الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علي وعمرو مَا رُوِيَ عَنْهُمَا، فَهِيَ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَالدَّلِيلُ هُوَ الْحَاكِمُ، وَلَيْسَ مَعَ مَنْ جَعَلَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إِلَّا التَّعَلُّقُ بِعُمُومِ الْمَعْنَى، إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ لَفْظٌ عَامٌّ، وَلَكِنَّ شَرْطَ عُمُومِ الْمَعْنَى تَسَاوِي الْأَفْرَادِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَ الْحُكْمُ لِأَجْلِهِ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْحَاقُ، وَالَّذِينَ أَلْحَقُوا أُمَّ الْوَلَدِ بِالزَّوْجَةِ رَأَوْا أَنَّ الشَّبَهَ الَّذِي بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ أَقْوَى مِنَ الشَّبَهِ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا بِالْمَوْتِ صَارَتْ حُرَّةً، فَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ مَعَ حُرِّيَّتِهَا، بِخِلَافِ الْأَمَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ عِدَّةُ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، مَوْجُودٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَهُوَ أَدْنَى الْأَوْقَاتِ الَّذِي يُتَيَقَّنُ فِيهَا خَلْقُ الْوَلَدِ، وَهَذَا لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالشَّرِيعَةُ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ، وَمُنَازِعُوهُمْ يَقُولُونَ: أُمُّ الْوَلَدِ أَحْكَامُهَا أَحْكَامُ الْإِمَاءِ، لَا أَحْكَامُ الزَّوْجَاتِ، وَلِهَذَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12][النِّسَاءِ: 12]، وَغَيْرِهَا. فَكَيْفَ تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234][الْبَقَرَةِ: 234] ؟ قَالُوا: وَالْعِدَّةُ لَمْ تُجْعَلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لِأَجْلِ مُجَرَّدِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يُتَيَقَّنُ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا وَتَجِبُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ فَهِيَ مِنْ حَرِيمِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَتَمَامِهِ.
وَأَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ، فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَهَذَا يَكْفِي فِيهِ حَيْضَةٌ، وَلِهَذَا لَمْ يُجْعَلِ اسْتِبْرَاؤُهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، كَمَا جُعِلَتْ عِدَّةُ الْحُرَّةِ كَذَلِكَ تَطْوِيلًا لِزَمَانِ الرَّجْعَةِ، وَنَظَرًا لِلزَّوْجِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودٌ فِي الْمُسْتَبْرَأَةِ، فَلَا نَصَّ يَقْتَضِي إِلْحَاقَهَا بِالزَّوْجَاتِ وَلَا مَعْنَى، فَأَوْلَى الْأُمُورِ بِهَا أَنْ يُشْرَعَ لَهَا مَا شَرَعَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْمَسْبِيَّاتِ وَالْمَمْلُوكَاتِ، وَلَا تَتَعَدَّاهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فصل لَا يَحْصُلُ اسْتِبْرَاءُ الْمَسْبِيَّةِ بِطُهْرٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَيْضَةٍ]
فَصْلٌ
الْحُكْمُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِطُهْرٍ الْبَتَّةَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَيْضَةٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَ أَصْحَابُ مالك، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ:
يَحْصُلُ بِطُهْرِ كَامِلٍ، وَمَتَى طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةُ، تَمَّ اسْتِبْرَاؤُهَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا: إِنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ، وَلَكِنْ يَرُدُّ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» ) .
وَقَالَ رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ حُنَيْنِ: ( «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَطَأْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ» ) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعِنْدَهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ هَذَا أَحَدُهَا. الثَّانِي: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا تُوطَأَ الْأَمَةُ حَتَّى تَحِيضَ وَعَنِ الْحَبَالَى حَتَّى تَضَعْنَ» .
الثَّالِثُ: ( «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَنْكِحَنَّ ثَيِّبًا مِنَ السَّبَايَا حَتَّى تَحِيضَ» ) . فَعَلَّقَ الْحِلَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْحَيْضِ وَحْدَهُ لَا بِالطُّهْرِ، فَلَا يَجُوزُ إِلْغَاءُ مَا اعْتَبَرَهُ، وَاعْتِبَارُ مَا أَلْغَاهُ، وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى مَا خَالَفَ نَصُّهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَحْضِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الِاسْتِبْرَاءُ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ هُوَ الْحَيْضُ، فَأَمَّا الطُّهْرُ، فَلَا دِلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْبَرَاءَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَوَّلَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى مَا لَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ عَلَيْهِ دُونَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَبِنَاؤُهُمْ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ، بِنَاءٌ عَلَى الْخِلَافِ لِلْخِلَافِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةِ وَلَا شُبْهَةٍ، ثُمَّ لَمْ يُمْكِنْهُمْ بِنَاءُ هَذَا عَلَى ذَاكَ حَتَّى خَالَفُوهُ، فَجَعَلُوا الطُّهْرَ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ قُرْءًا، وَلَمْ يَجْعَلُوا طُهْرَ الْمُسْتَبْرَأَةِ الَّتِي تَجَدَّدَ عَلَيْهَا الْمِلْكُ فِيهِ، أَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا فِيهِ قُرْءًا، وَحَتَّى خَالَفُوا الْحَدِيثَ أَيْضًا، كَمَا تَبَيَّنَ، وَحَتَّى خَالَفُوا الْمَعْنَى كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ هَذَا الْبِنَاءُ إِلَّا بَعْدَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ، وَغَايَةُ مَا قَالُوا: إِنَّ بَعْضَ الْحَيْضَةِ الْمُقْتَرِنَ بِالطُّهْرِ يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ، فَيُقَالُ لَهُمْ فَيَكُونُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ عَلَى بَعْضِ الْحَيْضَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ قُرْءًا عِنْدَ أَحَدٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ اعْتِمَادٌ عَلَى بَعْضِ حَيْضَةٍ وَطُهْرٍ.
قُلْنَا: هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي مُسَمَّى الْقُرُوءِ، وَلَا يُعْرَفُ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَتُهُ مُرَكَّبَةً مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ.