الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَاقِعِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ حُكِمَ بِأَيْمَانِ الْقَسَامَةِ، ثُمَّ أَظْهَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آيَةً تَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الْحَالِفِينَ لَمْ يَنْتَقِضْ حُكْمُهَا بِذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ حُكِمَ بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الدَّعْوَى بِيَمِينٍ، ثُمَّ أَظْهَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آيَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا يَمِينٌ فَاجِرَةٌ لَمْ يَبْطُلِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ.
[فصل هَلْ يُحَدُّ إِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بالزِّنَى بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بالزِّنَى بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ لَاعَنَهَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لَهُمَا، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الرَّجُلِ فِي لِعَانِهِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدُّهُ، وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ أبو حنيفة ومالك: يُلَاعِنُ لِلزَّوْجَةِ وَيُحَدُّ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَجِبُ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لَهُمَا بِلِعَانِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أحمد، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا، فَإِنْ ذَكَرَ الْمَقْذُوفَ فِي لِعَانِهِ سَقَطَ الْحَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْتَأْنِفُ اللِّعَانَ وَيَذْكُرُهُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ حُدَّ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَسْقُطُ حَدُّهُ بِلِعَانِهِ، كَمَا يَسْقُطُ حَدُّ الزَّوْجَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أحمد: الْقَذْفُ لِلزَّوْجَةِ وَحْدَهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ وَلَا الْحَدُّ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَجِبُ الْحَدُّ لَهُمَا.
وَهَلْ يَجِبُ حَدٌّ وَاحِدٌ أَوْ حَدَّانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَا يَجِبُ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ إِذَا لَاعَنَ وَذَكَرَ الْأَجْنَبِيَّ فِي لِعَانِهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ؛ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ.
وَالَّذِينَ أَسْقَطُوا حُكْمَ قَذْفِ الْأَجْنَبِيِّ بِاللِّعَانِ حُجَّتُهُمْ ظَاهِرَةٌ وَقَوِيَّةٌ جِدًّا، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحُدَّ الزَّوْجَ بشريك ابن سحماء، وَقَدْ سَمَّاهُ صَرِيحًا، وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَقْذُوفَ كَانَ يَهُودِيًّا وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِ الْكَافِرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ إِنَّمَا يُقَامُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ.
وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ وَقَالُوا: قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ شريك بن عبدة، وَأُمُّهُ سحماء، وَهُوَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ أَخُو
الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ. قَالَ عبد العزيز بن بزيزة فِي شَرْحِهِ لِأَحْكَامِ عبد الحق: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي شريك ابن سحماء الْمَقْذُوفِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا. وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شريك بن عبدة حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ أَخُو الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي: فَهُوَ يَنْقَلِبُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذَا الْقَذْفِ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَإِلَّا كَيْفَ يَسْكُتُ عَنْ بَرَاءَةِ عِرْضِهِ، وَلَهُ طَرِيقٌ إِلَى إِظْهَارِهَا بِحَدِّ قَاذِفِهِ، وَالْقَوْمُ كَانُوا أَشَدَّ حَمِيَّةً وَأَنَفَةً مِنْ ذَلِكَ؟
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللِّعَانَ أُقِيمَ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ لِلْحَاجَةِ، وَجُعِلَ بَدَلًا مِنَ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ، وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إِذَا نَكَلَتْ، فَإِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَانَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ تُحَدَّ الْمَرْأَةُ بِاللِّعَانِ إِذَا نَكَلَتْ، ثُمَّ يُحَدُّ الْقَاذِفُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَقَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى صِدْقِ قَوْلِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا فَإِنَّهَا كَمَا دَرَأَتْ عَنْهُ الْحَدَّ مِنْ طَرَفِ الزَّوْجَةِ دَرَأَتْ عَنْهُ مِنْ طَرَفِ الْمَقْذُوفِ، وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّهُ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى قَذْفِ الزَّانِي لِمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاشِهِ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَرَهُ لِيَسْتَدِلَّ بِشَبَهِ الْوَلَدِ لَهُ عَلَى صِدْقِ قَاذِفِهِ، كَمَا اسْتَدَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى صِدْقِ هلال بِشَبَهِ الْوَلَدِ بشريك ابن سحماء، فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ حُكْمَ قَذْفِهِ مَا أَسْقَطَ حُكْمَ قَذْفِهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزَّوْجِ:( «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» ) وَلَمْ يَقُلْ: وَإِلَّا حَدَّانِ، هَذَا، وَالْمَرْأَةُ لَمْ تُطَالِبْ بِحَدِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ شَرْطٌ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ لَا فِي وُجُوبِهِ، وَهَذَا جَوَابٌ آخَرُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ شريكا لَمْ يُطَالِبْ بِالْحَدِّ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ أَيْضًا لَمْ تُطَالِبْ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:( «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» ) .