الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَحْتَوِشُهَا الدَّمُ، وَإِلَّا فَالصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ لَا يُقَالُ لِزَمَنِ طُهْرِهِمَا أَقْرَاءٌ، وَلَا هُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ.
[الدَّلِيلُ الثَّانِي لِمَنْ حَمَلَ الْقُرْءَ عَلَى الْحَيْضِ]
الدَّلِيلُ الثَّانِي: أَنَّ لَفْظَ الْقُرْءِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ إِلَّا لِلْحَيْضِ، وَلَمْ يَجِئْ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ اسْتِعْمَالُهُ لِلطُّهْرِ، فَحَمْلُهُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْمَعْهُودِ الْمَعْرُوفِ مِنْ خِطَابِ الشَّارِعِ أَوْلَى، بَلْ مُتَعَيِّنٌ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ " «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ» " وَهُوَ صلى الله عليه وسلم الْمُعَبِّرُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِلُغَةِ قَوْمِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَإِذَا وَرَدَ الْمُشْتَرَكُ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ، وَجَبَ حَمْلُهُ فِي سَائِرِ كَلَامِهِ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ تَثْبُتْ إِرَادَةُ الْآخَرِ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ الْبَتَّةَ، وَيَصِيرُ هُوَ لُغَةَ الْقُرْآنِ الَّتِي خُوطِبْنَا بِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَعْنًى آخَرُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَيَصِيرُ هَذَا الْمَعْنَى الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ فِي تَخْصِيصِ الْمُشْتَرَكِ بِأَحَدِ مَعْنَيَيْهِ، كَمَا يُخَصُّ الْمُتَوَاطِئُ بِأَحَدِ أَفْرَادِهِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَغْلَبَ أَسْبَابِ الِاشْتِرَاكِ تَسْمِيَةُ أَحَدِ الْقَبِيلَتَيْنِ الشَّيْءَ بِاسْمٍ، وَتَسْمِيَةُ الْأُخْرَى بِذَلِكَ الِاسْمِ مُسَمًّى آخَرَ، ثُمَّ تَشِيعُ الِاسْتِعْمَالَاتُ، بَلْ قَالَ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ:
لَا يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ فِي اللُّغَةِ إِلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً، وَالْوَاضِعُ لَمْ يَضَعْ لَفْظًا مُشْتَرَكًا الْبَتَّةَ، فَإِذَا ثَبَتَ اسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ لَفْظَ الْقُرُوءِ فِي الْحِيَضِ، عُلِمَ أَنَّ هَذَا لُغَتُهُ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فِي كَلَامِهِ.
وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228][الْبَقَرَةِ: 228] وَهَذَا هُوَ الْحَيْضُ، وَالْحَمْلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ، وَالْمَخْلُوقُ فِي الرَّحِمِ إِنَّمَا هُوَ الْحَيْضُ الْوُجُودِيُّ، وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ: هُوَ الْحَمْلُ وَالْحَيْضُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَمْلُ، وَبَعْضُهُمْ: الْحَيْضُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ: إِنَّهُ الطُّهْرُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ مَنْ عُنِيَ بِجَمْعِ أَقْوَالِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، كَابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4][الطَّلَاقِ: 4] فَجَعَلَ كُلَّ شَهْرٍ بِإِزَاءِ حَيْضَةٍ، وَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْحَيْضِ لَا بِعَدَمِ الطُّهْرِ مِنَ الْحَيْضِ.
وَأَيْضًا فَحَدِيثُ عائشة رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» ، رَوَاهُ أبو داود، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مظاهر بن أسلم، وَمُظَاهِرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي لَفْظٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ:«طَلَاقُ الْعَبْدِ ثِنْتَانِ» ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «طَلَاقُ الْأَمَةِ اثْنَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ.» وَأَيْضًا: قَالَ ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ ": حَدَّثَنَا علي بن محمد، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سفيان، عَنْ منصور، عَنْ إبراهيم، عَنِ الأسود، عَنْ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: أُمِرَتْ بريرة أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ.
وَفِي " الْمُسْنَدِ ": عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ بريرة، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ.» وَقَدْ فُسِّرَ عِدَّةُ الْحُرَّةِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فِي حَدِيثِ عائشة رضي الله عنها. فَإِنْ قِيلَ: فَمَذْهَبُ عائشة رضي الله عنها أَنَّ الْأَقْرَاءَ: الْأَطْهَارُ؟ قِيلَ: لَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ حَدِيثٍ خَالَفَهُ رَاوِيهِ، فَأَخَذَ بِرِوَايَتِهِ دُونَ رَأْيِهِ، وَأَيْضًا فَفِي حَدِيثِ الربيع بنت معوذ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ لَمَّا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً، وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
وَفِي " سُنَنِ أبي داود " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ»
وَفِي الترمذي: «أَنَّ الربيع بنت معوذ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ.» قَالَ الترمذي: حَدِيثُ الربيع الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ. وَأَيْضًا، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ هُوَ عِدَّةُ الْأَمَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أبي سعيد:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَى تَحِيضَ حَيْضَةً» رَوَاهُ أحمد وأبو داود.
فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ بِالْحَيْضَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالطُّهْرِ الَّذِي هُوَ
قَبْلَ الْحَيْضَةِ، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: قَوْلُهُمْ: إِنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ حَيْضَةٌ بِإِجْمَاعٍ لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا، بَلْ جَائِزٌ لَهَا عِنْدَنَا أَنْ تَنْكِحَ إِذَا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ، وَاسْتَيْقَنَتْ أَنَّ دَمَهَا دَمُ حَيْضٍ، كَذَلِكَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ لِيَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ حِينَ أُدْخِلَ عَلَيْهِ فِي مُنَاظَرَتِهِ إِيَّاهُ.
