الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَقَعُ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا]
رَوَى أبو داود فِي " سُنَنِهِ ": مِنْ حَدِيثِ عائشة رضي الله عنها: ( «أَنَّ حبيبة بنت سهل كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَضَرَبَهَا فَكَسَرَ بَعْضَهَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الصُّبْحِ فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثابتا فَقَالَ: خُذْ بَعْضَ مَالِهَا وَفَارِقْهَا " فَقَالَ: وَيَصْلُحُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَصَدَقْتُهَا حَدِيقَتَيْنِ، وَهُمَا بِيَدِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: خُذْهُمَا وَفَارِقْهَا فَفَعَلَ» ) .
وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَقَعُ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35][النِّسَاءِ 35]
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي الْحَكَمَيْنِ: هَلْ هُمَا حَاكِمَانِ أَوْ وَكِيلَانِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وأحمد فِي رِوَايَةٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا حَاكِمَانِ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ومالك وأحمد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يَقُولُ هُمَا وَكِيلَانِ لَا حَاكِمَانِ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَصَبَهُمَا حَكَمَيْنِ، وَجَعَلَ نَصْبَهُمَا إِلَى غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ، لَقَالَ: فَلْيَبْعَثْ وَكِيلًا مِنْ أَهْلِهِ وَلْتَبْعَثْ وَكِيلًا مِنْ أَهْلِهَا.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ لَمْ يَخْتَصَّا بِأَنْ يَكُونَا مِنَ الْأَهْلِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جَعَلَ الْحُكْمَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] وَالْوَكِيلَانِ لَا إِرَادَةَ لَهُمَا إِنَّمَا يَتَصَرَّفَانِ بِإِرَادَةِ مُوَكِّلَيْهِمَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يُسَمَّى حَكَمًا فِي لُغَةِ الْقُرْآنِ، وَلَا فِي لِسَانِ الشَّارِعِ وَلَا فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ وَلَا الْخَاصِّ.
وَأَيْضًا فَالْحَكَمُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحُكْمِ وَالْإِلْزَامُ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَكَمَ أَبْلَغُ مِنْ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ دَالَّةٌ عَلَى الثُّبُوتِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ اسْمُ الْحَاكِمِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْوَكِيلِ الْمَحْضِ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ غَيْرَ الزَّوْجَيْنِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ عَنِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ غَيْرَهُمَا، وَهَذَا يُحْوِجُ إِلَى تَقْدِيرِ الْآيَةِ هَكَذَا:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] فَمُرُوهُمَا أَنْ يُوَكِّلَا وَكِيلَيْنِ: وَكِيلًا مِنْ أَهْلِهِ وَوَكِيلًا مِنْ أَهْلِهَا، وَمَعْلُومٌ بُعْدُ لَفْظِ الْآيَةِ وَمَعْنَاهَا عَنْ هَذَا التَّقْدِيرِ، وَأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ، بَلْ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى خِلَافِهِ وَهَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَاضِحٌ.
(وَبَعَثَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ومعاوية حَكَمَيْنِ بَيْنَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَامْرَأَتِهِ فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فَقِيلَ لَهُمَا: إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا) .
وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَيْكُمَا (إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا)