الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَيَاضَ لَيْسَ بِمُزَيِّنٍ، وَكَذَلِكَ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَكُلُّ مَا يُنْسَجُ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صَبْغٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صَبْغٍ لَمْ يُرَدْ بِهِ تَزْيِينُ الثَّوْبِ مِثْلَ السَّوَادِ وَمَا صُبِغَ لِتَقْبِيحِهِ، أَوْ لِنَفْيِ الْوَسَخِ عَنْهُ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ زِينَةٍ، أَوْ وَشْيٍ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا تَلْبَسُهُ الْحَادَّةُ وَذَلِكَ لِكُلِّ حُرَّةٍ، أَوْ أَمَةٍ كَبِيرَةٍ، أَوْ صَغِيرَةٍ مُسْلِمَةٍ، أَوْ ذِمِّيَّةٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ أبو عمر: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي هَذَا الْبَابِ نَحْوُ قَوْلِ مالك، وَقَالَ أبو حنيفة: لَا تَلْبَسُ ثَوْبَ عَصَبٍ، وَلَا خَزٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَصْبُوغًا إِذَا أَرَادَتْ بِهِ الزِّينَةَ، وَإِنْ لَمْ تُرِدْ بِلُبْسِ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ الزِّينَةَ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَهُ.
وَإِذَا اشْتَكَتْ عَيْنَهَا اكْتَحَلَتْ بِالْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَشْتَكِ عَيْنَهَا لَمْ تَكْتَحِلْ.
[فَصْلٌ لَا تَتَزَيَّنُ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا تَتَطَيَّبُ بِشَيْءٍ مِنَ الطِّيبِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أبي طالب: وَلَا تَتَزَيَّنُ الْمُعْتَدَّةُ، وَلَا تَتَطَيَّبُ بِشَيْءٍ مِنَ الطِّيبِ، وَلَا تَكْتَحِلُ بِكُحْلِ زِينَةٍ وَتَدِّهِنُ بِدُهْنٍ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، وَلَا تَقْرَبُ مِسْكًا، وَلَا زَعْفَرَانًا لِلطِّيبِ، وَالْمُطَلَّقَةُ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ تَتَزَيَّنُ وَتَتَشَوَّفُ لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا.، وَقَالَ أبو داود فِي " مَسَائِلِهِ ": سَأَلْتُ أحمد قَالَ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُحْرِمَةُ يَجْتَنِبْنَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ.
وَقَالَ حرب فِي " مَسَائِلِهِ ": سَأَلْتُ أحمد رحمه الله قُلْتُ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُطَلَّقَةُ هَلْ تَلْبَسَانِ الْبُرُدَ لَيْسَ بِحَرِيرٍ؟ فَقَالَ: لَا تَتَطَيَّبُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَا تَتَزَيَّنُ بِزِينَةٍ وَشَدَّدَ فِي الطِّيبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا عِنْدَ طُهْرِهَا.
ثُمَّ قَالَ: وَشُبِّهَتِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بِالْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، ثُمَّ سَاقَ حرب بِإِسْنَادِهِ إِلَى أم سلمة قَالَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا
تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَتَطَيَّبُ، وَلَا تَمْتَشِطُ بِطِيبٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي " مَسَائِلِهِ ": سَأَلْتُ أبا عبد الله، عَنِ الْمَرْأَةِ تَنْتَقِبُ فِي عِدَّتِهَا، أَوْ تَدَّهِنُ فِي عِدَّتِهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ.
وَقَالَ أبو عبد الله: كُلُّ دُهْنٍ فِيهِ طِيبٌ فَلَا تُدْهِنُ بِهِ، فَقَدْ دَارَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ، وأبي حنيفة رحمهم الله عَلَى أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ مِنَ الثِّيَابِ مَا كَانَ مِنْ لِبَاسِ الزِّينَةِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَطْعًا، فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مُنِعَتْ مِنَ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُمَشَّقِ لِأَجْلِهِ مَفْهُومٌ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَصَّهُ بِالذِّكْرِ مَعَ الْمَصْبُوغِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا هُوَ مِثْلُهُ وَأَوْلَى بِالْمَنْعِ، فَإِذَا كَانَ الْأَبْيَضُ وَالْبُرُودُ الْمُحَبَّرَةُ الرَّفِيعَةُ الْغَالِيَةُ الْأَثْمَانِ مِمَّا يُرَادُ لِلزِّينَةِ لِارْتِفَاعِهِمَا وَتَنَاهِي جَوْدَتِهِمَا كَانَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ.
وَكُلُّ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَسْتَرِبْ فِي ذَلِكَ لَا كَمَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: إِنَّهَا تَجْتَنِبُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فَقَطْ وَمُبَاحٌ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ حَرِيرٍ أَبْيَضَ وَأَصْفَرَ مِنْ لَوْنِهِ الَّذِي لَمْ يُصْبَغْ، وَصُوفِ الْبَحْرِ الَّذِي هُوَ لَوْنُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَمُبَاحٌ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْمَنْسُوجَ بِالذَّهَبِ وَالْحُلِيِّ كُلِّهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوْهَرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَهِيَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ تَجْتَنِبُهَا فَقَطْ وَهِيَ الْكُحْلُ كُلُّهُ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهَا لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَتَجْتَنِبُ فَرْضًا كُلَّ ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ مِمَّا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ السَّوَادُ وَالْخُضْرَةُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إِلَّا الْعَصَبَ وَحْدَهُ وَهِيَ ثِيَابٌ مُوَشَّاةٌ تُعْمَلُ فِي الْيَمَنِ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهَا.
وَتَجْتَنِبُ أَيْضًا: فَرْضًا الْخِضَابَ كُلَّهُ جُمْلَةً، وَتَجْتَنِبُ الِامْتِشَاطَ حَاشَا التَّسْرِيحَ بِالْمُشْطِ فَقَطْ فَهُوَ حَلَالٌ لَهَا، وَتَجْتَنِبُ أَيْضًا فَرْضًا الطِّيبَ كُلَّهُ، وَلَا تَقْرَبُ شَيْئًا حَاشَا شَيْئًا مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ عِنْدَ طُهْرِهَا فَقَطْ، فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا حَكَيْنَا كَلَامَهُ فِيهَا بِنَصِّهِ.
وَلَيْسَ بِعَجِيبٍ مِنْهُ تَحْرِيمُ لُبْسِ ثَوْبٍ أَسْوَدَ عَلَيْهَا مِنَ الزِّينَةِ فِي شَيْءٍ، وَإِبَاحَةُ ثَوْبٍ يَتَّقِدُ ذَهَبًا وَلُؤْلُؤًا وَجَوْهَرًا، وَلَا تَحْرِيمُ الْمَصْبُوغِ الْغَلِيظِ لِحَمْلِ الْوَسَخِ،
وَإِبَاحَةُ الْحَرِيرِ الَّذِي يَأْخُذُ بِالْعُيُونِ حُسْنُهُ وَبَهَاؤُهُ وَرُوَاؤُهُ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا دِينُ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ.
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا إِقْدَامُهُ عَلَى خِلَافِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا عَنْ لِبَاسِ الْحُلِيِّ.
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَبَرَ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، فَلِلَّهِ مَا لَقِيَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، وَهُوَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَلَى إِخْرَاجِ حَدِيثِهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ وَفِيهِمُ الشَّيْخَانِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَشَهِدَ لَهُ الْأَئِمَّةُ بِالثِّقَةِ وَالصِّدْقِ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيهِ جَرْحٌ، وَلَا خَدْشٌ، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ قَطُّ تَعْلِيلُ حَدِيثٍ رَوَاهُ، وَلَا تَضْعِيفُهُ بِهِ.
وَقُرِئَ عَلَى شَيْخِنَا أبي الحجاج الحافظ فِي " التَّهْذِيبِ " وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: إبراهيم بن طهمان بن سعيد الخراساني أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ وُلِدَ بِهَرَاةَ وَسَكَنَ نَيْسَابُورَ وَقَدِمَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا، ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ حَتَّى مَاتَ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ عَمَّنْ رَوَى وَمَنْ رَوَى عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ نوح بن عمرو بن المروزي، عَنْ سفيان بن عبد الملك، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: صَحِيحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيهِ وأبي حاتم: ثِقَةٌ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ العجلي، وَقَالَ أبو حاتم: صَدُوقٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: كَانَ ثِقَةً فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الْأَئِمَّةُ يَشْتَهُونَ حَدِيثَهُ وَيَرْغَبُونَ فِيهِ وَيُوَثِّقُونَهُ.
وَقَالَ أبو داود: ثِقَةٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: كَانَ صَحِيحَ الْحَدِيثِ حَسَنَ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ السَّمَاعِ مَا كَانَ بِخُرَاسَانَ أَكْثَرَ حَدِيثًا مِنْهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ وَرَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ الْقَاضِي: كَانَ مِنْ أَنْبَلِ مَنْ حَدَّثَ بِخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَأَوْثَقِهِمْ وَأَوْسَعِهِمْ عِلْمًا.
وَقَالَ المسعودي: سَمِعْتُ مالك بن سليمان يَقُولُ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُخْلِفْ مِثْلَهُ.