الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْهُ، وَالْآثَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ حُجَّةً فِي تَخْيِيرِ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ كَوْنَ الطِّفْلِ ذَكَرًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ، بَلْ هِيَ كَالذَّكَرِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:( «مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ» ) . وَفِي قَوْلِهِ: ( «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ» ) بَلْ حَدِيثُ الْحَضَانَةِ أَوْلَى بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصَّبِيِّ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ، إِنَّمَا الصَّحَابِيُّ حَكَى الْقِصَّةَ، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي صَبِيٍّ، فَإِذَا نُقِّحَ الْمَنَاطُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ ذَكَرًا.
[رَدُّ الْحَنَابِلَةِ عَلَى مَنْ أَجَازَ التَّخْيِيرَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى]
قَالَتِ الْحَنَابِلَةُ: الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ، أَحَدُهُمَا: اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ رافع، وَالثَّانِي: إِلْغَاؤُكُمْ وَصْفَ الذُّكُورِيَّةِ فِي أَحَادِيثِ التَّخْيِيرِ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَالْحَدِيثُ قَدْ ضَعَّفَهُ ابن المنذر وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَالثَّوْرِيُّ عبد الحميد بن جعفر، وَأَيْضًا فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُخَيَّرَ كَانَ بِنْتًا، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ ابْنًا. فَقَالَ عبد الرزاق: أَخْبَرَنَا سفيان، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتَّيِّ، عَنْ عبد الحميد بن سلمة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ( «أَنَّ أَبَوَيْهِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ كَافِرٌ، فَتَوَجَّهَ إِلَى الْكَافِرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ اهْدِهِ " فَتَوَجَّهَ إِلَى الْمُسْلِمِ فَقَضَى لَهُ بِهِ» ) .
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا أَصَحُّ. قَالُوا: وَلَوْ سُلِّمَ لَكُمْ أَنَّهُ كَانَ أُنْثَى فَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ مُسْلِمًا،
وَالْآخَرُ كَافِرًا، فَكَيْفَ تَحْتَجُّونَ بِمَا لَا تَقُولُونَ بِهِ.
فَلَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ، فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الطِّفْلَ كَانَ فَطِيمًا، وَهَذَا قَطْعًا دُونَ السَّبْعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ دُونَ الْخَمْسِ، وَأَنْتُمْ لَا تُخَيِّرُونَ مَنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُكُمُ الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ رافع هَذَا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
فَبَقِيَ الْمَقَامُ الثَّانِي، وَهُوَ إِلْغَاءُ وَصْفِ الذُّكُورَةِ فِي أَحَادِيثِ التَّخْيِيرِ وَغَيْرِهَا، فَنَقُولُ: لَا رَيْبَ أَنَّ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يَكْفِي فِيهَا وَصْفُ الذُّكُورَةِ، أَوْ وَصْفُ الْأُنُوثَةِ قَطْعًا، وَمِنْهَا مَا لَا يَكْفِي فِيهِ، بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ إِمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا، فَيُلْغَى الْوَصْفُ فِي كُلِّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالنَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ، وَيُعْتَبَرُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِيهِ، كَالشَّهَادَةِ وَالْمِيرَاثِ، وَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ، وَيُعْتَبَرُ وَصْفُ الْأُنُوثَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَخْتَصُّ بِالْإِنَاثِ أَوْ يُقَدَّمْنَ فِيهِ عَلَى الذُّكُورِ، كَالْحَضَانَةِ، إِذَا اسْتَوَى فِي الدَّرَجَةِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى قُدِّمَتِ الْأُنْثَى.
بَقِيَ النَّظَرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ شَأْنِ التَّخْيِيرِ، هَلْ لِوَصْفِ الذُّكُورَةِ تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ فَيُلْحَقُ بِالْقِسْمِ الَّذِي تُعْتَبَرُ فِيهِ، أَوْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فَيُلْحَقُ بِالْقِسْمِ الَّذِي يُلْغَى فِيهِ؟ وَلَا سَبِيلَ إِلَى جَعْلِهَا مِنَ الْقِسْمِ الْمُلْغَى فِيهِ وَصْفُ الذُّكُورَةِ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ هَاهُنَا تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ، لَا تَخْيِيرُ رَأْيٍ وَمَصْلَحَةٍ؛ وَلِهَذَا إِذَا اخْتَارَ غَيْرَ مَنِ اخْتَارَهُ أَوَّلًا نُقِلَ إِلَيْهِ، فَلَوْ خُيِّرَتِ الْبِنْتُ أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ الْأَبِ تَارَةً، وَعِنْدَ الْأُمِّ أُخْرَى، فَإِنَّهَا كُلَّمَا شَاءَتِ الِانْتِقَالَ أُجِيبَتْ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ عَكْسُ مَا شُرِعَ لِلْإِنَاثِ مِنْ لُزُومِ الْبُيُوتِ، وَعَدَمِ الْبُرُوزِ، وَلُزُومِ الْخُدُورِ وَرَاءَ الْأَسْتَارِ، فَلَا يَلِيقُ بِهَا أَنْ تُمَكَّنَ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ مُعْتَبَرًا قَدْ شَهِدَ لَهُ الشَّرْعُ بِالِاعْتِبَارِ لَمْ يُمْكِنْ إِلْغَاؤُهُ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى أَلَّا يَبْقَى الْأَبُ مُوَكَّلًا بِحِفْظِهَا، وَلَا الْأُمُّ لِتَنَقُّلِهَا بَيْنَهُمَا، وَقَدْ عُرِفَ بِالْعَادَةِ أَنَّ مَا يَتَنَاوَبُ النَّاسُ عَلَى حِفْظِهِ وَيَتَوَاكَلُونَ فِيهِ فَهُوَ آيِلٌ إِلَى ضَيَاعٍ، وَمِنَ الْأَمْثَالِ السَّائِرَةِ " لَا يَصْلُحُ الْقِدْرُ بَيْنَ طَبَّاخَيْنِ ".