الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهَا كَغَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ، فَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الخرقي، لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ مَلَكَ أَمَةً لَمْ يُصِبْهَا وَلَمْ يُقَبِّلْهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهِ لَهَا.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَمْلُوكَةِ بِغَيْرِ السَّبْيِ، أَنَّ الْمَسْبِيَّةَ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهَا كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ، بَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَكُونُ أَوَّلُ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ، أَوْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ؟
قِيلَ: فِيهِ قَوْلَانِ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أحمد رحمه الله. أَحَدُهُمَا: مِنْ حِينِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِهِ. وَالثَّانِي: مِنْ حِينِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ وأحمد. أَمَّا عَلَى أَصْلِ مالك، فَيَكْفِي عِنْدَهُ الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ، فَمَتَى يَكُونُ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ؟
قِيلَ: هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَمَنْ قَالَ: يَنْتَقِلُ، فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ عِنْدَهُ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ، وَمَنْ قَالَ لَا يَنْتَقِلُ فَابْتِدَاؤُهَا عِنْدَهُ مِنْ حِينِ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ خِيَارَ عَيْبٍ؟ قِيلَ: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فصل هَلْ سَكَتَتِ السُّنَّةُ عَنِ اسْتِبْرَاءِ الْآيِسَةِ وَالَّتِي لَمْ تَحِضْ]
فَصْلُ
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى اسْتِبْرَاءِ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَعَلَى اسْتِبْرَاءِ الْحَائِلِ بِحَيْضَةٍ فَكَيْفَ سَكَتَتْ عَنِ اسْتِبْرَاءِ الْآيِسَةِ وَالَّتِي لَمْ تَحِضْ وَلَمْ تَسْكُتْ عَنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ؟
قِيلَ: لَمْ تَسْكُتْ عَنْهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ، بَلْ بَيَّنَتْهُمَا بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - جَعَلَ عِدَّةَ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، ثُمَّ جَعَلَ عِدَّةَ الْآيِسَةِ وَالَّتِي لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - جَعَلَ فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ قُرْءٍ شَهْرًا. وَلِهَذَا أَجْرَى سُبْحَانَهُ عَادَتَهُ الْغَالِبَةَ فِي إِمَائِهِ، أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، وَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ الْحَائِضِ بِحَيْضَةٍ، فَيَكُونُ الشَّهْرُ قَائِمًا مُقَامَ الْحَيْضَةِ، وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أحمد، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وَعَنْ أحمد رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَوَجْهُ هَذَا، الْقَوْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ أحمد فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لأبي عبد الله: كَيْفَ جَعَلْتَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَكَانَ حَيْضَةٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - فِي الْقُرْآنِ مَكَانَ كُلِّ حَيْضَةٍ شَهْرًا؟
فَقَالَ أحمد: إِنَّمَا قُلْنَا: ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، وَجَمَعَ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْقَوَابِلَ، فَأَخْبَرُوا أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَبَيَّنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ النُّطْفَةَ تَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَقَةً، ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَةً بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا خَرَجَتِ الثَّمَانُونَ، صَارَتْ بَعْدَهَا مُضْغَةً، وَهِيَ لَحْمٌ فَيَتَبَيَّنُ حِينَئِذٍ.
قَالَ ابن القاسم: قَالَ لِي: هَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ النِّسَاءِ. فَأَمَّا شَهْرٌ، فَلَا مَعْنَى فِيهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهَا: تُسْتَبْرَأُ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ حنبل: قَالَ عطاء: إِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ، فَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً. قَالَ حنبل: قَالَ عَمِّي: لِذَلِكَ أَذْهَبُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ الْآيِسَةِ كَذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّهَا لَوْ طُلِّقَتْ وَهِيَ آيِسَةٌ، اعْتَدَّتْ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ فِي رِوَايَةٍ، فَلَأَنْ تُسْتَبْرَأَ الْأَمَةُ بِهَذَا الْقَدْرِ أَوْلَى.
