الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَامٌّ، وَالْحُكْمُ بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ خَاصٌّ، وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ، وَنَظَائِرُهُ مَعْلُومَةٌ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا.
وَقَوْلُهُ: " لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنَ الْغَنِيمَةِ لِغَيْرِ أَهْلِهَا بِالِاحْتِمَالِ "، جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّا لَمْ نَجْعَلِ السَّلَبَ لِغَيْرِ الْغَانِمِينَ. الثَّانِي: إِنَّمَا جَعَلْنَاهُ لِلْقَاتِلِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا بِالِاحْتِمَالِ، وَلَمْ يُؤَخِّرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُكْمَ الْآيَةِ إِلَى يَوْمِ حُنَيْنٍ كَمَا ذَكَرْتُمْ، بَلْ قَدْ حَكَمَ بِذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ قَالَهُ بَعْدَ الْقِتَالِ مِنَ اسْتِحْقَاقِهِ بِالْقَتْلِ.
وَأَمَّا كَوْنُ أبي قتادة لَمْ يَطْلُبْهُ حَتَّى سَمِعَ مُنَادِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَقَرِّرًا مَعْلُومًا، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ أَبُو قَتَادَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، فَلَمَّا شَهِدَ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ أَعْطَاهُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي هَذَا بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى شَاهِدٍ آخَرَ وَلَا يَمِينٍ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْقَاتِلِ لَوَقَفَ وَلَمْ يُقَسَّمْ كَاللُّقَطَةِ " فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لِلْغَانِمِينَ وَإِنَّمَا لِلْقَاتِلِ حَقُّ التَّقْدِيمِ، فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُ الْقَاتِلِ اشْتَرَكَ فِيهِ الْغَانِمُونَ، فَإِنَّهُ حَقُّهُمْ وَلَمْ يَظْهَرْ مُسْتَحِقُّ التَّقْدِيمِ مِنْهُمْ فَاشْتَرَكُوا فِيهِ.
[فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا حَازَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ أَوْ أَسْلَمَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ]
فِي " الْبُخَارِيِّ ": أَنَّ فَرَسًا لِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه ذَهَبَ وَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَقَ لَهُ عَبْدٌ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خالد فِي زَمَنِ أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
وَفِي " سُنَنِ أبي داود ": ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ الْغُلَامَ» ) . وَفِي " الْمُدَوَّنَةِ " وَ" الْوَاضِحَةِ "( «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ فِي الْمَغَانِمِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ وَجَدْتَهُ لَمْ يُقْسَمْ فَخُذْهُ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُسِمَ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إِنْ أَرَدْتَهُ» ) .
وَصَحَّ عَنْهُ: أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ طَلَبُوا مِنْهُ دُورَهُمْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَى أَحَدٍ دَارَهُ. ( «وَقِيلَ لَهُ: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا مِنْ دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عقيل مَنْزِلًا» ) ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَثَبَ عقيل عَلَى رِبَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَحَازَهَا كُلَّهَا، وَحَوَى عَلَيْهَا، ثُمَّ أَسْلَمَ وَهِيَ فِي يَدِهِ، وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ، وَكَانَ عقيل وَرِثَ أبا طالب، وَلَمْ يَرِثْهُ علي لِتَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ عَلَى مَوْتِ أَبِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِيرَاثٌ مِنْ عبد المطلب فَإِنَّ أَبَاهُ عبد الله مَاتَ وَأَبَوْهُ عبد المطلب حَيٌّ، ثُمَّ مَاتَ عبد المطلب فَوَرِثَهُ أَوْلَادُهُ، وَهُمْ أَعْمَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَاتَ أَكْثَرُ أَوْلَادِهِ وَلَمْ يُعْقِبُوا، فَحَازَ أبو طالب رِبَاعَهُ ثُمَّ مَاتَ، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا عقيل دُونَ علي لِاخْتِلَافِ الدِّينِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَوْلَى عقيل عَلَى دَارِهِ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عقيل مَنْزِلًا» ) .
وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْمِدُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَحِقَ بِالْمَدِينَةِ فَيَسْتَوْلُونَ عَلَى دَارِهِ وَعَقَارِهِ، فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْكُفَّارَ الْمُحَارِبِينَ إِذَا أَسْلَمُوا لَمْ يَضْمَنُوا مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمُ الَّتِي غَصَبُوهَا عَلَيْهِمْ، بَلْ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ، هَذَا حُكْمُهُ وَقَضَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم.