الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ أَشَارَ صلى الله عليه وسلم إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ: ( «وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَبَدًا» ) فَهَذَا إِمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ دَرَجَةَ الْآخَرِ بِلَفْظِهِ أَوْ إِشَارَتِهِ.
[فَصْلٌ فِيمَا حَكَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِتَحْرِيمِهِ مِنَ النِّسَاءِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم]
حَرَّمَ الْأُمَّهَاتِ، وَهُنَّ كُلُّ مَنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِيلَادٌ مِنْ جِهَةِ الْأُمُومَةِ أَوِ الْأُبُوَّةِ، كَأُمَّهَاتِهِ وَأُمَّهَاتِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ مِنْ جِهَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ عَلَوْنَ.
وَحَرَّمَ الْبَنَاتِ، وَهُنَّ كُلُّ مَنِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ بِإِيلَادٍ كَبَنَاتِ صُلْبِهِ، وَبَنَاتِ بَنَاتِهِ وَأَبْنَائِهِنَّ وَإِنْ سَفَلْنَ.
وَحَرَّمَ الْأَخَوَاتِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَحَرَّمَ الْعَمَّاتِ، وَهُنَّ أَخَوَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْنَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.
وَأَمَّا عَمَّةُ الْعَمِّ، فَإِنْ كَانَ الْعَمُّ لِأَبٍ فَهِيَ عَمَّةُ أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِأُمٍّ فَعَمَّتُهُ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، فَلَا تَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ، وَأَمَّا عَمَّةُ الْأُمِّ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي عَمَّاتِهِ، كَمَا دَخَلَتْ عَمَّةُ أَبِيهِ فِي عَمَّاتِهِ.
وَحَرَّمَ الْخَالَاتِ، وَهُنَّ أَخَوَاتُ أُمَّهَاتِهِ، وَأُمَّهَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَأَمَّا خَالَةُ الْعَمَّةِ فَإِنْ كَانَتِ الْعَمَّةُ لِأَبٍ فَخَالَتُهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِأُمٍّ فَخَالَتُهَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّهَا خَالَةٌ، وَأَمَّا عَمَّةُ الْخَالَةِ، فَإِنْ كَانَتِ الْخَالَةُ لِأُمٍّ فَعَمَّتُهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِأَبٍ فَعَمَّتُهَا حَرَامٌ، لِأَنَّهَا عَمَّةُ الْأُمِّ.
وَحَرَّمَ بَنَاتِ الْأَخِ، وَبَنَاتِ الْأُخْتِ، فَيَعُمُّ الْأَخَ وَالْأُخْتَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَبَنَاتِهِمَا وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُنَّ.
وَحَرَّمَ الْأُمَّ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ أُمَّهَاتُهَا مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَإِذَا صَارَتِ الْمُرْضِعَةُ أُمَّهُ صَارَ صَاحِبُ اللَّبَنِ - وَهُوَ الزَّوْجُ أَوِ السَّيِّدُ إِنْ كَانَتْ جَارِيَةً - أَبَاهُ، وَآبَاؤُهُ أَجْدَادَهُ، فَنَبَّهَ بِالْمُرْضِعَةِ صَاحِبَةِ اللَّبَنِ الَّتِي هِيَ مُودَعٌ
فِيهَا لِلْأَبِ، عَلَى كَوْنِهِ أَبًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُ وَبِوَطْئِهِ ثَابَ، وَلِهَذَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَحْرِيمِ لَبَنِ الْفَحْلِ، فَثَبَتَ بِالنَّصِّ وَإِيمَائِهِ انْتِشَارُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ إِلَى أُمِّ الْمُرْتَضِعِ وَأَبِيهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ صَارَ ابْنًا لَهُمَا، وَصَارَا أَبَوَيْنِ لَهُ، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ إِخْوَتُهُمَا وَأَخَوَاتُهُمَا خَالَاتٍ لَهُ وَعَمَّاتٍ، وَأَبْنَاؤُهُمَا وَبَنَاتُهُمَا إِخْوَةً لَهُ وَأَخَوَاتٍ، فَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ:{وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23][النِّسَاءِ: 22] عَلَى انْتِشَارِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ إِلَى إِخْوَتِهِمَا وَأَخَوَاتِهِمَا، كَمَا انْتَشَرَتْ مِنْهُمَا إِلَى أَوْلَادِهِمَا، فَكَمَا صَارُوا إِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ لِلْمُرْتَضِعِ فَأَخْوَالُهُمَا وَخَالَاتُهُمَا أَخْوَالٌ وَخَالَاتٌ لَهُ وَأَعْمَامٌ وَعَمَّاتٌ لَهُ، الْأَوَّلُ بِطَرِيقِ النَّصِّ، وَالْآخَرُ بِتَنْبِيهِهِ، كَمَا أَنَّ الِانْتِشَارَ إِلَى الْأُمِّ بِطَرِيقِ النَّصِّ وَإِلَى الْأَبِ بِطَرِيقِ تَنْبِيهِهِ.
وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ عَجِيبَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي الْقُرْآنِ، لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إِلَّا كُلُّ غَائِصٍ عَلَى مَعَانِيهِ وَوُجُوهِ دَلَالَاتِهِ، وَمِنْ هُنَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ( «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» )، وَلَكِنَّ الدَّلَالَةَ دَلَالَتَانِ: خَفِيَّةٌ وَجَلِيَّةٌ، فَجَمَعَهُمَا لِلْأُمَّةِ لِيَتِمَّ الْبَيَانُ وَيَزُولَ الِالْتِبَاسُ، وَيَقَعَ عَلَى الدَّلَالَةِ الْجَلِيَّةِ الظَّاهِرَةِ مَنْ قَصُرَ فَهْمُهُ عَنِ الْخُفْيَةِ.
وَحَرَّمَ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أُمُّ الْمَرْأَةِ وَإِنْ عَلَتْ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رِضَاعٍ، دَخَلَ بِالْمَرْأَةِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى هَؤُلَاءِ كُلِّهِنَّ.
وَحَرَّمَ الرَّبَائِبَ اللَّاتِي فِي حُجُورِ الْأَزْوَاجِ، وَهُنَّ بَنَاتُ نِسَائِهِمُ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ، فَتَنَاوَلَ بِذَلِكَ بَنَاتِهِنَّ، وَبَنَاتِ بَنَاتِهِنَّ، وَبَنَاتِ أَبْنَائِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي اسْمِ الرَّبَائِبِ، وَقَيَّدَ التَّحْرِيمَ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا: كَوْنُهُنَّ فِي حُجُورِ الْأَزْوَاجِ. وَالثَّانِي:
الدُّخُولُ بِأُمَّهَاتِهِنَّ. فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ الدُّخُولُ لَمْ يَثْبُتِ التَّحْرِيمُ، وَسَوَاءٌ حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ، هَذَا مُقْتَضَى النَّصِّ.
وَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ، وأحمد فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: إِلَى أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ فِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ كَالدُّخُولِ بِهَا، لِأَنَّهُ يُكْمِلُ الصَّدَاقَ، وَيُوجِبُ الْعِدَّةَ وَالتَّوَارُثَ، فَصَارَ كَالدُّخُولِ، وَالْجُمْهُورُ أَبَوْا ذَلِكَ، وَقَالُوا: الْمَيِّتَةُ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَا تَحْرُمُ ابْنَتُهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ التَّحْرِيمَ بِالدُّخُولِ، وَصَرَّحَ بِنَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ.
وَأَمَّا كَوْنُهَا فِي حِجْرِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ لَا تَقْيِيدًا لِلتَّحْرِيمِ بِهِ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31][الْإِسْرَاءِ: 31] وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ بِنْتِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أُمِّهَا فَهِيَ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ وُقُوعًا وَجَوَازًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّاتِي مِنْ شَأْنِهِنَّ أَنْ يَكُنَّ فِي حُجُورِكُمْ، فَفِي ذِكْرِ هَذَا فَائِدَةٌ شَرِيفَةٌ، وَهِيَ جَوَازُ جَعْلِهَا فِي حِجْرِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِبْعَادُهَا عَنْهُ، وَتَجَنُّبُ مُؤَاكَلَتِهَا، وَالسَّفَرُ وَالْخَلْوَةُ بِهَا، فَأَفَادَ هَذَا الْوَصْفُ عَدَمَ الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَمَّا خَفِيَ هَذَا عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، شَرَطَ فِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ أَنْ تَكُونَ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ، وَقَيَّدَ تَحْرِيمَهَا بِالدُّخُولِ بِأُمِّهَا، وَأَطْلَقَ تَحْرِيمَ أُمِّ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالدُّخُولِ، فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: إِنَّ الْأُمَّ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَلَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ، وَقَالُوا: أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وَصْفٌ لِنِسَائِكُمُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَأَنَّهُ لَا تَحْرُمُ الْأُمُّ إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْبِنْتِ، وَهَذَا يَرُدُّهُ نَظْمُ الْكَلَامِ وَحَيْلُولَةُ الْمَعْطُوفِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ، وَامْتِنَاعُ جَعْلِ الصِّفَةِ لِلْمُضَافِ إِلَيْهِ دُونَ الْمُضَافِ إِلَّا عِنْدَ الْبَيَانِ، فَإِذَا قُلْتَ: مَرَرْتُ بِغُلَامِ زَيْدٍ الْعَاقِلِ فَهُوَ صِفَةٌ لِلْغُلَامِ لَا لِزَيْدٍ إِلَّا عِنْدَ زَوَالِ اللَّبْسِ، كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِغُلَامِ هِنْدٍ الْكَاتِبَةِ، وَيَرُدُّهُ أَيْضًا جَعْلُهُ صِفَةً وَاحِدَةً لِمَوْصُوفَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ وَالتَّعَلُّقِ وَالْعَامِلِ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَوْصُوفَ الَّذِي يَلِي الصِّفَةَ أَوْلَى بِهَا لِجِوَارِهِ، وَالْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إِلَى نَقْلِهَا عَنْهُ، أَوْ تَخَطِّيهَا إِيَّاهُ إِلَى الْأَبْعَدِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَدْخَلْتُمْ رَبِيبَتَهُ الَّتِي هِيَ بِنْتُ جَارِيَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا وَلَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ؟ . قُلْنَا: السُّرِّيَّةُ قَدْ تَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ نِسَائِهِ، كَمَا دَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223][الْبَقَرَةِ: 223] وَدَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187][الْبَقَرَةِ: 187] وَدَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22][النِّسَاءِ: 22] .
فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا إِدْخَالُهَا فِي قَوْلِهِ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23][النِّسَاءِ: 23] فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّ جَارِيَتِهِ؟ .
قُلْنَا: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ قَدْ قَرَّرْتُمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ بِالْبِنْتِ فِي تَحْرِيمِ أُمِّهَا فَكَيْفَ تَشْتَرِطُونَهُ هَا هُنَا؟ .
قُلْنَا: لِتَصِيرَ مِنْ نِسَائِهِ، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ صَارَتْ مِنْ نِسَائِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا الْمَمْلُوكَةُ فَلَا تَصِيرُ مِنْ نِسَائِهِ حَتَّى يَطَأَهَا، فَإِذَا وَطِئَهَا صَارَتْ مِنْ نِسَائِهِ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَدْخَلْتُمُ السُّرِّيَّةَ فِي نِسَائِهِ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ وَلَمْ تُدْخِلُوهَا فِي نِسَائِهِ فِي آيَةِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ؟ .
قِيلَ: السِّيَاقُ وَالْوَاقِعُ يَأْبَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الظِّهَارَ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا، وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ الْأَزْوَاجُ لَا الْإِمَاءُ، فَنَقَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الطَّلَاقِ إِلَى التَّحْرِيمِ الَّذِي تُزِيلُهُ الْكَفَّارَةُ،
وَنَقَلَ حُكْمَهُ وَأَبْقَى مَحِلَّهُ، وَأَمَّا الْإِيلَاءُ فَصَرِيحٌ فِي أَنَّ مَحِلَّهُ الزَّوْجَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ - وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 - 227][الْبَقَرَةِ: 226 - 227] .
وَحَرَّمَ سُبْحَانَهُ حَلَائِلَ الْأَبْنَاءِ، وَهُنَّ مَوْطُوآتُ الْأَبْنَاءِ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، فَإِنَّهَا حَلِيلَةٌ بِمَعْنَى مُحَلَّلَةٍ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ ابْنُ صُلْبِهِ وَابْنُ ابْنِهِ وَابْنُ ابْنَتِهِ، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ ابْنُ التَّبَنِّي، وَهَذَا التَّقْيِيدُ قُصِدَ بِهِ إِخْرَاجُهُ.
وَأَمَّا حَلِيلَةُ ابْنِهِ مِنَ الرَّضَاعِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ يُدْخِلُونَهَا فِي قَوْلِهِ: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23][النِّسَاءِ: 23] وَلَا يُخْرِجُونَهَا بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23][النِّسَاءِ: 23] وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ( «حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعِ مَا تُحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ» )، قَالُوا: وَهَذِهِ الْحَلِيلَةُ تَحْرُمُ إِذَا كَانَتْ لِابْنِ النَّسَبِ، فَتَحْرُمُ إِذَا كَانَتْ لِابْنِ الرَّضَاعِ. قَالُوا: وَالتَّقْيِيدُ لِإِخْرَاجِ ابْنِ التَّبَنِّي لَا غَيْرَ، وَحَرَّمُوا مِنَ الرَّضَاعِ بِالصِّهْرِ نَظِيرَ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ. وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ وَقَالُوا: لَا تَحْرُمُ حَلِيلَةُ ابْنِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُلْبِهِ، وَالتَّقْيِيدُ كَمَا يُخْرِجُ حَلِيلَةَ ابْنِ التَّبَنِّي يُخْرِجُ حَلِيلَةَ ابْنِ الرَّضَاعِ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: ( «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ) فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ أَدِلَّتِنَا وَعُمْدَتِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ حَلَائِلِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ إِنَّمَا هُوَ بِالصِّهْرِ لَا بِالنَّسَبِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَصَرَ تَحْرِيمَ الرَّضَاعِ عَلَى نَظِيرِهِ مِنَ النَّسَبِ لَا عَلَى شَقِيقِهِ مِنَ الصِّهْرِ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ بِالتَّحْرِيمِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ.
قَالُوا: وَالتَّحْرِيمُ بِالرَّضَاعِ فَرْعٌ عَلَى تَحْرِيمِ النَّسَبِ لَا عَلَى تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، فَتَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَنُصَّ فِي كِتَابِهِ