قُلْنَا: هَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُوطَأُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ»
وَأَيْضًا فَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْعِدَّةِ إِنَّمَا هُوَ اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا فَوَائِدُ أُخَرُ، وَلِشَرَفِ الْحُرَّةِ الْمَنْكُوحَةِ وَخَطَرِهَا، جُعِلَ الْعَلَمُ الدَّالُّ عَلَى بَرَاءَةِ رَحِمِهَا ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ، فَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ: هُوَ الطُّهْرَ، لَمْ تَحْصُلْ بِالْقُرْءِ الْأَوَّلِ دَلَالَةٌ، فَإِنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا فِي الطُّهْرِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، ثُمَّ حَاضَتْ كَانَ ذَلِكَ قُرْءًا مَحْسُوبًا مِنَ الْأَقْرَاءِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ. وَمَعْلُومٌ: أَنَّ هَذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْحَيْضُ الْحَاصِلُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ، لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فَإِنَّمَا يُعْلَمُ هُنَا بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِالْحَيْضِ الْمَوْجُودِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَالْعِدَّةُ لَا تَكُونُ قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُهُ، وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ سَبَبَهُ، فَإِذَا كَانَ الطُّهْرُ الْمَوْجُودُ بَعْدَ الطَّلَاقِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ أَصْلًا، لَمْ يَجُزْ إِدْخَالُهُ فِي الْعِدَدِ الدَّالَّةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَكَانَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاهِدٍ غَيْرِ مَقْبُولٍ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ لَا شَهَادَةَ لَهُ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ فِي الْمَنْكُوحَاتِ، كَالِاسْتِبْرَاءِ فِي الْمَمْلُوكَاتِ.
وَقَدْ ثَبَتَ بِصَرِيحِ السُّنَّةِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ، فَكَذَلِكَ الْعِدَّةُ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِتَعَدُّدِ الْعِدَّةِ، وَالِاكْتِفَاءِ بِالِاسْتِبْرَاءِ بِقُرْءِ وَاحِدٍ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَهُمَا فِي حَقِيقَةِ الْقُرْءِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْقَدْرِ الْمُعْتَبَرِ مِنْهُمَا؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ: إِنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ يَكُونُ بِالْحَيْضِ، وَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، بِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقِّ الزَّوْجِ، فَاخْتُصَّتْ بِأَزْمَانِ حَقِّهِ، وَهِيَ أَزْمَانُ الطُّهْرِ، وَبِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ، فَتُعْلَمُ مَعَهَا الْبَرَاءَةُ بِتَوَسُّطِ
الْحَيْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجَرَّدُ الْبَرَاءَةِ، فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِحَيْضَةٍ. وَقَالَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: تُسْتَبْرَأُ بِطُهْرٍ طَرْدًا لِأَصْلِهِ فِي الْعِدَدِ، وَعَلَى هَذَا فَهَلْ تَحْتَسِبُ بِبَعْضِ الطُّهْرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِهِ، فَإِذَا احْتَسَبَتْ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ إِلَيْهِ. فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي، حَلَّتْ، وَإِنْ لَمْ تَحْتَسِبْ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ طُهْرٍ كَامِلٍ إِلَيْهِ، وَلَا تَحْتَسِبُ بِبَعْضِ الطُّهْرِ عِنْدَهُ قُرْءًا قَوْلًا وَاحِدًا.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ حَيْضَةٌ لَا طُهْرٌ، وَهَذَا الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ كَالْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، قَالُوا: بَلِ الِاعْتِدَادُ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ بِالْحَيْضِ أَوْلَى مِنَ الْأَمَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي حَقِّهَا ثَابِتٌ بِتَكْرِيرِ الْقُرْءِ ثَلَاثَ اسْتِبْرَاءَاتٍ، فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي حَقِّهَا بِالْحَيْضِ الَّذِي هُوَ أَحْوَطُ مِنَ الطُّهْرِ، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَسِبُ بِبَقِيَّةِ الْحَيْضَةِ قُرْءًا، وَتَحْتَسِبُ بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ قُرْءًا.
الثَّانِي: أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ فَرْعٌ عَلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَهِيَ الثَّابِتَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالِاسْتِبْرَاءُ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، فَإِذَا كَانَ قَدِ احْتَاطَ لَهُ الشَّارِعُ بِأَنْ جَعَلَهُ بِالْحَيْضِ، فَاسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ أَوْلَى، فَعِدَّةُ الْحُرَّةِ اسْتِبْرَاءٌ لَهَا، وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ عِدَّةٌ لَهَا.
وَأَيْضًا فَالْأَدِلَّةُ وَالْعَلَامَاتُ وَالْحُدُودُ وَالْغَايَاتُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ عَنْ غَيْرِهَا، وَالطُّهْرُ هُوَ الْأَمْرُ الْأَصْلِيُّ، وَلِهَذَا مَتَى كَانَ مُسْتَمِرًّا مُسْتَصْحَبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ يُفْرَدُ بِهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا الْأَمْرُ الْمُتَمَيِّزُ هُوَ الْحَيْضُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا حَاضَتْ تَغَيَّرَتْ أَحْكَامُهَا مِنْ بُلُوغِهَا، وَتَحْرِيمِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ.
ثُمَّ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَاغْتَسَلَتْ، فَلَمْ تَتَغَيَّرْ أَحْكَامُهَا بِتَجَدُّدِ الطُّهْرِ، لَكِنْ