الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالثَّانِي: أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى فِي تَرِكَتِهِ، تُقَدَّمُ بِهَا عَلَى الْمِيرَاثِ، وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْعِصْمَةِ بِالْمَوْتِ لَا يَزِيدُ عَلَى انْقِطَاعِهَا بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، بَلِ انْقِطَاعُهَا بِالطَّلَاقِ أَشَدُّ، وَلِهَذَا تُغَسِّلُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ عِنْدَ أحمد ومالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، فَإِذَا وَجَبَتِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْبَائِنِ الْحَامِلِ فَوُجُوبُهَا لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ لَهَا السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا، وَهَذَا قَوْلُ مالك وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ؛ إِجْرَاءً لَهَا مَجْرَى الْمَبْتُوتَةِ فِي الصِّحَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَذِكْرِ أَدِلَّتِهَا وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ رَاجِحِهَا وَمَرْجُوحِهَا، إِذِ الْمَقْصُودُ أَنَّ قَوْلَهُ:" مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا " إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَدْ يَجِبُ لَهُمَا الْقُوتُ وَالْبَيْتُ فِي الْجُمْلَةِ، فَهَذَا إِنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ، وَالظَّاهِرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ.
[فصل انْقِطَاعُ نَسَبِ وَلَدِ اللِّعَانِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ]
فَصْلٌ
الْحُكْمُ السَّادِسُ: انْقِطَاعُ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَلَّا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ أَجَلُّ فَوَائِدِ اللِّعَانِ.
وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ: الْمَوْلُودُ لِلْفِرَاشِ لَا يَنْفِيهِ اللِّعَانُ الْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَضَى أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ» ، وَإِنَّمَا يَنْفِي اللِّعَانُ الْحَمْلَ، فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْهَا حَتَّى وَلَدَتْ لَاعَنَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فَقَطْ، وَلَا يَنْتَفِي وَلَدُهَا مِنْهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ، قَالَ: فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَدٌ فَهُوَ وَلَدُهُ، إِلَّا حَيْثُ نَفَاهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ حَيْثُ يُوقِنُ بِلَا شَكٍّ أَنَّهُ لَيْسَ وَلَدَهُ، وَلَمْ يَنْفِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَهِيَ حَامِلٌ بِاللِّعَانِ فَقَطْ، فَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى لَحَاقِ النَّسَبِ قَالَ: وَلِذَلِكَ قُلْنَا: إِنْ صَدَّقَتْهُ
فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْهُ، فَإِنَّ تَصْدِيقَهَا لَهُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164][الْأَنْعَامِ: 164] فَوَجَبَ أَنَّ إِقْرَارَ الْأَبَوَيْنِ يَصْدُقُ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ، فَيَكُونُ كَسْبًا عَلَى غَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا نَفَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْوَلَدَ إِذَا أَكْذَبَتْهُ الْأُمُّ وَالْتَعَنَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ فَقَطْ، فَلَا يَنْتَفِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَهَذَا ضِدُّ مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ اللِّعَانُ عَلَى الْحَمْلِ حَتَّى تَضَعَ، كَمَا يَقُولُ أحمد وأبو حنيفة، وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ عَلَى الْحَمْلِ وَعَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ، كَمَا قَالَهُ مالك وَالشَّافِعِيُّ، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ.
وَلَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَا الْحُكْمِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ بِوَجْهٍ مَا، فَإِنَّ الْفِرَاشَ قَدْ زَالَ بِاللِّعَانِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْفِرَاشِ وَدَعْوَى الزَّانِي، فَأَبْطَلَ دَعْوَى الزَّانِي لِلْوَلَدِ، وَحَكَمَ بِهِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ. وَهَاهُنَا صَاحِبُ الْفِرَاشِ قَدْ نَفَى الْوَلَدَ عَنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ لَاعَنَ لِمُجَرَّدِ نَفْيِ الْوَلَدِ مَعَ قِيَامِ الْفِرَاشِ فَقَالَ: لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ وَلَدِي؟ .
قِيلَ: فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ أحمد.
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَهِيَ اخْتِيَارُ الخرقي.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فَيَنْتَفِيَ عَنْهُ بِلِعَانِهِ وَحْدَهُ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أبي البركات ابن تيمية، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَخَالَفْتُمْ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ)
قُلْنَا: مَعَاذَ اللَّهِ، بَلْ وَافَقْنَا أَحْكَامَهُ حَيْثُ وَقَعَ غَيْرُنَا فِي خِلَافِ بَعْضِهَا تَأْوِيلًا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا حَكَمَ بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ حَيْثُ ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْفِرَاشِ فَرَجَّحَ دَعْوَاهُ بِالْفِرَاشِ وَجَعَلَهُ لَهُ، وَحَكَمَ بِنَفْيِهِ عَنْ صَاحِبِ الْفِرَاشِ حَيْثُ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَقَطَعَ نَسَبَهُ مِنْهُ، وَقَضَى أَلَّا يُدْعَى