وَعَنْ أحمد رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِشَهْرَيْنِ، حَكَاهَا الْقَاضِي عَنْهُ،
وَاسْتَشْكَلَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى قَالَ صَاحِبُ (الْمُغْنِي) : وَلَمْ أَرَ لِذَلِكَ وَجْهًا.
قَالَ وَلَوْ كَانَ اسْتِبْرَاؤُهَا بِشَهْرَيْنِ، لَكَانَ اسْتِبْرَاءُ ذَاتِ الْقُرُوءِ بِقُرْءَيْنِ، وَلَمْ نَعْلَمْ بِهِ قَائِلًا.
وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَنَّهَا اعْتُبِرَتْ بِالْمُطَلَّقَةِ، وَلَوْ طُلِّقَتْ وَهِيَ أَمَةٌ، لَكَانَتْ عِدَّتُهَا شَهْرَيْنِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أحمد رحمه الله وَاحْتَجَّ فِيهِ بِقَوْلِ عمر رضي الله عنه وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْقُرُوءِ وَعِدَّةُ ذَاتِ الْقُرُوءِ قُرْءَانِ، فَبَدَلُهُمَا شَهْرَانِ، وَإِنَّمَا صِرْنَا إِلَى اسْتِبْرَاءِ ذَاتِ الْقُرْءِ بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّهَا عَلَمٌ ظَاهِرٌ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنَ الْحَمْلِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ تَظْهَرُ فِيهَا بَرَاءَتُهَا، وَهِيَ إِمَّا شَهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَكَانَتِ الشَّهْرَانِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ عَلَمًا عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي حَقِّ الْمُطَلَّقَةِ، فَفِي حَقِّ الْمُسْتَبْرَأَةِ أَوْلَى، فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ.
وَبَعْدُ، فَالرَّاجِحُ مِنَ الدَّلِيلِ: الِاكْتِفَاءُ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ إِيمَاءُ النَّصِّ وَتَنْبِيهُهُ، وَفِي جَعْلِ مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُرَّةِ، وَجَعْلُهَا بِشَهْرَيْنِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ، فَكَانَ أَوْلَى الْمُدَدِ بِهَا شَهْرًا؛ فَإِنَّهُ الْبَدَلُ التَّامُّ، وَالشَّارِعُ قَدِ اعْتَبَرَ نَظِيرَ هَذَا الْبَدَلِ فِي نَظِيرِ الْأَمَةِ، وَهِيَ الْحُرَّةُ، وَاعْتَبَرَهُ الصَّحَابَةُ فِي الْأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ، فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: عِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَانِ، احْتَجَّ بِهِ أحمد رحمه الله. وَقَدْ نَصَّ أحمد رحمه الله فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ عَلَى أَنَّهَا إِذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، اعْتَدَّتْ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، تِسْعَةٍ لِلْحَمْلِ وَشَهْرٍ مَكَانَ الْحَيْضَةِ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: تَعْتَدُّ بِسَنَةِ، هَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أبي محمد، قَالَ: وأحمد هَاهُنَا جَعَلَ مَكَانَ الْحَيْضَةِ شَهْرًا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ تَكْرَارِهَا فِي الْآيِسَةِ لِتُعْلَمَ بَرَاءَتُهَا مِنَ الْحَمْلِ، وَقَدْ عُلِمَ بَرَاءَتُهَا مِنْهُ هَاهُنَا بِمُضِيِّ غَالِبِ مُدَّتِهِ، فَجُعِلَ الشَّهْرُ مَكَانَ الْحَيْضَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الخرقي مُفَرَّقًا بَيْنَ الْآيِسَةِ، وَبَيْنَ مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، فَقَالَ: فَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً، فَبِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، اعْتَدَّتْ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ، وَشَهْرٍ مَكَانَ الْحَيْضَةِ.