الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْعِ الرَّجُلِ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ]
ُ فِي " السُّنَنِ " وَ " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ ( «حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنَ الْبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي، فَأَبِيعُهُ مِنْهُ، ثُمَّ أَبْتَاعُهُ مِنَ السُّوقِ، فَقَالَ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» ) قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَفِي " السُّنَنِ " نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ ابن عمرو رضي الله عنه، وَلَفْظُهُ:( «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» ) قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فَاتَّفَقَ لَفْظُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ لَفْظِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَضَمَّنُ نَوْعًا مِنَ الْغَرَرِ، فَإِنَّهُ إِذَا بَاعَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا، وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ مَضَى لِيَشْتَرِيَهُ، أَوْ يُسَلِّمَهُ لَهُ، كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْحُصُولِ وَعَدَمِهِ، فَكَانَ غَرَرًا يُشْبِهُ الْقِمَارَ، فَنُهِيَ عَنْهُ.
وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ؛ لِكَوْنِهِ مَعْدُومًا، فَقَالَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَرَوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثًا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ( «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَعْدُومِ» ) ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَلَا لَهُ أَصْلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَغَلِطَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَأَنَّ هَذَا الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي حَدِيثِ حكيم وابن عمرو رضي الله عنه لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا، وَإِنْ كَانَ فَهُوَ مَعْدُومٌ خَاصٌّ، فَهُوَ كَبَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ يَتَضَمَّنُ غَرَرًا وَتَرَدُّدًا فِي حُصُولِهِ.
وَالْمَعْدُومُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَعْدُومٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ، فَهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا،
وَإِنْ كَانَ أبو حنيفة شَرَطَ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الْعَقْدِ فِي الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهَذَا هُوَ السَّلَمُ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: مَعْدُومٌ تَبَعٌ لِلْمَوْجُودِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَهُوَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَنَوْعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ ثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، فَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ ذَلِكَ الصِّنْفِ الَّذِي بَدَا صَلَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ بَقِيَّةُ أَجْزَاءِ الثِّمَارِ مَعْدُومَةً وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَكِنْ جَازَ بَيْعُهَا تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْدُومُ مُتَّصِلًا بِالْمَوْجُودِ، وَقَدْ يَكُونُ أَعْيَانًا أُخَرَ مُنْفَصِلَةً عَنِ الْوُجُودِ لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ.
وَالنَّوْعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَبَيْعِ الْمَقَاثِئِ وَالْمَبَاطِخِ إِذَا طَابَتْ، فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا جُمْلَةً، وَيَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَيَجْرِي مَجْرَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ الْأُمَّةِ، وَلَا غِنَى لَهُمْ عَنْهُ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْمَنْعِ مِنْهُ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إِجْمَاعٌ، وَلَا أَثَرٌ وَلَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ مالك وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أحمد، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ.
وَالَّذِينَ قَالُوا: لَا يُبَاعُ إِلَّا لُقْطَةً لُقْطَةً لَا يَنْضَبِطُ قَوْلُهُمْ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا وَيَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهِ غَالِبًا، وَإِنْ أَمْكَنَ فَفِي غَايَةِ الْعُسْرِ، وَيُؤَدِّي إِلَى التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ الشَّدِيدِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُرِيدُ أَخْذَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ صِغَارُهُ أَطْيَبَ مِنْ كِبَارِهِ، وَالْبَائِعُ لَا يُؤْثِرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عُرْفٌ مُنْضَبِطٌ، وَقَدْ تَكُونُ الْمَقْثَأَةُ كَثِيرَةً، فَلَا يَسْتَوْعِبُ الْمُشْتَرِي اللُّقْطَةَ الظَّاهِرَةَ حَتَّى يُحْدِثَ فِيهَا لُقْطَةً أُخْرَى، وَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ، وَيَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ، وَيَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ عَلَى صَاحِبِ الْمَقْثَأَةِ أَنْ يُحْضِرَ لَهَا كُلَّ وَقْتٍ مَنْ يَشْتَرِي مَا تَجَدَّدَ فِيهَا، وَيُفْرِدُهُ بِعَقْدٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تَأْتِي بِهِ، فَهَذَا غَيْرُ مَقْدُورٍ وَلَا مَشْرُوعٍ، وَلَوْ أُلْزِمَ النَّاسُ بِهِ لَفَسَدَتْ أَمْوَالُهُمْ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُ يَتَضَمَّنُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي الْمَقَاثِئِ بِمَنْزِلَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ، وَتَلَاحُقُ أَجْزَائِهَا