الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ، كَمَا سُئِلَ طَاوُسٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ دُونَ سَبْعِ رَضَعَاتٍ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرٌ جَاءَ بِالتَّحْرِيمِ، الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ تُحَرِّمُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: التَّحْرِيمُ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ، وَهَذَا يُرْوَى عَنْ حفصة وعائشة رضي الله عنهما.
وَفِيهَا مَذْهَبٌ آخَرُ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِنَّ قَالَ طَاوُسٌ: كَانَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَضَعَاتٌ مُحَرِّمَاتٌ، وَلِسَائِرِ النَّاسِ رَضَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ، ثُمَّ تُرِكَ ذَلِكَ بَعْدُ، وَقَدْ تَبَيَّنَ الصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فصل حَدُّ الرَّضْعَةِ]
فَصْلٌ فَإِنْ قِيلَ مَا هِيَ الرَّضْعَةُ الَّتِي تَنْفَصِلُ مِنْ أُخْتِهَا، وَمَا حَدُّهَا؟ قِيلَ: الرَّضْعَةُ فَعْلَةٌ مِنَ الرَّضَاعِ، فَهِيَ مَرَّةٌ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ، كَضَرْبَةٍ وَجَلْسَةٍ وَأَكْلَةٍ، فَمَتَى الْتَقَمَ الثَّدْيَ، فَامْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ تَرَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ، مِنْ غَيْرِ عَارِضٍ كَانَ ذَلِكَ رَضْعَةً؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا، فَحُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ هَذَا، وَالْقَطْعُ الْعَارِضُ لِتَنَفُّسٍ أَوِ اسْتِرَاحَةٍ يَسِيرَةٍ، أَوْ لِشَيْءٍ يُلْهِيهِ، ثُمَّ يَعُودُ عَنْ قُرْبٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ رَضْعَةً وَاحِدَةً، كَمَا أَنَّ الْآكِلَ إِذَا قَطَعَ أَكْلَتَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ عَادَ عَنْ قَرِيبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَكْلَتَيْنِ بَلْ وَاحِدَةً، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُمْ فِيمَا إِذَا قَطَعَتِ الْمُرْضِعَةُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَتْهُ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَطَعَتْهُ مِرَارًا حَتَّى يَقْطَعَ بِاخْتِيَارِهِ. قَالُوا: لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِفِعْلِهِ لَا بِفِعْلِ الْمُرْضِعَةِ، وَلِهَذَا لَوِ ارْتَضَعَ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ حُسِبَتْ رَضْعَةً، فَإِذَا قَطَعَتْ عَلَيْهِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَرَهُ بِهَا الطَّبِيبُ، فَجَاءَ شَخْصٌ فَقَطَعَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ عَادَ، فَإِنَّهَا أَكْلَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا رَضْعَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ الرَّضَاعَ يَصِحُّ مِنَ الْمُرْتَضِعِ وَمِنَ الْمُرْضِعَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْجَرَتْهُ وَهُوَ نَائِمٌ احْتُسِبَ رَضْعَةً.
وَلَهُمْ فِيمَا إِذَا انْتَقَلَ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إِلَى ثَدْيِ غَيْرِهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا
يُعْتَدُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى قَبْلَ تَمَامِ الرَّضْعَةِ، فَلَمْ تَتِمَّ الرَّضْعَةُ مِنْ إِحْدَاهُمَا. وَلِهَذَا لَوِ انْتَقَلَ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إِلَى ثَدْيِهَا الْآخَرِ كَانَا رَضْعَةً وَاحِدَةً.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُحْتَسَبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَضْعَةٌ، لِأَنَّهُ ارْتَضَعَ، وَقَطَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ شَخْصَيْنِ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، فَقَالَ صَاحِبُ " الْمُغْنِي ": إِذَا قَطَعَ قَطْعًا بَيِّنًا بِاخْتِيَارِهِ، كَانَ ذَلِكَ رَضْعَةً، فَإِنْ عَادَ كَانَ رَضْعَةً أُخْرَى، فَأَمَّا إِنْ قَطَعَ لِضِيقِ نَفَسٍ، أَوْ لِلِانْتِقَالِ مِنْ ثَدْيٍ إِلَى ثَدْيٍ، أَوْ لِشَيْءٍ يُلْهِيهِ، أَوْ قَطَعَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ، نَظَرْنَا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ قَرِيبًا، فَهِيَ رَضْعَةٌ، وَإِنْ عَادَ فِي الْحَالِ، فَفِيهِ وَجِهَانُ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأُولَى رَضْعَةٌ، فَإِذَا عَادَ، فَهِيَ رَضْعَةٌ أُخْرَى، قَالَ: وَهَذَا اخْتِيَارُ أبي بكر، وَظَاهِرُ كَلَامِ أحمد فِي رِوَايَةِ حنبل، فَإِنَّهُ قَالَ: أَمَا تَرَى الصَّبِيَّ يَرْتَضِعُ مِنَ الثَّدْيِ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ النَّفَسُ، أَمْسَكَ عَنِ الثَّدْيِ لِيَتَنَفَّسَ، أَوْ لِيَسْتَرِيحَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَهِيَ رَضْعَةٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَذَلِكَ أَنَّ الْأُولَى رَضْعَةٌ لَوْ لَمْ يَعُدْ، فَكَانَتْ رَضْعَةً، وَإِنْ عَادَ، كَمَا لَوْ قَطَعَ بِاخْتِيَارِهِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ رَضْعَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إِلَّا فِيمَا إِذَا قَطَعَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا أَكَلْتُ الْيَوْمَ إِلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً، فَاسْتَدَامَ الْأَكْلَ زَمَنًا، أَوِ انْقَطَعَ لِشُرْبِ مَاءٍ، أَوِ انْتِقَالٍ مِنْ لَوْنٍ إِلَى لَوْنٍ، أَوِ انْتِظَارٍ لِمَا يُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنَ الطَّعَامِ لَمْ يُعَدَّ إِلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً فَكَذَا هَاهُنَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنَ السَّعُوطِ وَالْوَجُورِ رَضْعَةٌ، فَكَذَا هَذَا.
قُلْتُ: وَكَلَامُ أحمد يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ:" فَهِيَ رَضْعَةٌ "، عَائِدًا إِلَى الرَّضْعَةِ الثَّانِيَةِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ رَضْعَةً، فَيَكُونُ قَوْلُهُ:" فَهِيَ رَضْعَةٌ " عَائِدًا إِلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي، وَهَذَا أَظْهَرُ