الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخِرِهِ وَانْتِهَائِهِ مِنَ الْعِدَّةِ وَالْإِحْدَادِ مَا لَمْ يُشَرِّعْ فِي غَيْرِهِ.
[فصل الْخِصَالُ الَّتِي تَجْتَنِبُهَا الْحَادَّةُ]
فَصْلٌ
الْحُكْمُ السَّادِسُ فِي الْخِصَالِ الَّتِي تَجْتَنِبُهَا الْحَادَّةُ وَهِيَ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا النَّصُّ دُونَ الْآرَاءِ وَالْأَقْوَالِ الَّتِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ.
أَحَدُهَا: الطِّيبُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ( «لَا تَمَسُّ طِيبًا» ) ، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ الْإِحْدَادَ، وَلِهَذَا لَمَّا خَرَجَتْ أم حبيبة رضي الله عنها مِنْ إِحْدَادِهَا عَلَى أَبِيهَا أبي سفيان دَعَتْ بِطِيبٍ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ ذَكَرَتِ الْحَدِيثَ، وَيَدْخُلُ فِي الطِّيبِ الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ وَالْكَافُورُ وَالنَّدُّ وَالْغَالِيَةُ وَالزَّبَادُ وَالذَّرِيرَةُ وَالْبُخُورُ وَالْأَدْهَانُ الْمُطَيِّبَةُ كَدُهْنِ الْبَانِ وَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْمِيَاهِ الْمُعْتَصَرَةِ مِنَ الْأَدْهَانِ الطَّيِّبَةِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الْقُرُنْفُلِ وَمَاءِ زَهْرِ النَّارَنْجِ، فَهَذَا كُلُّهُ طِيبٌ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّيْتُ، وَلَا الشَّيْرَجُ، وَلَا السَّمْنُ، وَلَا تُمْنَعُ مِنَ الْأَدْهَانِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
[فصل تَجْتَنِبُ الْحَادَّةُ الزِّينَةَ فِي بَدَنِهَا]
فَصْلٌ
الْحُكْمُ السَّابِعُ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ. أَحَدُهَا: الزِّينَةُ فِي بَدَنِهَا، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخِضَابُ وَالنَّقْشُ وَالتَّطْرِيفُ وَالْحُمْرَةُ وَالِاسْفِيدَاجُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَصَّ عَلَى الْخِضَابِ مُنَبِّهًا بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ زِينَةً مِنْهُ وَأَعْظَمُ فِتْنَةً وَأَشَدُّ مُضَادَّةً لِمَقْصُودِ الْإِحْدَادِ، وَمِنْهَا: الْكُحْلُ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ بِالصَّرِيحِ الصَّحِيحِ.
ثُمَّ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: لَا تَكْتَحِلُ وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهَا لَا لَيْلًا، وَلَا نَهَارًا، وَيُسَاعِدُ قَوْلَهُمْ حَدِيثُ أم سلمة الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ( «أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَخَافُوا عَلَى عَيْنِهَا فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ فَمَا أَذِنَ فِيهِ بَلْ قَالَ " لَا " مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمْ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْإِحْدَادِ الْبَلِيغِ سَنَةً وَيَصْبِرْنَ عَلَى ذَلِكَ، أَفَلَا
يَصْبِرْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» )
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْكُحْلَ مِنْ أَبْلَغِ الزِّينَةِ فَهُوَ كَالطِّيبِ، أَوْ أَشَدَّ مِنْهُ.، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لِلسَّوْدَاءِ أَنْ تَكْتَحِلَ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْمَعْنَى، وَأَحْكَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ السُّودِ وَالْبِيضِ كَمَا لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ الطِّوَالِ وَالْقِصَارِ، وَمِثْلُ هَذَا الْقِيَاسِ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ الَّذِي اشْتَدَّ نَكِيرُ السَّلَفِ لَهُ وَذَمُّهُمْ إِيَّاهُ.
