الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الطَّلَاقِ 4] ثُمَّ رُوِيَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] يَعْنِي الْآيِسَةَ الْعَجُوزَ الَّتِي لَا تَحِيضُ، أَوِ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَعَدَتْ عَنِ الْحَيْضَةِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنَ الْقُرُوءِ فِي شَيْءٍ) .
وَفِي قَوْلِهِ: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] فِي الْآيَةِ يَعْنِي إِنْ شَكَكْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَعَنْ مجاهد: إِنِ ارْتَبْتُمْ لَمْ تَعْلَمُوا عِدَّةَ الَّتِي قَعَدَتْ عَنِ الْحَيْضِ، أَوِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] . فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] يَعْنِي: إِنْ سَأَلْتُمْ عَنْ حُكْمِهِنَّ وَلَمْ تَعْلَمُوا حُكْمَهُنَّ وَشَكَكْتُمْ فِيهِ، فَقَدْ بَيَّنَّاهُ لَكُمْ فَهُوَ بَيَانٌ لِنِعْمَتِهِ عَلَى مَنْ طَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِيَزُولَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ بِخِلَافِ الْمُعْرِضِ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ. وَأَيْضًا، فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَسْتَوِينَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ، بَلْ مِنْهُنَّ مَنْ تَحِيضُ لِعَشْرٍ، أَوِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِينَ فِي آخِرِ سِنِّ الْحَيْضِ الَّذِي هُوَ سِنُّ الْيَأْسِ، وَالْوُجُودُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ تَنَازَعُوا فِيمَنْ بَلَغَتْ وَلَمْ تَحِضْ هَلْ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ بِالْحَوْلِ كَالَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد.
قُلْتُ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَجْعَلُوا لِلصِّغَرِ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا حَدًّا، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْكِبَرِ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِدَادِ بِالشُّهُورِ حَدٌّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
[فصل عِدَّةُ الوفاة]
فَصْلٌ
وَأَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَتَجِبُ بِالْمَوْتِ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلِ اتِّفَاقًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ عُمُومُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ يَسْتَقِرُّ إِذَا كَانَ مُسَمًّى؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ انْتِهَاءَ الْعَقْدِ اسْتَقَرَّتْ بِهِ الْأَحْكَامُ فَتَوَارَثَا وَاسْتَقَرَّ الْمَهْرُ وَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَأَوْجَبَهُ أحمد وأبو حنيفة، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَلَمْ يُوجِبْهُ مالك، وَالشَّافِعِيُّ
فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَقَضَى بِوُجُوبِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ مِنْ حَدِيثِ بروع بنت واشق وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَلَوْ لَمْ تَرِدْ بِهِ السُّنَّةُ لَكَانَ هُوَ مَحْضَ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ أُجْرِيَ مَجْرَى الدُّخُولِ فِي تَقْرِيرِ الْمُسَمَّى وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَلْ يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الرَّبِيبَةِ بِمَوْتِ الْأُمِّ كَمَا يَثْبُتُ بِالدُّخُولِ بِهَا؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلصَّحَابَةِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعِدَّةَ فِيهِ لَيْسَتْ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ.
وَقَدِ اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي حِكْمَةِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَغَيْرِهَا فَقِيلَ: هِيَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَأُورِدَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ.
مِنْهَا: وُجُوبُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْوَفَاةِ وَمِنْهَا: أَنَّهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ وَبَرَاءَةُ الرَّحِمِ يَكْفِي فِيهَا حَيْضَةٌ كَمَا فِي الْمُسْتَبْرَأَةِ وَمِنْهَا: وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي حَقِّ مَنْ يُقْطَعُ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا لِصِغَرِهَا، أَوْ كِبَرِهَا.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ هُوَ تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ حُكْمٌ إِلَّا وَلَهُ حِكْمَةٌ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ.
الثَّانِي: أَنَّ الْعِدَدَ لَيْسَتْ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ بَلْ فِيهَا مِنَ الْمَصَالِحِ رِعَايَةُ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالنَّاكِحِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ أَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَهِيَ حَرَمٌ لِانْقِضَاءِ النِّكَاحِ وَرِعَايَةً لِحَقِّ الزَّوْجِ، وَلِهَذَا تُحِدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ رِعَايَةً لِحَقِّ الزَّوْجِ فَجُعِلَتِ الْعِدَّةُ حَرِيمًا لِحَقِّ هَذَا الْعَقْدِ الَّذِي لَهُ خَطَرٌ وَشَأْنٌ فَيَحْصُلُ بِهَذِهِ فَصْلٌ بَيْنَ نِكَاحِ الْأَوَّلِ وَنِكَاحِ الثَّانِي، وَلَا يَتَّصِلُ النَّاكِحَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا