الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَذَلِكَ فَغَيْرُ جَائِزٍ رَدُّ حُكْمِ إِحْدَاهُمَا إِلَى حُكْمِ الْأُخْرَى، إِذِ الْقِيَاسُ إِنَّمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَأَمَّا مَا فِيهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا حَظَّ فِيهِ لِلْقِيَاسِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: زَعَمْتَ أَنَّكَ إِنَّمَا أَبْطَلْتَ حَقَّ الْأُمِّ مِنَ الْحَضَانَةِ إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَ أَبِي الطِّفْلِ، وَجَعَلْتَ الْأَبَ أَوْلَى بِحَضَانَتِهَا مِنْهَا بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كَمَا قُلْتَ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانَ يَقُولُ: الْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ، وَقَضَى بِذَلِكَ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ.
قِيلَ: إِنَّ النَّقْلَ الْمُسْتَفِيضَ الَّذِي تَلْزَمُ بِهِ الْحُجَّةُ فِي الدِّينِ عِنْدَنَا لَيْسَ صِفَتَهُ أَلَّا يَكُونَ لَهُ مُخَالِفٌ، وَلَكِنَّ صِفَتَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ قَوْلًا وَعَمَلًا مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ مَنْ يَنْتَفِي عَنْهُ أَسْبَابُ الْكَذِبِ وَالْخَطَأِ، وَقَدْ نَقَلَ مَنْ صِفَتُهُ ذَلِكَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا نَكَحَتْ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا زَوْجًا غَيْرَهُ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى بِحَضَانَةِ ابْنَتِهَا مِنْهَا، فَكَانَ ذَلِكَ حُجَّةً لَازِمَةً غَيْرُ جَائِزٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا بِالرَّأْيِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ فِي قَوْلِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
[ذِكْرُ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ مَقْبُولٍ وَمَرْدُودٍ]
فَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ فِيهِ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ قَرَابَةَ الطِّفْلِ مِنْ قِبَلِ أُمَّهَاتِهِ مِنَ النِّسَاءِ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ مِنْ عَصَبَاتِهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ أَزْوَاجٍ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ الْبَتَّةَ، بَلْ أَحَدُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:( «وَأَمَّا الِابْنَةُ فَإِنِّي أَقْضِي بِهَا لجعفر» )، وَأَمَّا اللَّفْظُ الْآخَرُ:( «فَقَضَى بِهَا لِخَالَتِهَا وَقَالَ: هِيَ أُمٌّ» ) وَهُوَ اللَّفْظُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أبو جعفر، فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ مُطْلَقًا أَحَقُّ مِنْ قَرَابَةِ الْأَبِ، بَلْ إِقْرَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عليا وجعفرا عَلَى دَعْوَى الْحَضَانَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِقَرَابَةِ الْأَبِ مَدْخَلًا فِيهَا، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْخَالَةَ لِكَوْنِهَا أُنْثَى مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، فَتَقْدِيمُهَا عَلَى قَرَابَةِ الْأَبِ كَتَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظٌ عَامٌّ يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، لَا مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنَ الْعَصَبَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ
حَتَّى تَكُونَ بِنْتُ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ أَحَقَّ مِنَ الْعَمِّ، وَبِنْتُ الْخَالَةِ أَحَقَّ مِنَ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، فَأَيْنَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى هَذَا فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ وَاضِحَةً.
قَوْلُهُ: وَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا حَقَّ لِعَصَبَةِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فِي حَضَانَتِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الِاخْتِيَارِ، يَعْنِي: فَيُخَيَّرُ بَيْنَ قَرَابَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَيُقَالُ: لَيْسَ ذَلِكَ مَعْلُومًا مِنَ الْحَدِيثِ وَلَا مَظْنُونًا، وَإِنَّمَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ الْمُزَوَّجَ بِالْخَالَةِ أَوْلَى مِنَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ تَحْتَهُ خَالَةُ الطِّفْلِ، وَيَبْقَى تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ: هَلْ كَانَتْ جِهَةُ التَّعْصِيبِ مُقْتَضِيَةً لِلْحَضَانَةِ فَاسْتَوَتْ فِي شَخْصَيْنِ؟ فَرُجِّحَ أَحَدُهُمَا بِكَوْنِ خَالَةِ الطِّفْلِ عِنْدَهُ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، كَمَا فَهِمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، أَوْ أَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ وَهِيَ الْخَالَةُ أَوْلَى بِحَضَانَةِ الطِّفْلِ مِنْ عَصَبَةِ الْأَبِ، وَلَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا بِالتَّزْوِيجِ إِمَّا لِكَوْنِ الزَّوْجِ لَا يُسْقِطُ الْحَضَانَةَ مُطْلَقًا، كَقَوْلِ الحسن وَمَنْ وَافَقَهُ، وَإِمَّا لِكَوْنِ الْمَحْضُونَةِ بِنْتًا كَمَا قَالَهُ أحمد فِي رِوَايَةٍ، وَإِمَّا لِكَوْنِ الزَّوْجِ قَرَابَةَ الطِّفْلِ كَالْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ أحمد، وَإِمَّا لِكَوْنِ الْحَاضِنَةِ غَيْرِ أُمٍّ نَازَعَهَا الْأَبُ، كَمَا قَالَهُ أبو جعفر، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ مَدَارِكَ، وَلَكِنَّ الْمَدْرَكَ الَّذِي اخْتَارَهُ أبو جعفر ضَعِيفٌ جِدًّا، فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَسْقَطَ حَضَانَةَ الْأُمِّ بِتَزْوِيجِهَا هُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ نِسَاءِ الْحَضَانَةِ، وَالْخَالَةُ غَايَتُهَا أَنْ تَقُومَ مَقَامَ الْأُمِّ، وَتُشَبَّهُ بِهَا، فَلَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحْكُمْ حُكْمًا عَامًّا أَنَّ سَائِرَ أَقَارِبِ الْأُمِّ مَنْ كُنَّ لَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهُنَّ بِالتَّزْوِيجِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ حُكْمًا مُعَيَّنًا لِخَالَةِ ابْنَةِ حمزة بِالْحَضَانَةِ مَعَ كَوْنِهَا مُزَوَّجَةً بِقَرِيبٍ مِنَ الطِّفْلِ، وَالطِّفْلُ ابْنَةٌ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ إِلَى آخِرِهِ، فَيُرِيدُ بِهِ الْإِجْمَاعَ الَّذِي لَا يَنْقُضُهُ عِنْدَهُ مُخَالَفَةُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَهَذَا أَصْلٌ تَفَرَّدَ بِهِ، وَنَازَعَهُ فِيهِ النَّاسُ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِأَنَّهُ وَاهٍ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ طَرِيقِهِ، فَإِنَّ فِيهِ المثنى بن الصباح، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ مَتْرُوكٌ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