وَأَمَّا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كمالك، وأحمد، وأبي حنيفة، وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ فَقَالُوا: إِنِ اضْطُرَّتْ إِلَى الْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ تَدَاوَيًا لَا زِينَةً فَلَهَا أَنْ تَكْتَحِلَ بِهِ لَيْلًا وَتَمْسَحَهُ نَهَارًا، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ أم سلمة الْمُتَقَدِّمُ رضي الله عنها فَإِنَّهَا قَالَتْ فِي كُحْلِ الْجَلَاءِ:( «لَا تَكْتَحِلُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ يَشْتَدُّ عَلَيْكِ فَتَكْتَحِلِينَ بِاللَّيْلِ وَتَغْسِلِينَهُ بِالنَّهَارِ» )
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ أم سلمة رضي الله عنها الْآخَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا، وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَيْهَا صَبْرًا فَقَالَ ( «مَا هَذَا يَا أم سلمة؟ فَقُلْتُ: صَبْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ فَقَالَ: إِنَّهُ يُشِبُّ الْوَجْهَ فَقَالَ: " لَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ وَتَنْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ» ) وَهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَرَّقَهُ الرُّوَاةُ، وَأَدْخَلَ مالك هَذَا الْقَدْرَ مِنْهُ فِي " مُوَطَّئِهِ " بَلَاغًا، وَذَكَرَ أبو عمر فِي " التَّمْهِيدِ " لَهُ طُرُقًا يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَكْفِي احْتِجَاجُ مالك بِهِ، وَأَدْخَلَهُ أَهْلُ السُّنَنِ فِي كُتُبِهِمْ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ، وَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا، وَلَكِنْ حَدِيثُهَا هَذَا مُخَالِفٌ فِي الظَّاهِرِ لِحَدِيثِهَا الْمُسْنَدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا تَكْتَحِلُ بِحَالٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُشْتَكِيَةِ عَيْنَهَا فِي الْكُحْلِ لَا لَيْلًا، وَلَا نَهَارًا، وَلَا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَلَا غَيْرِهَا، وَقَالَ " لَا " مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا أَنْ تُضْطَرَّ.
وَقَدْ ذَكَرَ مالك، عَنْ نافع ( «، عَنْ صفية ابنة عبيد أَنَّهَا اشْتَكَتْ عَيْنَهَا وَهِيَ حَادٌّ عَلَى زَوْجِهَا عبد الله بن عمر فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَصَانِ» )
قَالَ أبو عمر: وَهَذَا عِنْدِي وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُخَالِفًا لِحَدِيثِهَا الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبَاحَتِهِ بِاللَّيْلِ وَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " لَا " مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحَدِيثَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الشَّكَاةَ الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا لَمْ تَبْلُغْ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْهَا مَبْلَغًا لَا بُدَّ لَهَا فِيهِ مِنَ الْكُحْلِ؛ فَلِذَلِكَ نَهَاهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً مُضْطَرَّةً تَخَافُ ذَهَابَ بَصَرِهَا لَأَبَاحَ لَهَا ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ بِالَّتِي قَالَ لَهَا:( «اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ» ) وَالنَّظَرُ يَشْهَدُ لِهَذَا التّأْوِيلِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تَنْقُلُ الْمَحْظُورَاتِ إِلَى حَالِ الْمُبَاحِ فِي الْأُصُولِ، وَلِهَذَا جَعَلَ مالك فَتْوَى أم سلمة رضي الله عنها تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ فِي الْكُحْلِ؛ لِأَنَّ أم سلمة رضي الله عنها رَوَتْهُ وَمَا كَانَتْ لِتُخَالِفَهُ إِذَا صَحَّ عِنْدَهَا وَهِيَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ وَمَخْرَجِهِ، وَالنَّظَرُ يَشْهَدُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إِلَى شَيْءٍ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمُرَفَّهِ الْمُتَزَيِّنِ بِالزِّينَةِ، وَلَيْسَ الدَّوَاءُ وَالتَّدَاوِي مِنَ الزِّينَةِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا نُهِيَتِ الْحَادَّةُ عَنِ الزِّينَةِ لَا عَنِ التَّدَاوِي، وأم سلمة رضي الله عنها أَعْلَمُ بِمَا رَوَتْ مَعَ صِحَّتِهِ فِي النَّظَرِ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْفِقْهِ وَبِهِ قَالَ مالك وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَدْ ذَكَرَ مالك رحمه الله فِي " مُوَطَّئِهِ " أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: إِنَّهَا إِذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ بِعَيْنَيْهَا، أَوْ شَكْوَى أَصَابَتْهَا أَنَّهَا تَكْتَحِلُ وَتَتَدَاوَى بِالْكُحْلِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ.
قَالَ أبو عمر: لِأَنَّ الْقَصْدَ إِلَى التَّدَاوِي لَا إِلَى التَّطَيُّبِ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الصَّبْرُ يُصَفَّرُ فَيَكُونُ زِينَةً وَلَيْسَ بِطِيبٍ، وَهُوَ كُحْلُ الْجَلَاءِ، فَأَذِنَتْ أم سلمة رضي الله عنها لِلْمَرْأَةِ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا تُرَى، وَتَمْسَحُهُ بِالنَّهَارِ حَيْثُ يُرَى، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ.
وَقَالَ أبو محمد بن قدامة فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنَّمَا تُمْنَعُ الْحَادَّةُ مِنَ الْكُحْلِ