الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْهِبَةِ، لَقَالَ: ثُمَّ يَعُودُونَ فِيمَا قَالُوا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ:( «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ، كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» )
وَاحْتَجَّ أبو محمد ابن حزم بِحَدِيثِ عائشة رضي الله عنها أَنَّ أوس بن الصامت كَانَ بِهِ لَمَمٌ فَكَانَ إِذَا اشْتَدَّ بِهِ لَمَمُهُ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ. فَقَالَ: هَذَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَلَا بُدَّ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ فِي الظِّهَارِ إِلَّا هَذَا الْخَبَرُ وَحْدَهُ.
قَالَ: وَأَمَّا تَشْنِيعُكُمْ عَلَيْنَا بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَأَرُونَا مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْوَطْءُ، أَوِ الْعَزْمُ، أَوِ الْإِمْسَاكُ، أَوْ هُوَ الْعَوْدُ إِلَى الظِّهَارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَوْ عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَا تَكُونُونَ أَسْعَدَ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَّا أَبَدًا.
[فَصْلٌ رَدُّ الْجُمْهُورِ عَلَى الظَّاهِرِيَّةِ]
فَصْلٌ وَنَازَعَهُمُ الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا: لَيْسَ مَعْنَى الْعَوْدِ إِعَادَةَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ هُوَ الْعَوْدَ، لَقَالَ: ثُمَّ يُعِيدُونَ مَا قَالُوا؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَعَادَ كَلَامَهُ بِعَيْنِهِ، وَأَمَّا عَادَ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْعَالِ، كَمَا يُقَالُ: عَادَ فِي فِعْلِهِ، وَفِي هِبَتِهِ، فَهَذَا اسْتِعْمَالُهُ بِ " فِي ". وَيُقَالُ عَادَ إِلَى عَمَلِهِ، وَإِلَى وِلَايَتِهِ، وَإِلَى حَالِهِ، وَإِلَى إِحْسَانِهِ وَإِسَاءَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعَادَ لَهُ أَيْضًا.
وَأَمَّا الْقَوْلُ: فَإِنَّمَا يُقَالُ: أَعَادَهُ كَمَا ( «قَالَ ضماد بن ثعلبة لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ» ) وَكَمَا ( «قَالَ أبو سعيد " أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ) وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ
فَإِنَّهُ يُقَالُ: أَعَادَ مَقَالَتَهُ، وَعَادَ لِمَقَالَتِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ:(فَعَادَ لِمَقَالَتِهِ) بِمَعْنَى أَعَادَهَا، سَوَاءٌ، وَأَفْسَدُ مِنْ هَذَا رَدُّ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ إِعَادَةَ الْقَوْلِ مُحَالٌ كَإِعَادَةِ أَمْسِ.
قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ اجْتِمَاعُ زَمَانَيْنِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، فَإِنَّ إِعَادَةَ الْقَوْلِ مِنْ جِنْسِ إِعَادَةِ الْفِعْلِ، وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ الْأَوَّلِ لَا بِعَيْنِهِ، وَالْعَجَبُ مِنْ مُتَعَصِّبٍ يَقُولُ: لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ، وَيُبْحَثُ مَعَهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْبُحُوثِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ هَذَا الرَّدِّ، وَكَذَلِكَ رَدُّ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ الْعَائِدِ فِي هِبَتِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا نَظِيرُهَا {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [المجادلة: 8] وَمَعَ هَذَا فَهَذِهِ الْآيَةُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْ آيَةِ الظِّهَارِ، فَإِنَّ عَوْدَهُمْ لِمَا نُهُوا عَنْهُ هُوَ رُجُوعُهُمْ إِلَى نَفْسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ النَّجْوَى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إِعَادَةَ تِلْكَ النَّجْوَى بِعَيْنِهَا، بَلْ رُجُوعُهُمْ إِلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الظِّهَارِ {يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] أَيْ لِقَوْلِهِمْ. فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَهُوَ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ بِتَشْبِيهِهَا بِالْمُحَرَّمَةِ، فَالْعَوْدُ إِلَى الْمُحَرَّمِ هُوَ الْعَوْدُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِعْلُهُ، فَهَذَا مَأْخَذُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ الْوَطْءُ.
وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَوْلَ فِي مَعْنَى الْمَقُولِ، وَالْمَقُولُ هُوَ التَّحْرِيمُ وَالْعَوْدُ لَهُ هُوَ الْعَوْدُ إِلَيْهِ، وَهُوَ اسْتِبَاحَتُهُ عَائِدًا إِلَيْهِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاسْتِعْمَالِهَا، وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، كَمَا قَالَ قتادة وطاووس والحسن وَالزُّهْرِيُّ ومالك وَغَيْرُهُمْ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ فَسَّرَ الْآيَةَ بِإِعَادَةِ اللَّفْظِ الْبَتَّةَ لَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ، وَهَاهُنَا أَمْرٌ خَفِيَ عَلَى مَنْ جَعَلَهُ إِعَادَةَ اللَّفْظِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الْفِعْلِ يَسْتَلْزِمُ مُفَارَقَةَ الْحَالِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْآنَ، وَعَوْدَهُ إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَوَّلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8][الْإِسْرَاءِ: 8] أَلَا تَرَى أَنَّ عَوْدَهُمْ مُفَارَقَةُ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِحْسَانِ وَعَوْدُهُمْ إِلَى الْإِسَاءَةِ وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ
وَإِنْ عَادَ لِلْإِحْسَانِ فَالْعَوْدُ أَحْمَدُ
وَالْحَالُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْآنَ التَّحْرِيمُ بِالظِّهَارِ وَالَّتِي كَانَ عَلَيْهَا إِبَاحَةُ الْوَطْءِ