الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل مَا يَعْدِلُ الْبَعِيرُ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ]
فصل وَعَدَلَ فِي قِسْمَةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا بِبَعِيرٍ، فَهَذَا فِي التَّقْوِيمِ وَقِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ. وَأَمَّا فِي الْهَدْيِ، فَقَدْ قَالَ ( «جابر: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» ) . فَهَذَا فِي الْحُدَيْبِيَةِ. وَأَمَّا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ ( «جابر أَيْضًا: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» ) ، وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحِ.
وَفِي " السُّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ( «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ عَلَيَّ بَدَنَةً وَأَنَا مُوسِرٌ بِهَا وَلَا أَجِدُهَا فَأَشْتَرِيَهَا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَبْتَاعَ سَبْعَ شِيَاهٍ فَيَذْبَحَهُنَّ» ) .
[فصل هَلِ السَّلَبُ مِنَ الْخُمُسِ]
حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالسَّلَبِ كُلِّهِ لِلْقَاتِلِ، وَلَمْ يُخَمِّسْهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنَ الْخُمُسِ، بَلْ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، وَهَذَا حُكْمُهُ وَقَضَاؤُهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ": السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ، وَحَكَمَ بِهِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، وَحَكَمَ بِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ تَضَمَّنَهَا حُكْمُهُ صلى الله عليه وسلم بِالسَّلَبِ لِمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا.
وَقَالَ مالك وَأَصْحَابُهُ: السَّلَبُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ
النَّفَلِ، قَالَ مالك: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ، وَلَا فَعَلَهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ حُنَيْنٍ، وَلَا فَعَلَهُ أبو بكر، وَلَا عمر رضي الله عنهما. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَمْ يُعْطِ غَيْرَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ سَلَبَ قَتِيلِهِ وَخَمَّسَهُ.
قَالَ أَصْحَابُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] فَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِمَنْ غَنِمَهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ شَيْءٌ مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ بِالِاحْتِمَالِ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا هِيَ فِي غَيْرِ الْأَسْلَابِ لَمْ يُؤَخِّرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُكْمَهَا إِلَى حُنَيْنٍ، وَقَدْ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ، وَأَيْضًا إِنَّمَا قَالَ:( «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» ) ، بَعْدَ أَنْ بَرُدَ الْقِتَالُ. وَلَوْ كَانَ أَمْرًا مُتَقَدِّمًا، لَعَلِمَهُ أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَحَدُ أَكَابِرِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ لَمْ يَطْلُبْهُ حَتَّى سَمِعَ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ إِيَّاهُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ بِلَا يَمِينٍ، فَلَوْ كَانَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ لَمْ يَخْرُجْ حَقُّ مَغْنَمٍ إِلَّا بِمَا تُخْرَجُ بِهِ الْأَمْلَاكُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ، أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَلَوْ وَجَبَ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً لَكَانَ يُوقَفُ كَاللُّقَطَةِ وَلَا يُقْسَمْ، وَهُوَ إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً يُقْسَمُ، فَخَرَجَ مِنْ مَعْنَى الْمِلْكِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ يَجْعَلُهُ مِنَ الْخُمُسِ الَّذِي يُجْعَلُ فِي غَيْرِهِ، هَذَا مَجْمُوعُ مَا احْتُجَّ بِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ.
قَالَ الْآخَرُونَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفَعَلَهُ قَبْلَ حُنَيْنٍ بِسِتَّةِ أَعْوَامٍ، فَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ": ( «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ الْأَنْصَارِيَّيْنِ ضَرَبَا أبا جهل بن هشام يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، فَانْصَرَفَا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ فَقَالَ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَنَظَرَ إِلَى السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، وَسَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ» ) ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا تَجَدَّدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ الْإِعْلَامُ الْعَامُّ، وَالْمُنَادَاةُ بِهِ لَا شَرْعِيَّتُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ: إِنَّ أبا بكر وعمر لَمْ يَفْعَلَاهُ، فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُسْمَعُ، الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْمُنَادَاةِ بِذَلِكَ عَلَى عَهْدِهِمَا اكْتِفَاءً بِمَا تَقَرَّرَ، وَثَبَتَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَضَائِهِ، وَحَتَّى لَوْ صَحَّ عَنْهُمَا تَرْكُ ذَلِكَ تَرْكًا صَحِيحًا لَا احْتِمَالَ فِيهِ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْطِ غَيْرَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ سَلَبَ قَتِيلِهِ، فَقَدْ أَعْطَى السَّلَبَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، ولمعاذ بن عمرو، ولأبي طلحة الأنصاري، قَتَلَ عِشْرِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ، وَهَذِهِ كُلُّهَا وَقَائِعُ صَحِيحَةٌ مُعْظَمُهَا فِي الصَّحِيحِ، فَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تَكَادُ تَسْلَمُ مِنَ النَّقْضِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَخَمَّسَهُ " فَهَذَا لَمْ يُحْفَظْ بِهِ أَثَرٌ الْبَتَّةَ، بَلِ الْمَحْفُوظُ خِلَافُهُ، فَفِي " سُنَنِ أبي داود ": عَنْ خالد ( «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ» ) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] فَهَذَا