الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا حَدِيثُ سلمة بن المحبق: فَإِنْ صَحَّ، تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ وَلَمْ يُعْدَلْ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ النَّسَائِيُّ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ. قَالَ أبو داود: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: الَّذِي رَوَاهُ عَنْ سلمة بن المحبق شَيْخٌ لَا يُعْرَفُ، وَلَا يُحَدِّثُ عَنْهُ غَيْرُ الحسن يعني قبيصة بن حريث. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": قبيصة بن حريث سَمِعَ سلمة بن المحبق، فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ، وَقَالَ ابن المنذر: لَا يَثْبُتُ خَبَرُ سلمة بن المحبق، وَقَالَ البيهقي: وقبيصة بن حريث غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَقَالَ الخطابي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وقبيصة غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالْحُجَّةُ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ، وَكَانَ الحسن لَا يُبَالِي أَنْ يَرْوِيَ الْحَدِيثَ مِمَّنْ سَمِعَ.
وَطَائِفَةٌ أُخْرَى قَبِلَتِ الْحَدِيثَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ مَنْسُوخٌ، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ وَجْهُهُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَكْرَهَهَا، فَقَدْ أَفْسَدَهَا عَلَى سَيِّدَتِهَا، وَلَمْ تَبْقَ مِمَّنْ تَصْلُحُ لَهَا، وَلَحِقَ بِهَا الْعَارُ، وَهَذَا مُثْلَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، فَهِي كَالْمُثْلَةِ الْحِسِّيَّةِ، أَوْ أَبْلَغُ مِنْهَا، وَهُوَ قَدْ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ: إِتْلَافُهَا عَلَى سَيِّدَتِهَا، وَالْمُثْلَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ بِهَا، فَيَلْزَمُهُ غَرَامَتُهَا لِسَيِّدَتِهَا، وَتَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إِنْ طَاوَعَتْهُ، فَقَدْ أَفْسَدَهَا عَلَى سَيِّدَتِهَا، فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لَهَا، وَيَمْلِكُهَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدِ اسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ، وَبِمُطَاوَعَتِهَا وَإِرَادَتِهَا خَرَجَتْ عَنْ شُبْهَةِ الْمُثْلَةِ. قَالُوا: وَلَا بُعْدَ فِي تَنْزِيلِ الْإِتْلَافِ الْمَعْنَوِيِّ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ الْحِسِّيِّ، إِذْ كِلَاهُمَا يَحُولُ بَيْنَ الْمَالِكِ وَبَيْنَ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ جَارِيَةَ الزَّوْجَةِ إِذَا صَارَتْ مَوْطُوءَةً لَزَوْجِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى لِسَيِّدَتِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ، فَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ الْأُصُولِيِّ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْقَوْلُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَبُولِ الْحَدِيثِ، وَلَا تَضُرُّ كَثْرَةُ الْمُخَالِفِينَ لَهُ، وَلَوْ كَانُوا أَضْعَافَ أَضْعَافِهِمْ.
[فَصْلٌ الْحُكْمُ فِي اللِّوَاطِ]
فَصْلٌ
وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَضَى فِي اللِّوَاطِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ
الْعَرَبُ، وَلَمْ يُرْفَعْ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:«اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» . رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَقَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَحَكَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى خالد بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ علي أَشَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ ابن القصار، وَشَيْخُنَا: أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يُرْمَى مِنْ شَاهِقٍ، وَقَالَ علي رضي الله عنه: يُهْدَمُ عَلَيْهِ حَائِطٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُقْتَلَانِ بِالْحِجَارَةِ. فَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى قَتْلِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِحُكْمِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ وَطِئَ ذَاتَ مَحْرَمٍ، لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا يُبَاحُ لِلْوَاطِئِ بِحَالٍ، وَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ» ، وَرَوَى أَيْضًا عَنْهُ:«مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ، فَاقْتُلُوهُ» ، وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ:«مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» .