الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِكَاحُ الْأَرْبَعِ، وَفَسَدَ نِكَاحُ مَنْ بَعْدَهُنَّ وَلَا تَخْيِيرَ.
[فَصْلٌ إِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ]
فَصْلٌ
( «وَحَكَمَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» ) . قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
[فَصْلٌ مَنْعُهُ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ فَاطِمَةَ وَبِنْتِ أَبِي جَهْلٍ]
فَصْلٌ
( «وَاسْتَأْذَنَهُ بَنُو هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنْ يُزَوِّجُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ابْنَةَ أبي جهل، فَلَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابن أبي طالب أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا فاطمة بَضْعَةٌ مِنِّي، يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تُفْتَنَ فاطمة فِي دِينِهَا، وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَبَدًا» ) .
وَفِي لَفْظٍ فَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ:( «حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي» ) .
فَتَضَمَّنَ هَذَا الْحُكْمُ أُمُورًا.
أَحَدُهَا: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا شَرَطَ لِزَوْجَتِهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، وَمَتَى تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَهَا الْفَسْخُ، وَوَجْهُ تَضَمُّنِ الْحَدِيثِ لِذَلِكَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي فاطمة وَيَرِيبُهَا، وَأَنَّهُ يُؤْذِيهِ صلى الله عليه وسلم وَيَرِيبُهُ، وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا زَوَّجَهُ فاطمة رضي الله عنها عَلَى أَنْ لَا يُؤْذِيَهَا وَلَا يَرِيبَهَا وَلَا يُؤْذِيَ أَبَاهَا صلى الله عليه وسلم وَلَا يَرِيبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُشْتَرَطًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَفِي ذِكْرِهِ صلى الله عليه وسلم صِهْرَهُ الْآخَرَ، وَثَنَاءَهُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَدَّثَهُ فَصَدَقَهُ،
وَوَعَدَهُ فَوَفَّى لَهُ تَعْرِيضٌ بعلي رضي الله عنه وَتَهْيِيجٌ لَهُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ جَرَى مِنْهُ وَعْدٌ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَرِيبُهَا وَلَا يُؤْذِيهَا، فَهَيَّجَهُ عَلَى الْوَفَاءِ لَهُ، كَمَا وَفَى لَهُ صِهْرُهُ الْآخَرُ.
فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْرُوطَ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا، وَأَنَّ عَدَمَهُ يُمَلِّكُ الْفَسْخَ لِمُشْتَرِطِهِ، فَلَوْ فُرِضَ مِنْ عَادَةِ قَوْمٍ أَنَّهُمْ لَا يُخْرِجُونَ نِسَاءَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَلَا يُمَكِّنُونَ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبَتَّةَ وَاسْتَمَرَّتْ عَادَتُهُمْ بِذَلِكَ كَانَ كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا، وَهُوَ مُطَّرِدٌ عَلَى قَوَاعِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَوَاعِدِ أحمد رحمه الله أَنَّ الشَّرْطَ الْعُرْفِيَّ كَاللَّفْظِيِّ سَوَاءٌ، وَلِهَذَا أَوْجَبُوا الْأُجْرَةَ عَلَى مَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى غَسَّالٍ أَوْ قَصَّارٍ، أَوْ عَجِينَهُ إِلَى خَبَّازٍ، أَوْ طَعَامَهُ إِلَى طَبَّاخٍ يَعْمَلُونَ بِالْأُجْرَةِ، أَوْ دَخَلَ الْحَمَّامَ أَوِ اسْتَخْدَمَ مَنْ يَغْسِلُهُ مِمَّنْ عَادَتُهُ يَغْسِلُ بِالْأُجْرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْرُطْ لَهُمْ أُجْرَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَعَلَى هَذَا، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ بَيْتٍ لَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَى نِسَائِهِمْ ضَرَّةً وَلَا يُمَكِّنُونَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَعَادَتُهُمْ مُسْتَمِرَّةٌ بِذَلِكَ، كَانَ كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُمَكِّنُ إِدْخَالَ الضَّرَّةِ عَلَيْهَا عَادَةً لِشَرَفِهَا وَحَسَبِهَا وَجَلَالَتِهَا، كَانَ تَرْكُ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا سَوَاءٌ.
وَعَلَى هَذَا فَسَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَابْنَةُ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ أَحَقُّ النِّسَاءِ بِهَذَا، فَلَوْ شَرَطَهُ عَلِيٌّ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَانَ تَأْكِيدًا لَا تَأْسِيسًا.
وَفِي مَنْعِ علي مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ فاطمة رضي الله عنها وَبَيْنَ بِنْتِ أبي جهل حِكْمَةٌ بَدِيعَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَعَ زَوْجِهَا فِي دَرَجَتِهِ تَبَعٌ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِهَا ذَاتَ دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ، وَزَوْجُهَا كَذَلِكَ، كَانَتْ فِي دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ بِنَفْسِهَا وَبِزَوْجِهَا، وَهَذَا شَأْنُ فاطمة وعلي رضي الله عنهما، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ عز وجل لِيَجْعَلَ ابْنَةَ أبي جهل مَعَ فاطمة رضي الله عنها فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ لَا بِنَفْسِهَا وَلَا تَبَعًا، وَبَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ مَا بَيْنَهُمَا، فَلَمْ يَكُنْ نِكَاحُهَا عَلَى سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مُسْتَحْسَنًا لَا شَرْعًا وَلَا قَدْرًا،