الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِحْصَانُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ إِذَا اكْتُفِيَ بِهِ فِيهَا، فَفِيمَا قَبْلَ الْإِحْصَانِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرِيضٍ زَنَى وَلَمْ يَحْتَمِلْ إِقَامَةَ الْحَدِّ، بِأَنْ يُؤْخَذَ لَهُ عِثْكَالٌ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ، فَيُضْرَبُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً.
[فَصْلٌ مَتَى نَزَلَ حَدُّ الْقَذْفِ]
فَصْلٌ
وَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَدِّ الْقَذْفِ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَرَاءَةَ زَوْجَتِهِ مِنَ السَّمَاءِ، فَجَلَدَ رَجُلَيْنِ وَامْرَأَةً. وَهُمَا: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ: وَيَقُولُونَ: الْمَرْأَةُ حمنة بنت جحش.
وَحَكَمَ فِيمَنْ بَدَّلَ دِينَهُ بِالْقَتْلِ، وَلَمْ يَخُصَّ رَجُلًا مِنِ امْرَأَةٍ، وَقَتَلَ الصِّدِّيقُ
امْرَأَةً ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِسْلَامِهَا يُقَالُ لَهَا: أم قرفة.
وَحَكَمَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ بِضَرْبِهِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَضَرْبِهِ أَرْبَعِينَ، وَتَبِعَهُ أبو بكر رضي الله عنه عَلَى الْأَرْبَعِينَ.
وَفِي " مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ": «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ» .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: لَمْ يُوَقِّتْ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا.
وَقَالَ علي رضي الله عنه: «جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ، وأبو بكر أَرْبَعِينَ، وَكَمَّلَهَا عمر ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ» .
وَصَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ فِي الرَّابِعَةِ أَوِ الْخَامِسَةِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوخٌ، وَنَاسِخُهُ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» .
وَقِيلَ: هُوَ مُحْكَمٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يُعْلَمْ تَأَخُّرُ الْعَامِّ. وَقِيلَ: نَاسِخُهُ حَدِيثُ عبد الله حمار، فَإِنَّهُ أُتِيَ بِهِ مِرَارًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ.
وَقِيلَ: قَتْلُهُ تَعْزِيرٌ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، فَإِذَا كَثُرَ مِنْهُ وَلَمْ يَنْهَهُ الْحَدُّ، وَاسْتَهَانَ بِهِ، فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ تَعْزِيرًا لَا حَدًّا، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: ائْتُونِي بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَعَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَحَدُ رُوَاةِ الْأَمْرِ بِالْقَتْلِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُمْ: معاوية، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وعبد الله بن عمرو، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ رضي الله عنهم.
وَحَدِيثُ قبيصة: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ لَيْسَ بِحَدٍّ، أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ:«فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ، فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، وَرُفِعَ الْقَتْلُ، وَكَانَتْ رُخْصَةً» . رَوَاهُ أبو داود.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، عَنْ علي رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:«مَا كُنْتُ لِأَدِيَ مَنْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْحَدَّ إِلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسُنَّ فِيهِ شَيْئًا، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ قُلْنَاهُ نَحْنُ» . لَفْظُ أبي داود. وَلَفْظُهُمَا: «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَلَمْ يَسُنَّهُ» .
قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَقْدِيرًا لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَإِلَّا فعلي رضي الله عنه قَدْ شَهِدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ ضَرَبَ فِيهَا أَرْبَعِينَ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ قُلْنَاهُ نَحْنُ، يَعْنِي التَّقْدِيرَ بِثَمَانِينَ، فَإِنَّ عمر رضي الله عنه جَمَعَ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم وَاسْتَشَارَهُمْ، فَأَشَارُوا بِثَمَانِينَ، فَأَمْضَاهَا، ثُمَّ جَلَدَ علي فِي خِلَافَتِهِ أَرْبَعِينَ، وَقَالَ: هَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثَ، رَآهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعِينَ حَدٌّ، وَالْأَرْبَعُونَ الزَّائِدَةُ عَلَيْهَا تَعْزِيرٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم، وَالْقَتْلُ إِمَّا مَنْسُوخٌ، وَإِمَّا أَنَّهُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِحَسَبِ تَهَالُكِ النَّاسِ فِيهَا وَاسْتِهَانَتِهِمْ بِحَدِّهَا، فَإِذَا رَأَى قَتْلَ وَاحِدٍ لِيَنْزَجِرَ الْبَاقُونَ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ حَلَقَ فِيهَا عُمَرُ رضي الله عنه وَغَرَّبَ، وَهَذَا مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَئِمَّةِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.