الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَرْأَةِ تُقِيمُ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى طَلَاقِ زَوْجِهَا وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ]
ذَكَرَ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زهير بن محمد، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ زَوْجِهَا، فَجَاءَتْ عَلَى ذَلِكَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَدْلٍ، اسْتُحْلِفَ زَوْجُهَا، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَتْ عَنْهُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ، وَإِنْ نَكَلَ فَنُكُولُهُ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ آخَرَ، وَجَازَ طَلَاقُهُ» ) فَتَضَمَّنَ هَذَا الْحُكْمُ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا مَعَ يَمِينِ الْمَرْأَةِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً، لَا يَقَعُ فِي حَدٍّ، وَلَا نِكَاحٍ، وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا إِعْتَاقٍ، وَلَا سَرِقَةٍ، وَلَا قَتْلٍ. وَقَدْ نَصَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا ادَّعَى أَنَّ سَيَّدَهُ أَعْتَقَهُ، وَأَتَى بِشَاهِدٍ، حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَصَارَ حُرًّا، وَاخْتَارَهُ الخرقي، وَنَصَّ أحمد فِي شَرِيكَيْنِ، فِي عَبْدٍ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ حَقَّهُ مِنْهُ، وَكَانَا مُعْسِرَيْنِ عَدْلَيْنِ، فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَصِيرَ حُرًّا، وَيَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَيَصِيرَ نِصْفُهُ حُرًّا، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ عَنْهُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ.
وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَنُكُولِ الزَّوْجِ، وَهُوَ الصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّهِ، لَا يُعْرَفُ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، إِلَّا مَنِ احْتَجَّ بِهِ، وَبَنَى عَلَيْهِ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وزهير بن محمد الرَّاوِي عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ثِقَةٌ مُحْتَجٌّ بِهِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وعمرو بن أبي سلمة، هو أبو حفص التنيسي، مُحْتَجٌّ بِهِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا، فَمَنِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ. فَهَذَا مِنْ أَصَحِّ حَدِيثِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ الزَّوْجَ يُسْتَحْلَفُ فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ إِذَا لَمْ تُقِمِ الْمَرْأَةُ بِهِ بَيِّنَةً، لَكِنْ إِنَّمَا اسْتَحْلَفَهُ مَعَ قُوَّةِ جَانِبِ الدَّعْوَى بِالشَّاهِدِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْكَمُ فِي الطَّلَاقِ بِشَاهِدٍ وَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَحْكُمُ بِوُقُوعِهِ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ مِنْ غَيْرِ شَاهِدٍ، فَإِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا الطَّلَاقَ، وَأَحْلَفْنَاهُ لَهَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَنَكَلَ، قُضِيَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَحْلِفِ الزَّوْجُ عَلَى عَدَمِ دَعْوَاهَا، فَالْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَقْوَى.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الزَّوْجِ بِالنُّكُولِ، إِلَّا إِذَا أَقَامَتِ الْمَرْأَةُ شَاهِدًا وَاحِدًا، كَمَا هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا مَعَ نُكُولِهِ، لَكِنْ مَنْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ يَقُولُ: النُّكُولُ إِمَّا إِقْرَارٌ وَإِمَّا بَيِّنَةٌ، وَكِلَاهُمَا يُحْكَمُ بِهِ، وَلَكِنْ يَنْتَقِضُ هَذَا عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فِي دَعْوَى الْقِصَاصِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ النُّكُولَ بَدَلٌ اسْتُغْنِيَ بِهِ، فِيمَا يُبَاحُ بِالْبَدَلِ، وَهُوَ الْأَمْوَالُ وَحُقُوقُهَا دُونَ النِّكَاحِ وَتَوَابِعُهُ.
الرَّابِعُ: أَنَّ النُّكُولَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ، فَلَمَّا أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا، وَهُوَ شَطْرُ الْبَيِّنَةِ، كَانَ النُّكُولُ قَائِمًا مَقَامَ تَمَامِهَا.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَذَاهِبَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ فِي " تَفْرِيعِهِ ": وَإِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ الطَّلَاقَ عَلَى زَوْجِهَا، لَمْ يُحَلَّفْ بِدَعْوَاهَا، فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدًا وَاحِدًا لَمْ تُحَلَّفْ مَعَ شَاهِدِهَا، وَلَمْ يَثْبُتِ الطَّلَاقُ عَلَى زَوْجِهَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَا يُعْلَمُ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. قَالَ: وَلَكِنْ يَحْلِفُ لَهَا زَوْجُهَا، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْ دَعْوَاهَا.
قُلْتُ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَحْلِفُ لِدَعْوَاهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، ومالك، وأبي