الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَدِهَا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَقَدْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ بَهْتَهَا بِهَذِهِ الْفِرْيَةِ الْعَظِيمَةِ، وَإِحْرَاقَ قَلْبِهَا بِهَا، وَالْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فَقَدْ أَكْذَبَتْهُ عَلَى رُءُوسٍ الْأَشْهَادِ وَأَوْجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللَّهِ. وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَقَدْ أَفْسَدَتْ فِرَاشَهُ وَخَانَتْهُ فِي نَفْسِهَا، وَأَلْزَمَتْهُ الْعَارَ وَالْفَضِيحَةَ، وَأَحْوَجَتْهُ إِلَى هَذَا الْمَقَامِ الْمُخْزِي، فَحَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مِنَ النُّفْرَةِ وَالْوَحْشَةِ وَسُوءِ الظَّنِّ مَا لَا يَكَادُ يَلْتَئِمُ مَعَهُ شَمْلُهُمَا أَبَدًا، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ مَنْ شَرْعُهُ كُلُّهُ حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَعَدْلٌ وَرَحْمَةٌ تَحَتُّمَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا وَقَطْعَ الصُّحْبَةِ الْمُتَمَحِّضَةِ مَفْسَدَةً.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ كَاذِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى إِمْسَاكِهَا مَعَ مَا صَنَعَ مِنَ الْقَبِيحِ إِلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهَا وَيَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ زَوْجَ بَغِيٍّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا، هَلْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ؟
قُلْنَا: لَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ، فَحُرِّمَتْ عَلَى مُشْتَرِيهَا كَالرِّضَاعِ، وَلِأَنَّ الْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا إِذَا اشْتَرَى مُطَلَّقَتَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ قَبْلَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، فَهَاهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ مُؤَبَّدٌ، وَتَحْرِيمُ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ.
[فصل لَا يَسْقُطُ صَدَاقُ الْمُلَاعَنَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ]
فَصْلٌ
الْحُكْمُ الرَّابِعُ: أَنَّهَا لَا يَسْقُطُ صَدَاقُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدِ اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا عِوَضَ الصَّدَاقِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَوْلَى وَأَحْرَى.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ وَقَعَ اللِّعَانُ قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ تَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ أَوْ تَقُولُونَ يَسْقُطُ جُمْلَةً؟
قِيلَ: فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد مَأْخَذُهُمَا: أَنَّ الْفُرْقَةَ إِذَا كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ كَلِعَانِهِمَا، أَوْ مِنْهُمَا وَمِنْ أَجْنَبِيٍّ كَشِرَائِهَا لِزَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ يَسْقُطُ الصَّدَاقُ تَغْلِيبًا لِجَانِبِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَقِلَّةً بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ، أَوْ
نِصْفُهُ تَغْلِيبًا لِجَانِبِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُشَارِكُ فِي سَبَبِ الْإِسْقَاطِ، وَالسَّيِّدُ الَّذِي بَاعَهُ مُتَسَبِّبٌ إِلَى إِسْقَاطِهِ بِبَيْعِهِ إِيَّاهَا؟ فَهَذَا الْأَصْلُ فِيهِ قَوْلَانِ. وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ نَصَّفَتِ الصَّدَاقَ كَطَلَاقِهِ، إِلَّا فَسْخَهُ لِعَيْبِهَا، أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ شَرَطَهُ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي فَسَخَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ مِنْهَا، وَهِيَ الْحَامِلَةُ لَهُ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَتِ الْفُرْقَةُ بِإِسْلَامِهِ فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ أَوْ تُنَصِّفُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَوَجْهُ إِسْقَاطِهِ أَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَهِيَ الْمُمْتَنِعَةُ مَنْ فِعْلِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا، فَهِيَ الْمُتَسَبِّبَةُ إِلَى إِسْقَاطِ صَدَاقِهَا بِامْتِنَاعِهَا مِنَ الْإِسْلَامِ، وَوَجْهُ التَّنْصِيفِ أَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ مِنْ جِهَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي الْخُلْعِ هَلْ يُنَصِّفُهُ أَوْ يُسْقِطُهُ؟ . قِيلَ: إِنْ قُلْنَا: هُوَ طَلَاقٌ نَصَّفَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: كَذَلِكَ تَغْلِيبًا لِجَانِبِهِ. وَالثَّانِي: يُسْقِطُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِسَبَبِ الْفَسْخِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ نَصَّفَهُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ كَانَتِ الْفُرْقَةُ بِشِرَائِهِ لِزَوْجَتِهِ مِنْ سَيِّدِهَا: هَلْ يُسْقِطُهُ أَوْ يُنَصِّفُهُ؟
قِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُسْقِطُهُ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ مَهْرِهَا تَسَبَّبَ إِلَى إِسْقَاطِهِ بِبَيْعِهَا. وَالثَّانِي: يُنَصِّفُهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ تَسَبَّبَ إِلَيْهِ بِالشِّرَاءِ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مَنْ قِبَلِهَا كَرِدَّتِهَا وَإِرْضَاعِهَا مَنْ يَفْسَخُ إِرْضَاعُهُ نِكَاحَهَا، وَفَسْخِهَا لِإِعْسَارِهِ أَوْ عَيْبِهِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ مَهْرَهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا فَسَخَتْ لِعَيْبٍ فِي الزَّوْجِ سَقَطَ مَهْرُهَا، إِذِ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا، وَقُلْتُمْ: إِنَّ الزَّوْجَ إِذَا فَسَخَ لِعَيْبٍ فِي الْمَرْأَةِ سَقَطَ أَيْضًا، وَلَمْ تَجْعَلُوا الْفَسْخَ مِنْ جِهَتِهِ فَتُنَصِّفُوهُ كَمَا جَعَلْتُمُوهُ لِفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ مِنْ جِهَتِهَا فَأَسْقَطْتُمُوهُ، فَمَا الْفَرْقُ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إِنَّمَا بَذَلَ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ بُضْعٍ
سَلِيمٍ مِنَ الْعُيُوبِ، فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذَلِكَ وَفَسَخَ، عَادَ إِلَيْهَا كَمَا خَرَجَ مِنْهَا، وَلَمْ يَسْتَوْفِهِ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنَ الصَّدَاقِ، كَمَا أَنَّهَا إِذَا فَسَخَتْ لِعَيْبِهِ لَمْ تُسَلِّمْ إِلَيْهِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، فَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الصَّدَاقِ.
فَصْلٌ الْحُكْمُ الْخَامِسُ: أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا سُكْنَى، كَمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِحُكْمِهِ فِي الْمَبْتُوتَةِ الَّتِي لَا رَجْعَةَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ لَا مُخَالِفٌ لَهُ، بَلْ سُقُوطُ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى لِلْمُلَاعَنَةِ أَوْلَى مِنْ سُقُوطِهَا لِلْمَبْتُوتَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَهَذِهِ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى نِكَاحِهَا لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا، فَلَا وَجْهَ أَصْلًا لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا وَسُكْنَاهَا، وَقَدِ انْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ انْقِطَاعًا كُلِّيًّا.
فَأَقْضِيَتُهُ صلى الله عليه وسلم يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَكُلُّهَا تُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ، وَالْمِيزَانَ الَّذِي أَنْزَلَهُ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، كَمَا سَتَقَرُّ عَيْنُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ عَنْ قَرِيبٍ.
وَقَالَ مالك وَالشَّافِعِيُّ: لَهَا السُّكْنَى. وَأَنْكَرَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْقَوْلَ إِنْكَارًا شَدِيدًا.
وَقَوْلُهُ: " مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا " لَا يَدُلُّ مَفْهُومُهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُطَلَّقَةٍ وَمُتَوَفًّى عَنْهَا لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ الْفُرْقَتَيْنِ قَدْ يَجِبُ مَعَهُمَا نَفَقَةٌ وَسُكْنَى، وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَامِلًا فَلَهَا ذَلِكَ فِي فُرْقَةِ الطَّلَاقِ اتِّفَاقًا، وَفِي فُرْقَةِ الْمَوْتِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى، كَمَا لَوْ كَانَ حَائِلًا، وَهَذَا مَذْهَبُ أبي حنيفة وأحمد فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، لِزَوَالِ سَبَبِ النَّفَقَةِ بِالْمَوْتِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا نَفَقَةُ قَرِيبٍ، فَهِيَ فِي مَالِ الطِّفْلِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ.