الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْأُمِّ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ، هَلْ هِيَ لِلْحَاضِنِ أَمْ عَلَيْهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أحمد ومالك، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا: هَلْ لِمَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ أَنْ يُسْقِطَهَا فَيَنْزِلَ عَنْهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ الْوَلَدِ أَيَّامَ حَضَانَتِهِ إِلَّا بِالْأُجْرَةِ إِنْ قُلْنَا: الْحَقُّ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: الْحَقُّ عَلَيْهِ، وَجَبَ خِدْمَتُهُ مَجَّانًا. وَإِنْ كَانَ الْحَاضِنُ فَقِيرًا، فَلَهُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
وَإِذَا وَهَبَتِ الْحَضَانَةَ لِلْأَبِ وَقُلْنَا: الْحَقُّ لَهَا، لَزِمَتِ الْهِبَةُ وَلَمْ تَرْجِعْ فِيهَا، وَإِنْ قُلْنَا: الْحَقُّ عَلَيْهَا، فَلَهَا الْعَوْدُ إِلَى طَلَبِهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ كَهِبَةِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا تَلْزَمُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ - أَنَّ الْهِبَةَ فِي الْحَضَانَةِ قَدْ وُجِدَ سَبَبُهَا، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا قَدْ وُجِدَ، وَكَذَلِكَ إِذَا وَهَبَتِ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا لِزَوْجِهَا شَهْرًا أُلْزِمَتِ الْهِبَةَ، وَلَمْ تَرْجِعْ فِيهَا. هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَتَفْرِيعُهُمْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَضَانَةَ حَقٌّ لَهَا، وَعَلَيْهَا إِذَا احْتَاجَ الطِّفْلُ إِلَيْهَا، وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا، وَإِنِ اتَّفَقَتْ هِيَ، وَوَلِيُّ الطِّفْلِ عَلَى نَقْلِهَا إِلَيْهِ جَازَ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:( «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ» ) دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ حَقٌّ لَهَا.
[فصل هَلْ سُقُوطُ الْحَضَانَةِ بِالنِّكَاحِ لِلتَّعْلِيلِ أَوْ لِلتَّوْقِيتِ]
فَصْلٌ وَقَوْلُهُ: ( «مَا لَمْ تَنْكِحِي» ) اخْتُلِفَ فِيهِ: هَلْ هُوَ تَعْلِيلٌ أَوْ تَوْقِيتٌ، عَلَى قَوْلَيْنِ يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا: مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ وَسَقَطَتْ حَضَانَتُهَا ثُمَّ طُلِّقَتْ، فَهَلْ تَعُودُ الْحَضَانَةُ؟ فَإِنْ قِيلَ: اللَّفْظُ تَعْلِيلٌ، عَادَتِ الْحَضَانَةُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا ثَبَتَ بِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا، وَعِلَّةُ سُقُوطِ الْحَضَانَةِ التَّزْوِيجُ، فَإِنْ طُلِّقَتْ زَالَتِ الْعِلَّةُ، فَزَالَ حُكْمُهَا، وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ، وأحمد، وأبو حنيفة.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، هَلْ يَعُودُ حَقُّهَا بِمُجَرَّدِهِ، أَوْ يَتَوَقَّفُ عَوْدُهَا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا فِي مَذْهَبِ أحمد وَالشَّافِعِيِّ، أَحَدُهُمَا: تَعُودُ بِمُجَرَّدِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِي: لَا تَعُودُ حَتَّى
تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة والمزني، وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:" مَا لَمْ تَنْكِحِي " تَعْلِيلٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ مالك فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ: إِذَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا لَمْ يَعُدْ حَقُّهَا مِنَ الْحَضَانَةِ وَإِنْ طُلِّقَتْ.، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ " مَا لَمْ تَنْكِحِي " لِلتَّوْقِيتِ، أَيْ: حَقُّكُ مِنَ الْحَضَانَةِ مُوَقَّتٌ إِلَى حِينِ نِكَاحِكِ، فَإِذَا نَكَحْتِ انْقَضَى وَقْتُ الْحَضَانَةِ، فَلَا تَعُودُ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِهَا كَمَا لَوِ انْقَضَى وَقْتُهَا بِبُلُوغِ الطِّفْلِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَعُودُ حَقُّهَا إِذَا فَارَقَهَا زَوْجُهَا، كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُ المغيرة وابن أبي حازم. قَالُوا: لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِحَقِّهَا مِنَ الْحَضَانَةِ هُوَ قَرَابَتُهَا الْخَاصَّةُ، وَإِنَّمَا عَارَضَهَا مَانِعُ النِّكَاحِ؛ لِمَا يُوجِبُهُ مِنْ إِضَاعَةِ الطِّفْلِ، وَاشْتِغَالِهَا بِحُقُوقِ الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ عَنْ مَصَالِحِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَغْذِيَتِهِ وَتَرْبِيَتِهِ فِي نِعْمَةِ غَيْرِ أَقَارِبِهِ، وَعَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنَّةٌ وَغَضَاضَةٌ، فَإِذَا انْقَطَعَ النِّكَاحُ بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةٍ زَالَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي قَائِمٌ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ مَانِعٌ مِنْهَا، كَكُفْرٍ، أَوْ رِقٍّ، أَوْ فِسْقٍ، أَوْ بَدْوٍ، فَإِنَّهُ لَا حَضَانَةَ لَهُ، فَإِنْ زَالَتِ الْمَوَانِعُ، عَادَ حَقُّهُمْ مِنَ الْحَضَانَةِ، فَهَكَذَا النِّكَاحُ وَالْفُرْقَةُ.
وَأَمَّا النِّزَاعُ فِي عَوْدِ الْحَضَانَةِ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، أَوْ بِوَقْفِهِ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ - فَمَأْخَذُهُ كَوْنُ الرَّجْعِيَّةِ زَوْجَةً فِي عَامَّةِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ وَالنَّفَقَةُ، وَيَصِحُّ مِنْهَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ: وَيَحْرُمُ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا أُخْتَهَا، أَوْ عَمَّتَهَا، أَوْ خَالَتَهَا، أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَهِيَ زَوْجَةٌ، فَمَنْ رَاعَى ذَلِكَ لَمْ تَعُدْ إِلَيْهَا الْحَضَانَةُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، فَتَبِينُ حِينَئِذٍ، وَمَنْ أَعَادَ الْحَضَانَةَ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ، قَالَ: قَدْ عَزَلَهَا عَنْ فِرَاشِهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَيْهِ قَسْمٌ، وَلَا لَهَا بِهِ شُغْلٌ، وَالْعِلَّةُ الَّتِي سَقَطَتِ الْحَضَانَةُ لِأَجْلِهَا قَدْ زَالَتْ بِالطَّلَاقِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا أُخِذَ الْوَلَدُ مِنَ الْأُمِّ إِذَا تَزَوَّجَتْ ثُمَّ طُلِّقَتْ، رَجَعَتْ عَلَى حَقِّهَا مِنْ كَفَالَتِهِ.