الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِزَوَالِ الْمُغَيِّرِ الَّذِي هُوَ الْحَيْضُ، فَإِنَّهَا تَعُودُ بَعْدَ الطُّهْرِ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَيْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ لَهَا الطُّهْرُ حُكْمًا، وَالْقُرْءُ أَمْرٌ يُغَيِّرُ أَحْكَامَ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا التَّغْيِيرُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْحَيْضِ دُونَ الطُّهْرِ. فَهَذَا الْوَجْهُ دَالٌّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَحْتَسِبُ بِالطُّهْرِ الَّذِي قَبْلَ الْحَيْضَةِ قُرْءًا فِيمَا إِذَا طُلِّقَتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، ثُمَّ حَاضَتْ، فَإِنَّ مَنِ اعْتَدَّ بِهَذَا الطُّهْرِ قَرْءًا جَعَلَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ فِي الشَّرِيعَةِ قُرْءًا مِنَ الْأَقْرَاءِ، وَهَذَا فَاسِدٌ.
[فصل حُجَّةُ مَنْ فَسَّرَ الْأَقْرَاءَ بِالْأَطْهَارِ]
[فصل دَلِيلُهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ]
فَصْلٌ قَالَ مَنْ جَعَلَ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارَ: الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: بَيَانُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا الْأَطْهَارُ.
الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ عَنْ أَدِلَّتِكُمْ.
أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1][الطَّلَاقِ: 1] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ: أَنَّ اللَّامَ هِيَ لَامُ الْوَقْتِ، أَيْ: فَطَلِّقُوهُنَّ فِي وَقْتِ عِدَّتِهِنَّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]، [الْأَنْبِيَاءِ: 47] أَيْ: فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَوْلُهُ:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]، [الْإِسْرَاءِ: 78] أَيْ: وَقْتَ الدُّلُوكِ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: جِئْتُكَ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنَ الشَّهْرِ، أَيْ: فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْهُ، وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ":«عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، وَهِيَ طَاهِرٌ، قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، ثُمَّ قَالَ: فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْعِدَّةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ هِيَ الطُّهْرُ الَّذِي بَعْدَ الْحَيْضَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الْحَيْضَ
كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ لَا فِي الْعِدَّةِ، وَكَانَ ذَلِكَ تَطْوِيلًا عَلَيْهَا، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228][الْبَقَرَةِ: 228] ، فَالْأَقْرَاءُ عِنْدَنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الْأَطْهَارُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا الْأَطْهَارُ وَقَدْ قَالَ غَيْرُكُمْ: الْحَيْضُ؟ قِيلَ: لَهُ دَلَالَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: الْكِتَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، وَالْأُخْرَى: اللِّسَانُ. فَإِنْ قَالَ: وَمَا الْكِتَابُ؟ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1][الطَّلَاقِ: 1] وَأَخْبَرَنَا مالك: عَنْ نافع، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عمر رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، تُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»
أَخْبَرَنَا مسلم، وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أبي الزبير «أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَذْكُرُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ حَائِضًا، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ يُمْسِكْ، وَتَلَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] لِقُبُلِ أَوْ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ» [الطَّلَاقِ: 1] قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَنَا شَكَكْتُ، فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللَّهِ عز وجل: أَنَّ الْعِدَّةَ الطُّهْرُ دُونَ الْحَيْضِ، وَقَرَأَ: فَطَلِّقُوهُنَّ
لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا، وَلَوْ طُلِّقَتْ حَائِضًا، لَمْ تَكُنْ مُسْتَقْبِلَةً عِدَّتَهَا إِلَّا بَعْدَ الْحَيْضِ.
فَإِنْ قَالَ: فَمَا اللِّسَانُ؟ قِيلَ: الْقُرْءُ: اسْمٌ وُضِعَ لِمَعْنًى، فَلَمَّا كَانَ الْحَيْضُ دَمًا يُرْخِيهِ الرَّحِمُ فَيَخْرُجُ، وَالطُّهْرُ دَمًا يَحْتَبِسُ فَلَا يَخْرُجُ، وَكَانَ مَعْرُوفًا مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْقُرْءَ الْحَبْسُ. تَقُولُ الْعَرَبُ: هُوَ يَقْرِي الْمَاءَ فِي حَوْضِهِ وَفِي سِقَائِهِ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: هُوَ يَقْرِي الطَّعَامَ فِي شِدْقِهِ، يَعْنِي: يَحْبِسُهُ فِي شِدْقِهِ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: إِذَا حَبَسَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ، قَرَأَهُ. يَعْنِي: خَبَّأَهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: تَقْرَى فِي صِحَافِهَا، أَيْ: تُحْبَسُ فِي صِحَافِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مالك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عروة، عَنْ عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا انْتَقَلَتْ حفصة بنت عبد الرحمن حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لعمرة بنت عبد الرحمن، فَقَالَتْ: صَدَقَ عروة. وَقَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ نَاسٌ. وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَقَالَتْ عائشة رضي الله عنها: صَدَقْتُمْ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ؟ الْأَقْرَاءُ: الْأَطْهَارُ.
أَخْبَرَنَا مالك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا. يُرِيدُ الَّذِي قَالَتْ عائشة رضي الله عنها. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَأَخْبَرَنَا سفيان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عمرة، عَنْ عائشة رضي الله عنها: إِذَا طَعَنَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ
وَأَخْبَرَنَا مالك رحمه الله، عَنْ نافع، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الأحوص - يعني ابن حكيم - هَلَكَ بِالشَّامِ حِينَ دَخَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي الْحَيْضَةِ
الثَّالِثَةِ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا، فَكَتَبَ معاوية إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ زيد: إِنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ، وَبَرِئَ مِنْهَا، وَلَا تَرِثُهُ، وَلَا يَرِثُهَا.
وَأَخْبَرَنَا سفيان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: إِذَا طَعَنَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ.
وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَابْنَ عُمَرَ قَالَا: إِذَا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا.
وَأَخْبَرَنَا مالك: عَنْ نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ، وَلَا تَرِثُهُ، وَلَا يَرِثُهَا.
أَخْبَرَنَا مالك رحمه الله أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا دَخَلَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا. زَادَ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ عَنْ مالك رَحِمَهُمَا اللَّهُ: وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ مالك: وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَا بُعْدَ أَنْ تَكُونَ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارَ، كَمَا قَالَتْ عائشة رضي الله عنها، وَالنِّسَاءُ بِهَذَا أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِنَّ لَا فِي الرِّجَالِ، أَوِ الْحَيْضَ فَإِذَا جَاءَتْ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، حَلَّتْ، وَلَا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِلْغُسْلِ مَعْنًى، وَلَسْتُمْ تَقُولُونَ بِوَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ، يَعْنِي: أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهَا الْحَيْضُ، قَالُوا: وَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، كَمَا قَالَهُ علي، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وأبو