الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى التَّحْرِيمِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الصِّهْرِ الْبَتَّةَ، لَا بِنَصٍّ وَلَا إِيمَاءٍ وَلَا إِشَارَةٍ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يَحْرُمَ بِهِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، وَفِي ذَلِكَ إِرْشَادٌ وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ بِالصِّهْرِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى ذَلِكَ لَقَالَ:" حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ وَالصِّهْرِ ".
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالرَّضَاعَ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ، وَلِهَذَا أَخَذَ مِنْهُ بَعْضَ أَحْكَامِهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ فَقَطْ دُونَ التَّوَارُثِ، وَالْإِنْفَاقِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ فَهُوَ نَسَبٌ ضَعِيفٌ، فَأَخَذَ بِحَسَبِ ضَعْفِهِ بَعْضَ أَحْكَامِ النَّسَبِ، وَلَمْ يَقْوَ عَلَى سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ، وَهُوَ أَلْصَقُ بِهِ مِنَ الْمُصَاهَرَةِ فَكَيْفَ يَقْوَى عَلَى أَخْذِ أَحْكَامِ الْمُصَاهَرَةِ مَعَ قُصُورِهِ عَنْ أَحْكَامٍ مُشْبِهَةٍ وَشَقِيقَةٍ؟! .
وَأَمَّا الْمُصَاهَرَةُ وَالرَّضَاعُ فَإِنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا وَلَا شُبْهَةَ نَسَبٍ وَلَا بَعْضِيَّةَ وَلَا اتِّصَالَ. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ تَحْرِيمُ الصِّهْرِيَّةِ ثَابِتًا لَبَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيَانًا شَافِيًا يُقِيمُ الْحُجَّةَ وَيَقْطَعُ الْعُذْرَ، فَمِنَ اللَّهِ الْبَيَانُ، وَعَلَى رَسُولِهِ الْبَلَاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ وَالِانْقِيَادُ، فَهَذَا مُنْتَهَى النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ ظَفِرَ فِيهَا بِحُجَّةٍ فَلْيُرْشِدْ إِلَيْهَا وَلْيُدِلَّ عَلَيْهَا، فَإِنَّا لَهَا مُنْقَادُونَ، وَبِهَا مُعْتَصِمُونَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
[فَصْلٌ تَحْرِيمُ نِكَاحِ مَنْ نَكَحَهُنَّ الْآبَاءُ]
فَصْلٌ
وَحَرَّمَ سبحانه وتعالى نِكَاحَ مَنْ نَكَحَهُنَّ الْآبَاءُ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَنْكُوحَاتِهِمْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ، وَيَتَنَاوَلُ آبَاءَ الْآبَاءِ وَآبَاءَ الْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ:{إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ النَّهْيِ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلتَّأْثِيمِ وَالْعُقُوبَةِ، فَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَا سَلَفَ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِالرَّسُولِ وَالْكِتَابِ.
[فَصْلٌ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ]
فَصْلٌ
وَحَرَّمَ سُبْحَانَهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ كَسَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْآيَةِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ
بَعْدَهُمْ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَتَوَقَّفَتْ طَائِفَةٌ فِي تَحْرِيمِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِمُعَارَضَةِ هَذَا الْعُمُومِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5 - 6][الْمُؤْمِنُونَ: 5، 6] وَ [الْمَعَارِجِ 29 - 30] وَلِهَذَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه: ( «أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ، وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ» ) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَا أَقُولُ هُوَ حَرَامٌ، وَلَكِنْ نَنْهَى عَنْهُ، فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ بِإِبَاحَتِهِ رِوَايَةً عَنْهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْهُ، وَلَكِنْ تَأَدَّبَ مَعَ الصَّحَابَةِ أَنْ يُطْلِقَ لَفْظَ الْحَرَامِ عَلَى أَمْرٍ تَوَقَّفَ فِيهِ عثمان بَلْ قَالَ نَنْهَى عَنْهُ. وَالَّذِينَ جَزَمُوا بِتَحْرِيمِهِ رَجَّحُوا آيَةَ التَّحْرِيمِ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ سَائِرَ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ عَامٌّ فِي النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ، فَمَا بَالُ هَذَا وَحْدَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ آيَةُ الْإِبَاحَةِ مُقْتَضِيَةً لِحِلِّ الْجَمْعِ بِالْمِلْكِ، فَلْتَكُنْ مُقْتَضِيَةً لِحِلِّ أُمِّ مَوْطُوءَتِهِ بِالْمِلْكِ وَلِمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ بِالْمِلْكِ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا الْبَتَّةَ وَلَا يَعْلَمُ بِهَذَا قَائِلٌ.
الثَّانِي: أَنَّ آيَةَ الْإِبَاحَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَخْصُوصَةٌ قَطْعًا بِصُوَرٍ عَدِيدَةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا اثْنَانِ، كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، بَلْ كَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ مِنَ النَّسَبِ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى عِتْقَهُنَّ بِالْمِلْكِ كمالك وَالشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ عُمُومُ قَوْلِهِ:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] مُعَارِضًا لِعُمُومِ تَحْرِيمِهِنَّ بِالْعَقْدِ وَالْمِلْكِ، فَهَذَا حُكْمُ الْأُخْتَيْنِ سَوَاءٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّ حِلَّ الْمِلْكِ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ بَيَانِ جِهَةِ الْحِلِّ وَسَبَبِهِ، وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِشُرُوطِ الْحِلِّ وَلَا لِمَوَانِعِهِ، وَآيَةُ التَّحْرِيمِ فِيهَا بَيَانُ مَوَانِعِ الْحِلِّ مِنَ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ وَغَيْرِهِ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا الْبَتَّةَ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ شَرْطُ الْحِلِّ وَمَوَانِعِهِ مُعَارِضًا لِمُقْتَضَى الْحِلِّ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِمَا