الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَرَائِعِ الدِّينِ الَّذِي الْتَزَمَهُ كَمَا خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ مَا لَمْ يُحَاكِمْ إِلَيْنَا، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ عُذْرُ الَّذِينَ أَوْجَبُوا الْإِحْدَادَ عَلَى الذِّمِّيَّةِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الزَّوْجِ الْمُسْلِمِ، وَكَانَ مِنْهُ إِلْزَامُهَا بِهِ كَأَصْلِ الْعِدَّةِ، وَلِهَذَا لَا يُلْزِمُونَهَا بِهِ فِي عِدَّتِهَا مِنَ الذِّمِّيِّ، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهَا فِيهَا، فَصَارَ هَذَا كَعُقُودِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ يُلْزَمُونَ فِيهَا بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِعُقُودِهِمْ مَعَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَمَنْ يُنَازِعُهُمْ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ الْإِحْدَادُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا لَوِ اتَّفَقَتْ هِيَ وَالْأَوْلِيَاءُ وَالْمُتَوَفَّى عَلَى سُقُوطِهِ بِأَنْ أَوْصَاهَا بِتَرْكِهِ لَمْ يَسْقُطْ وَلَزِمَهَا الْإِتْيَانُ بِهِ فَهُوَ جَارٍ مَجْرَى الْعِبَادَاتِ، وَلَيْسَتِ الذِّمِّيَّةُ مِنْ أَهْلِهَا، فَهَذَا سِرُّ الْمَسْأَلَةِ.
[فصل لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا أُمِّ الْوَلَدِ]
فَصْلٌ
الْحُكْمُ الرَّابِعُ أَنَّ الْإِحْدَادَ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا مَاتَ سَيِّدُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِزَوْجَيْنِ. قَالَ ابن المنذر: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ لَهُمَا أَنْ تُحِدَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قِيلَ: نَعَمْ لَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنَّ النَّصَّ إِنَّمَا حَرَّمَ الْإِحْدَادَ فَوْقَ الثَّلَاثِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ وَأَوْجَبَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا عَلَى الزَّوْجِ، فَدَخَلَتِ الْأَمَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِيمَنْ يَحِلُّ لَهُنَّ الْإِحْدَادُ لَا فِيمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا فِيمَنْ يَجِبُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ، أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، أَوْ زِنًى، أَوِ اسْتِبْرَاءِ إِحْدَادٍ؟
قُلْنَا: هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْخَامِسُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَا إِحْدَادَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَثْبَتَتْ وَنَفَتْ فَخَصَّتْ بِالْإِحْدَادِ الْوَاجِبِ الزَّوْجَاتِ وَبِالْجَائِزِ غَيْرَهُنَّ عَلَى الْأَمْوَاتِ خَاصَّةً، وَمَا عَدَاهُمَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْأَمْوَاتِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ دُخُولُهُ فِي الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ؟ ، وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وأبو عبيد، وَأَبُو ثَوْرٍ، وأبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، اخْتَارَهَا الخرقي: إِنَّ الْبَائِنَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ، وَهُوَ
مَحْضُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ بَائِنٌ مِنْ نِكَاحٍ، فَلَزِمَهَا الْإِحْدَادُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الْعِدَّةِ، وَاخْتَلَفَا فِي سَبَبِهَا، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تُحَرِّمُ النِّكَاحَ فَحَرُمَتْ دَوَاعِيهِ.
قَالُوا: وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْإِحْدَادَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ إِظْهَارَ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَالْحُلِيِّ مِمَّا يَدْعُو الْمَرْأَةَ إِلَى الرِّجَالِ وَيَدْعُو الرِّجَالُ إِلَيْهَا: فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَكْذِبَ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا اسْتِعْجَالًا لِذَلِكَ، فَمُنِعَتْ مِنْ دَوَاعِي ذَلِكَ وَسَدَّتْ إِلَيْهِ الذَّرِيعَةَ، هَذَا مَعَ أَنَّ الْكَذِبَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ يَتَعَذَّرُ غَالِبًا بِظُهُورِ مَوْتِ الزَّوْجِ وَكَوْنِ الْعِدَّةِ أَيَّامًا مَعْدُودَةً بِخِلَافِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهَا بِالْأَقْرَاءِ، وَهِيَ لَا تُعْلَمُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ لَهَا أَوْلَى.
قِيلَ: قَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَى مَنْ حَرَّمَ زِينَتَهُ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَرِّمَ مِنَ الزِّينَةِ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم زِينَةَ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ، وَأَبَاحَ رَسُولُهُ الْإِحْدَادَ بِتَرْكِهَا عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ، فَلَا يَجُوزُ تَحْرِيمُ غَيْرِ مَا حَرَّمَهُ، بَلْ هُوَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَلَيْسَ الْإِحْدَادُ مِنْ لَوَازِمِ الْعِدَّةِ وَلَا تَوَابِعِهَا.
وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَلَا الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلَا الْمُسْتَبْرَأَةِ، وَلَا الرَّجْعِيَّةِ اتِّفَاقًا، وَهَذَا الْقِيَاسُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِمَا بَيْنَ الْعِدَّتَيْنِ مِنَ الْقُرُوءِ قَدَرًا أَوْ سَبَبًا وَحُكْمًا، فَإِلْحَاقُ عِدَّةِ الْأَقْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِ عِدَّةِ الْأَقْرَاءِ بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْإِحْدَادِ عَلَى الزَّوْجِ الْمَيِّتِ مُجَرَّدَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ طَلَبِ الِاسْتِعْجَالِ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ فِيهِ لَمْ تَكُنْ لِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلِهَذَا تَجِبُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَعْظِيمِ هَذَا الْعَقْدِ وَإِظْهَارِ خَطَرِهِ وَشَرَفِهِ وَأَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ بِمَكَانٍ، فَجُعِلَتِ الْعِدَّةُ حَرِيمًا لَهُ، وَجُعِلَ الْإِحْدَادُ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْمَقْصُودِ وَتَأَكُّدِهِ وَمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ حَتَّى جُعِلَتِ الزَّوْجَةُ أَوْلَى بِفِعْلِهِ عَلَى زَوْجِهَا مِنْ أَبِيهَا وَابْنِهَا وَأَخِيهَا وَسَائِرِ أَقَارِبِهَا.
وَهَذَا مِنْ تَعْظِيمِ هَذَا الْعَقْدِ وَتَشْرِيفِهِ وَتَأَكُّدِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ مِنْ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، وَلِهَذَا شُرِعَ فِي ابْتِدَائِهِ إِعْلَانُهُ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَالضَّرْبُ بِالدُّفِّ لِتَحَقُّقِ الْمُضَادَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ، وَشَرَعَ فِي