الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَلَامٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ لَا يُعْهَدُ ذُو لِحْيَةٍ قَطُّ يُشْبِعُهُ رَضَاعُ الْمَرْأَةِ وَيَطْرُدُ عَنْهُ الْجُوعَ، بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّبَنِ، فَهُوَ يَطْرُدُ عَنْهُ الْجُوعَ، فَالْكَبِيرُ لَيْسَ ذَا مَجَاعَةٍ إِلَى اللَّبَنِ أَصْلًا، وَالَّذِي يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْمَجَاعَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَظِنَّتَهَا وَزَمَنَهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ الصِّغَرُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الظَّاهِرِيَّةَ، وَأَنَّهُ أَرَادَ حَقِيقَتَهَا، لَزِمَكُمْ أَنْ لَا يُحَرِّمَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ إِلَّا إِذَا ارْتَضَعَ وَهُوَ جَائِعٌ، فَلَوِ ارْتَضَعَ وَهُوَ شَبْعَانُ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ السِّتْرِ الْمَصُونِ، وَالْحُرْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْحِمَى الْمَنِيعِ، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا وَإِنْ رَأَتْ أَنَّ هَذَا الرَّضَاعَ يُثْبِتُ الْمَحْرَمِيَّةَ، فَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُخَالِفْنَهَا فِي ذَلِكَ، وَلَا يَرَيْنَ دُخُولَ هَذَا السِّتْرِ الْمَصُونِ، وَالْحِمَى الرَّفِيعِ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ، فَهِيَ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ، وَأَحَدُ الْحِزْبَيْنِ مَأْجُورٌ أَجْرًا وَاحِدًا، وَالْآخَرُ مَأْجُورٌ أَجْرَيْنِ، وَأَسْعَدُهُمَا بِالْأَجْرَيْنِ مَنْ أَصَابَ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، فَكُلٌّ مِنَ الْمُدْخِلِ لِلسِّتْرِ الْمَصُونِ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ، وَالْمَانِعِ مِنَ الدُّخُولِ فَائِزٌ بِالْأَجْرِ، مُجْتَهِدٌ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَتَنْفِيذِ حُكْمِهِ، وَلَهُمَا أُسْوَةٌ بِالنَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ - دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ اللَّذَيْنِ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِالْحِكْمَةِ وَالْحُكْمِ، وَخَصَّ بِفَهْمِ الْحُكُومَةِ أَحَدَهُمَا.
[فصل تَقْوِيَةُ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ]
فَصْلٌ وَأَمَّا رَدُّكُمْ لِحَدِيثِ أم سلمة، فَتَعَسُّفٌ بَارِدٌ، فَلَا يَلْزَمُ انْقِطَاعُ الْحَدِيثِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ فاطمة بنت المنذر لَقِيَتْ أم سلمة صَغِيرَةً، فَقَدْ يَعْقِلُ الصَّغِيرُ جِدًّا أَشْيَاءَ، وَيَحْفَظُهَا، وَقَدْ عَقَلَ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الْمَجَّةَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَيَعْقِلُ أَصْغَرُ مِنْهُ.
وَقَدْ قُلْتُمْ: إِنَّ فاطمة كَانَتْ وَقْتَ وَفَاةِ أم سلمة بِنْتَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَهَذَا سِنٌّ جَيِّدٌ، لَا سِيَّمَا لِلْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا تَصْلُحُ فِيهِ لِلزَّوْجِ، فَمَنْ هِيَ فِي حَدِّ الزَّوَاجِ، كَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهَا لَا تَعْقِلُ مَا تَسْمَعُ، وَلَا تَدْرِي مَا تُحَدِّثُ بِهِ؟ هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي
لَا تَرِدُ بِهِ السُّنَنُ، مَعَ أَنَّ أم سلمة كَانَتْ مُصَادِقَةً لِجَدَّتِهَا أسماء، وَكَانَتْ دَارُهُمَا وَاحِدَةً، فَنَشَأَتْ فاطمة هَذِهِ فِي حِجْرِ جَدَّتِهَا أسماء مَعَ خَالَةِ أَبِيهَا عائشة رضي الله عنها وأم سلمة، وَمَاتَتْ عائشة رضي الله عنها سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ.
وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَقَدْ يُمْكِنُ سَمَاعُ فاطمة مِنْهَا، وَأَمَّا جَدَّتُهَا أسماء، فَمَاتَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وفاطمة إِذْ ذَاكَ بِنْتُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَلِذَلِكَ كَثُرَ سَمَاعُهَا مِنْهَا، وَقَدْ أَفْتَتْ أم سلمة بِمِثْلِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَتْهُ أسماء.
فَقَالَ أبو عبيد: حَدَّثَنَا أبو معاوية، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عَنْ أم سلمة، أَنَّهَا سُئِلَتْ مَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ فِي الثَّدْيِ قَبْلَ الْفِطَامِ. فَرَوَتِ الْحَدِيثَ، وَأَفْتَتْ بِمُوجَبِهِ.
وَأَفْتَى بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ سفيان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عمر يَقُولُ: لَا رَضَاعَ إِلَّا فِي الْحَوْلَيْنِ فِي الصِّغَرِ.
وَأَفْتَى بِهِ ابْنُهُ عبد الله رضي الله عنه، فَقَالَ مالك رحمه الله، عَنْ نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا رَضَاعَةَ إِلَّا لِمَنْ أَرْضَعَ فِي الصِّغَرِ، وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ.
وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فَقَالَ أبو عبيد: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِطَامٍ.