَقْلًا وَشَرْعًا، فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تُفَارِقُ الطَّلَاقَ وَلَا تَسْبِقُهُ، بَلْ يَجِبُ تَأَخُّرُهَا عَنْهُ.
قَوْلُكُمْ: وَكَانَ ذَلِكَ تَطْوِيلًا عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، قِيلَ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ خَشْيَةُ التَّطْوِيلِ عَلَيْهَا، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يَرْضَوْنَ هَذَا التَّعْلِيلَ، وَيُفْسِدُونَهُ بِأَنَّهَا لَوْ رَضِيَتْ بِالطَّلَاقِ فِيهِ، وَاخْتَارَتِ التَّطْوِيلَ، لَمْ يُبَحْ لَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ، لَمْ تُبَحْ لَهُ بِرِضَاهَا، كَمَا يُبَاحُ إِسْقَاطُ الرَّجْعَةِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمُطَلِّقِ بِتَرَاضِيهِمَا بِإِسْقَاطِهَا بِالْعِوَضِ اتِّفَاقًا، وَبِدُونِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد ومالك، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا حَرُمَ طَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي وَقْتِ رَغْبَةٍ عَنْهَا، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّحْرِيمَ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ عَلَيْهَا، فَالتَّطْوِيلُ الْمُضِرُّ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا، فَتَنْتَظِرَ مُضِيَّ الْحَيْضَةِ وَالطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهَا، ثُمَّ تَأْخُذَ فِي الْعِدَّةِ، فَلَا تَكُونُ مُسْتَقْبِلَةً لِعِدَّتِهَا بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا إِذَا طُلِّقَتْ طَاهِرًا، فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ عَقِيبَ انْقِضَاءِ الطُّهْرِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّطْوِيلُ.
وَقَوْلُكُمْ: إِنَّ الْقُرْءَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَمْعِ، وَإِنَّمَا يُجْمَعُ الْحَيْضُ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ. عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ، وَالَّذِي هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَمْعِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْيَاءِ مِنَ الْمُعْتَلِّ، مِنْ قَرَى يَقْرِي، كَقَضَى يَقْضِي، وَالْقُرْءُ مِنَ الْمَهْمُوزِ مِنْ بَنَاتِ الْهَمْزِ، مِنْ قَرَأَ يَقْرَأُ، كَنَحَرَ يَنْحَرُ، وَهُمَا أَصْلَانِ مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَقْرِيهِ، أَيْ: جَمَعْتُهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقَرْيَةُ، وَمِنْهُ قَرْيَةُ النَّمْلِ: لِلْبَيْتِ الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْرِيهَا، أَيْ يَضُمُّهَا وَيَجْمَعُهَا. وَأَمَّا الْمَهْمُوزُ، فَإِنَّهُ مِنَ الظُّهُورِ وَالْخُرُوجِ عَلَى وَجْهِ التَّوْقِيتِ وَالتَّحْدِيدِ، وَمِنْهُ قِرَاءَةُ
الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ قَارِئَهُ يُظْهِرُهُ وَيُخْرِجُهُ مِقْدَارًا مَحْدُودًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17][الْقِيَامَةِ: 17] ، فَفُرِّقَ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْقُرْآنِ. وَلَوْ كَانَا وَاحِدًا، لَكَانَ تَكْرِيرًا مَحْضًا؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18][الْقِيَامَةِ: 18] ، فَإِذَا بَيَّنَّاهُ، فَجَعَلَ قِرَاءَتَهُ نَفْسَ إِظْهَارِهِ وَبَيَانِهِ، لَا كَمَا زَعَمَ أبو عبيدة أَنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَمْعِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَا قَرَأَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ سَلًى قَطُّ، وَمَا قَرَأَتْ جَنِينًا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، أَيْ مَا وَلَدَتْهُ وَأَخْرَجَتْهُ وَأَظْهَرَتْهُ، وَمِنْهُ: فُلَانٌ يَقْرَؤُكُ السَّلَامَ، وَيَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، هُوَ مِنَ الظُّهُورِ وَالْبَيَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَرَأَتِ الْمَرْأَةُ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ، أَيْ: حَاضَتْهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ ظُهُورُ مَا كَانَ كَامِنًا، كَظُهُورِ الْجَنِينِ، وَمِنْهُ: قُرُوءُ الثُّرَيَّا، وَقُرُوءُ الرِّيحِ: وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَظْهَرُ الْمَطَرُ وَالرِّيحُ، فَإِنَّهُمَا يَظْهَرَانِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الِاشْتِقَاقَ الْمُصَنِّفُونَ فِي كُتُبِ الِاشْتِقَاقِ، وَذَكَرَهُ أبو عمرو وَغَيْرُهُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْحَيْضِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الطُّهْرِ.
قَوْلُكُمْ: إِنَّ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: الْقُرُوءُ: الْأَطْهَارُ، وَالنِّسَاءُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنَ الرِّجَالِ.
فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَنْ جَعَلَ النِّسَاءَ أَعْلَمَ بِمُرَادِ اللَّهِ مِنْ كِتَابِهِ، وَأَفْهَمَ لِمَعْنَاهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنهم، وَأَكَابِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَنُزُولُ ذَلِكَ فِي شَأْنِهِنَّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ أَعْلَمُ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ، وَإِلَّا كَانَتْ كُلُّ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي النِّسَاءِ تَكُونُ النِّسَاءُ أَعْلَمَ بِهَا مِنَ الرِّجَالِ، وَيَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ تَقْلِيدُهُنَّ فِي مَعْنَاهَا وَحُكْمِهَا، فَيَكُنَّ أَعْلَمَ مِنَ
الرِّجَالِ بِآيَةِ الرَّضَاعِ، وَآيَةِ الْحَيْضِ، وَتَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَائِضِ، وَآيَةِ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَآيَةِ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ وَمُدَّتِهِمَا، وَآيَةِ تَحْرِيمِ إِبْدَاءِ الزِّينَةِ إِلَّا لِمَنْ ذُكِرَ فِيهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهِنَّ، وَفِي شَأْنِهِنَّ نَزَلَتْ، وَيَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ تَقْلِيدُهُنَّ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَعْنَاهَا، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ الْبَتَّةَ. وَكَيْفَ وَمَدَارُ الْعِلْمِ بِالْوَحْيِ عَلَى الْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَوُفُورِ الْعَقْلِ وَالرِّجَالُ أَحَقُّ بِهَذَا مِنَ النِّسَاءِ، وَأَوْفَرُ نَصِيبًا مِنْهُ، بَلْ لَا يَكَادُ يَخْتَلِفُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي مَسْأَلَةٍ إِلَّا وَالصَّوَابُ فِي جَانِبِ الرِّجَالِ، وَكَيْفَ يُقَالُ: إِذَا اخْتَلَفَتْ عائشة، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي مَسْأَلَةٍ: إِنَّ الْأَخْذَ بِقَوْلِ عائشة رضي الله عنها أَوْلَى، وَهَلِ الْأَوْلَى إِلَّا قَوْلٌ فِيهِ خَلِيفَتَانِ رَاشِدَانِ؟ وَإِنْ كَانَ الصِّدِّيقُ مَعَهُمَا كَمَا حُكِيَ عَنْهُ، فَذَلِكَ الْقَوْلُ مِمَّا لَا يَعْدُوهُ
الصَّوَابُ الْبَتَّةَ، فَإِنَّ النَّقْلَ عَنْ عمر، وعلي ثَابِتٌ، وَأَمَّا عَنِ الصِّدِّيقِ فَفِيهِ غَرَابَةٌ، وَيَكْفِينَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ مِثْلُ: عمر، وعلي، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وأبي موسى، فَكَيْفَ نُقَدِّمُ قَوْلَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَفَهْمَهَا عَلَى أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ؟
ثُمَّ يُقَالُ: فَهَذِهِ عائشة رضي الله عنها تَرَى رَضَاعَ الْكَبِيرِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، وَيُثْبِتُ الْمَحْرَمِيَّةَ، وَمَعَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَقَدْ خَالَفَهَا غَيْرُهَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهِيَ رَوَتْ حَدِيثَ التَّحْرِيمِ بِهِ، فَهَلَّا قُلْتُمْ: النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنَ الرِّجَالِ، وَرَجَّحْتُمْ قَوْلَهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ خَالَفَهَا؟
وَنَقُولُ لِأَصْحَابِ مالك رحمه الله: وَهَذِهِ عائشة رضي الله عنها لَا تَرَى التَّحْرِيمَ إِلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ، وَمَعَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَرَوَتْ فِيهِ حَدِيثَيْنِ، فَهَلَّا قُلْتُمْ: النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنَ الرِّجَالِ، وَقَدَّمْتُمْ قَوْلَهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ خَالَفَهَا؟
فَإِنْ قُلْتُمْ: هَذَا حُكْمٌ يَتَعَدَّى إِلَى الرِّجَالِ، فَيَسْتَوِي النِّسَاءُ مَعَهُمْ فِيهِ، قِيلَ: وَيَتَعَدَّى حُكْمُ الْعِدَّةِ مِثْلَهُ إِلَى الرِّجَالِ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَ النِّسَاءُ مَعَهُمْ فِيهِ، وَهَذَا لَا خَفَاءَ بِهِ. ثُمَّ يُرَجَّحُ قَوْلُ الرِّجَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهِدَ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا الْحِزْبِ، بِأَنَّ اللَّهَ ضَرَبَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ. وَقَدْ وَافَقَ رَبَّهُ تبارك وتعالى فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ قَالَ فِيهَا قَوْلًا، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمِثْلِ مَا قَالَ، وَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضْلَ إِنَائِهِ فِي النَّوْمِ، وَأَوَّلَهُ
بِالْعِلْمِ وَشَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ مُحَدَّثٌ مُلْهَمٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّقْلِيدِ، فَتَقْلِيدُهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتِ الْحُجَّةُ هِيَ الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ، فَتَحْكِيمُهَا هُوَ الْوَاجِبُ.
قَوْلُكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ، لَا يَقُولُونَ بِقَوْلِ علي وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا بِقَوْلِ عائشة، فَإِنَّ عليا يَقُولُ: هُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِوَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ، فَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ تَنَاقُضًا مِمَّنْ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ، كَأَصْحَابِ أبي حنيفة، وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا عَمَّنْ يَقُولُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَهُوَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَةُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَبْقَى عِنْدَهُ إِلَى أَنْ تَغْتَسِلَ كَمَا قَالَهُ عَلِيٌّ، وَمَنْ وَافَقَهُ، وَنَحْنُ نَعْتَذِرُ عَمَّنْ يَقُولُ: الْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَقُولُ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، فَإِنَّهُ وَافَقَ مَنْ يَقُولُ: الْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ فِي ذَلِكَ، وَخَالَفَهُ فِي تَوَقُّفِ انْقِضَائِهَا عَلَى الْغُسْلِ لِمُعَارِضٍ أَوْجَبَ لَهُ مُخَالَفَتَهُ، كَمَا يَفْعَلُهُ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ.
وَلَوْ ذَهَبْنَا نَعُدُّ مَا تَصَرَّفْتُمْ فِيهِ هَذَا التَّصَرُّفَ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُعَارِضُ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ تَنَاقُضًا مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، لَمْ يَكُنْ ضَعِيفُ قَوْلِهِمْ فِي إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ عِنْدَهُمْ بِمَانِعٍ لَهُمْ مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ مُوَافَقَةَ أَكَابِرِ الصِّحَابَةِ وَفِيهِمْ مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فِي مُعْظَمِ قَوْلِهِمْ خَيْرٌ، وَأَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعِهِ وَإِلْغَائِهِ بِحَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ الْبَتَّةَ.
قَالُوا: ثُمَّ لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي تَوَقُّفِ انْقِضَائِهَا عَلَى الْغُسْلِ، بَلْ قُلْنَا: لَا تَنْقَضِي حَتَّى تَغْتَسِلَ، أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ، فَوَافَقْنَاهُمْ فِي قَوْلِهِمْ بِالْغُسْلِ، وَزِدْنَا عَلَيْهِمُ انْقِضَاءَهَا بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ بِدَلِيلِ اسْتِقْرَارِ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهَا، فَأَيْنَ الْمُخَالَفَةُ الصَّرِيحَةُ لِلْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
وَقَوْلُكُمْ: لَا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِلْغُسْلِ مَعْنًى. فَيُقَالُ: كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْغُسْلِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الْحِلَّ وَالْبَيْنُونَةَ بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِيمَا يَنْقَضِي بِهِ الْأَجَلُ، فَقِيلَ: بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ. وَقِيلَ: بِالْغُسْلِ أَوْ مُضِيِّ صَلَاةٍ، أَوِ انْقِطَاعِهِ لِأَكْثَرِهِ. وَقِيلَ: بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَحُجَّةُ مَنْ وَقَفَهُ عَلَى الْغُسْلِ قَضَاءُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عمر، وعلي، وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُونَ: حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ. قَالُوا: وَهُمْ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَحُدُودِ مَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وأبي موسى، وعبادة، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، حَكَاهُ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ. وَمِنْ هَاهُنَا قِيلَ: إِنَّ مَذْهَبَ الصِّدِّيقِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَنَّ الْأَقْرَاءَ: الْحِيَضُ.
قَالُوا: وَهَذَا الْقَوْلُ لَهُ حَظٌّ وَافِرٌ مِنَ الْفِقْهِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي حُكْمِ الْحُيَّضِ مِنْ وَجْهٍ، وَالْوُجُوهُ الَّتِي هِيَ فِيهَا فِي حُكْمِ الْحُيَّضِ أَكْثَرُ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي هِيَ فِيهَا فِي حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ، فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ فِي صِحَّةِ الصِّيَامِ، وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَفِي حُكْمِ الْحُيَّضِ فِي تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ مَنْ حَرَّمَهُ عَلَى الْحَائِضِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ، وَتَحْرِيمِ الطَّلَاقِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَاحْتَاطَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَأَكَابِرُ الصِّحَابَةِ لِلنِّكَاحِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهَا مِنْهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إِلَّا بِقَيْدٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَهُوَ ثُبُوتُ حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ فِي