الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا تَرْجِعُ إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ؛ وَلِهَذَا فُسِّرَ بَيْعُ الْحَصَاةِ بِأَنْ يَقُولَ: ارْمِ هَذِهِ الْحَصَاةَ، فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَهُوَ لَكَ بِدِرْهَمٍ، وَفُسِّرَ بِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ أَرْضِهِ قَدْرَ مَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ رَمْيَةُ الْحَصَاةِ، وَفُسِّرَ بِأَنْ يَقْبِضَ عَلَى كَفٍّ مِنْ حَصًا، وَيَقُولُ: لِي بِعَدَدِ مَا خَرَجَ فِي الْقَبْضَةِ مِنَ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، أَوْ يَبِيعُهُ سِلْعَةً، وَيَقْبِضُ عَلَى كَفٍّ مِنَ الْحَصَا، وَيَقُولُ: لِي بِكُلِّ حَصَاةٍ دِرْهَمٌ، وَفُسِّرَ بِأَنْ يُمْسِكَ أَحَدُهُمَا حَصَاةً فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: أَيُّ وَقْتٍ سَقَطَتِ الْحَصَاةُ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَفُسِّرَ بِأَنْ يَتَبَايَعَا، وَيَقُولَ أَحَدُهُمَا: إِذَا نَبَذْتُ إِلَيْكَ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَفُسِّرَ بِأَنْ يَعْتَرِضَ الْقَطِيعَ مِنَ الْغَنَمِ، فَيَأْخُذُ حَصَاةً، وَيَقُولُ: أَيَّ شَاةٍ أَصَبْتَهَا فَهِيَ لَكَ بِكَذَا، وَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا فَاسِدَةٌ لِمَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَمِنَ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ الَّذِي هُوَ شَبِيهٌ بِالْقِمَارِ.
[فصل بَيْعُ الْغَرَرِ]
فَصْلٌ.
وَأَمَّا بَيْعُ الْغَرَرِ، فَمِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ كَبَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَالْغَرَرُ: هُوَ الْمَبِيعُ نَفْسُهُ، وَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ: مَغْرُورٍ بِهِ كَالْقَبْضِ وَالسَّلْبِ بِمَعْنَى الْمَقْبُوضِ وَالْمَسْلُوبِ، وَهَذَا كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَالْفَرَسِ الشَّارِدِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَكَبَيْعِ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ وَمَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهُ أَوْ نَاقَتُهُ، أَوْ مَا يَرْضَى لَهُ بِهِ زَيْدٌ، أَوْ يَهَبُهُ لَهُ، أَوْ يُورِثُهُ إِيَّاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ حُصُولُهُ أَوْ لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، أَوْ لَا يُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ وَمِقْدَارُهُ، وَمِنْهُ بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ، وَهُوَ نِتَاجُ النِّتَاجِ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَجَلٌ، فَكَانُوا يَتَبَايَعُونَ إِلَيْهِ، هَكَذَا رَوَاهُ مسلم، وَكِلَاهُمَا غَرَرٌ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ بَيْعُ حَمْلِ الْكَرْمِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ.
قَالَ: وَالْحَبَلَةُ: الْكَرْمُ بِسُكُونِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه، فَإِنَّهُ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ
أَجَلٌ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ إِلَيْهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مالك وَالشَّافِعِيُّ، وَأَمَّا أبو عبيدة، فَفَسَّرَهُ بِبَيْعِ نِتَاجِ النِّتَاجِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أحمد، وَمِنْهُ بَيْعُ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ( «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ» ) . قَالَ أبو عبيد: الْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْبُطُونِ مِنَ الْأَجِنَّةِ، وَالْمَضَامِينُ: مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ، وَكَانُوا يَبِيعُونَ الْجَنِينَ فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، وَمَا يَضْرِبُهُ الْفَحْلُ فِي عَامٍ أَوْ أَعْوَامٍ وَأُنْشِدَ:
إِنَّ الْمَضَامِينَ الَّتِي فِي الصُّلْبِ
…
مَاءُ الْفُحُولِ فِي الظُّهُورِ الْحُدْبِ
وَمِنْهُ بَيْعُ الْمَجْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَجْرُ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، وَالْمَجْرُ: الرِّبَا، وَالْمَجْرُ: الْقِمَارُ، وَالْمَجْرُ: الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُزَابَنَةُ.
وَمِنْهُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَقَدْ جَاءَ تَفْسِيرُهُمَا فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ، فَفِي " صَحِيحِ مسلم " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ( «نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ: الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، أَمَّا الْمُلَامَسَةُ: فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ» ) هَذَا لَفْظُ مسلم.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ ( «أبي سعيد قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَلُبْسَتَيْنِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمُلَامَسَةُ: لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، وَلَا يَقْلِبُهُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ، وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إِلَيْهِ