الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُنْتَهَى أَقْدَامِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَعَلَّ الْوَاقِفَ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ يَخْطُرُ لَهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ تَنْتَهِي قُوَّتُهُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَيْدِي أَصْحَابِهِ قُدْرَةٌ عَلَى تَقْدِيرِهِ وَتَصْحِيحِهِ، فَاجْلِسْ أَيُّهَا الْعَالِمُ الْمُنْصِفُ مَجْلِسَ الْحَكَمِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ، وَافْصِلْ بَيْنَهُمَا بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ لَا بِالتَّقْلِيدِ، وَقَالَ فُلَانٌ.
[رَدُّ الْقَائِلِينَ بِالْحَوْلَيْنِ عَلَى حَدِيثِ سَهْلَةَ وَأَوَّلُهَا رَدُّهُ بِالنَّسْخِ]
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْحَوْلَيْنِ فِي حَدِيثِ سهلة هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَسَالِكَ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَهَذَا مَسْلَكُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَأْتُوا عَلَى النَّسْخِ بِحُجَّةٍ سِوَى الدَّعْوَى، فَإِنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ إِثْبَاتُ التَّارِيخِ الْمَعْلُومِ التَّأَخُّرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ. وَلَوْ قَلَبَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَيْهِمُ الدَّعْوَى، وَادَّعَوْا نَسْخَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ بِحَدِيثِ سهلة، لَكَانَتْ نَظِيرَ دَعْوَاهُمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ، وَحِينَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5][الْأَحْزَابِ: 5] وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، وَأَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُمَا لَمْ يُصَرِّحَا بِسَمَاعِهِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بَلْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَّا دُونَ الْعِشْرِينَ حَدِيثًا وَسَائِرُهَا عَنِ الصِّحَابَةِ رضي الله عنهم.
الثَّانِي: أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَحْتَجَّ وَاحِدَةٌ مِنْهُنُّ، بَلْ وَلَا غَيْرُهُنَّ عَلَى عائشة رضي الله عنها بِذَلِكَ، بَلْ سَلَكْنَ فِي الْحَدِيثِ بِتَخْصِيصِهِ بسالم، وَعَدَمِ إِلْحَاقِ غَيْرِهِ بِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ عائشة رضي الله عنها نَفْسَهَا رَوَتْ هَذَا وَهَذَا، فَلَوْ كَانَ حَدِيثُ سهلة مَنْسُوخًا، لَكَانَتْ عائشة رضي الله عنها قَدْ أَخَذَتْ بِهِ، وَتَرَكَتِ النَّاسِخَ، أَوْ خَفِيَ عَلَيْهَا تَقَدُّمُهُ مَعَ كَوْنِهَا هِيَ الرَّاوِيَةَ لَهُ، وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ، وَفِي غَايَةِ الْبُعْدِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ عائشة رضي الله عنها ابْتُلِيَتْ بِالْمَسْأَلَةِ، وَكَانَتْ تَعْمَلُ بِهَا، وَتُنَاظِرُ عَلَيْهَا، وَتَدْعُو إِلَيْهَا صَوَاحِبَاتِهَا فَلَهَا بِهَا مَزِيدُ اعْتِنَاءٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا حُكْمًا مَنْسُوخًا قَدْ بَطَلَ كَوْنُهُ مِنَ الدِّينِ جُمْلَةً، وَيَخْفَى عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَيَخْفَى عَلَى