الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعْتِبَارِهِ صلى الله عليه وسلم الْقَيْدَ الَّذِي قَيَّدَهُ اللَّهُ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ فِي حَجْرِ الزَّوْجِ.
وَنَظِيرُ هَذَا سَوَاءٌ، أَنْ يُقَالَ فِي زَوْجَةِ ابْنِ الصُّلْبِ إِذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِرَضَاعِ: لَوْ لَمْ تَكُنْ حَلِيلَةَ ابْنِي الَّذِي لِصُلْبِي، لَمَا حَلَّتْ لِي سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فصل التَّحْرِيمُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ]
فَصْلٌ الْحُكْمُ الثَّانِي: الْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ السُّنَّةِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ يَنْتَشِرُ مِنْهُ كَمَا يَنْتَشِرُ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ مَنْ خَالَفَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ وَيُتْرَكَ مَا خَالَفَهَا لِأَجْلِهَا، وَلَا تُتْرَكُ هِيَ لِأَجْلِ قَوْلِ أَحَدٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ. وَلَوْ تُرِكَتِ السُّنَنُ لِخِلَافِ مَنْ خَالَفَهَا لِعَدَمِ بُلُوغِهَا لَهُ، أَوْ لِتَأْوِيلِهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَتُرِكَ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَتُرِكَتِ الْحُجَّةُ إِلَى غَيْرِهَا، وَقَوْلُ مَنْ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ إِلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَقَوْلُ الْمَعْصُومِ إِلَى قَوْلِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ، وَهَذِهِ بَلِيَّةٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْهَا، وَأَنْ لَا نَلْقَاهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ الْأَعْمَشُ: كَانَ عمارة وإبراهيم وَأَصْحَابُنَا لَا يَرَوْنَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ بَأْسًا حَتَّى أَتَاهُمُ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ بِخَبَرِ أبي القعيس، يَعْنِي: فَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ وَرَجَعُوا عَنْهُ، وَهَكَذَا يَصْنَعُ أَهْلُ الْعِلْمِ إِذَا أَتَتْهُمُ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجَعُوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ بِغَيْرِهَا.
قَالَ الَّذِينَ لَا يُحَرِّمُونَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ: إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيمَ بِالرَّضَاعَةِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، فَقَالَ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] [النِّسَاءِ: 23] وَاللَّامُ: لِلْعَهْدِ تَرْجِعُ إِلَى الرَّضَاعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ رَضَاعَةُ الْأُمِّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24][النِّسَاءِ: 24]
فَلَوْ أَثْبَتْنَا التَّحْرِيمَ بِالْحَدِيثِ لَكُنَّا قَدْ نَسَخْنَا الْقُرْآنَ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا - عَلَى أَصْلِ مَنْ يَقُولُ: الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ - أَلْزَمُ، قَالُوا: وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِسُنَّتِهِ وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ التَّحْرِيمَ بِهِ، فَصَحَّ عَنْ أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة أَنَّ أُمَّهُ زينب بنت أم سلمة أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْضَعَتْهَا أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه امْرَأَةُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَتْ زينب: وَكَانَ الزبير يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَمْتَشِطُ فَيَأْخُذُ بِقَرْنٍ مِنْ قُرُونِ رَأْسِي وَيَقُولُ: أَقْبِلِي عَلَيَّ فَحَدِّثِينِي، أَرَى أَنَّهُ أَبِي وَمَا وَلَدَ مِنْهُ فَهُمْ إِخْوَتِي، ثُمَّ إِنَّ عبد الله بن الزبير أَرْسَلَ إِلَيَّ يَخْطُبُ أم كلثوم ابْنَتِي عَلَى حمزة بن الزبير، وَكَانَ حمزة لِلْكَلْبِيَّةِ، فَقَالَتْ لِرَسُولِهِ: وَهَلْ تَحِلُّ لَهُ؟ وَإِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أُخْتِهِ، فَقَالَ عبد الله: إِنَّمَا أَرَدْتِ بِهَذَا الْمَنْعَ مِنْ قِبَلِكِ. أَمَّا مَا وَلَدَتْ أسماء فَهُمْ إِخْوَتُكِ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَسْمَاءَ فَلَيْسُوا لَكِ بِإِخْوَةٍ، فَأَرْسِلِي فَاسْأَلِي عَنْ هَذَا، فَأَرْسَلَتْ فَسَأَلَتْ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ فَقَالُوا لَهَا: إِنَّ الرَّضَاعَةَ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ لَا تُحَرِّمُ شَيْئًا فَأَنْكِحِيهَا إِيَّاهُ، فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى هَلَكَ عَنْهَا.
قَالُوا: وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم قَالُوا: وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الرَّضَاعَةَ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ لَا مِنَ الرَّجُلِ.
قَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مَا يُعَارِضُ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ، فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا. أَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ الْأُخْتَ مِنَ الْأَبِ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَيَكُونَ دَالًّا عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَإِمَّا أَنْ لَا يَتَنَاوَلَهَا فَيَكُونَ سَاكِتًا عَنْهَا، فَيَكُونُ تَحْرِيمُ السُّنَّةِ لَهَا تَحْرِيمًا مُبْتَدَءًا وَمُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24][النِّسَاءِ: 24] وَالظَّاهِرُ يَتَنَاوَلُ لَفْظَ الْأُخْتِ لَهَا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَمَّمَ لَفْظَ الْأَخَوَاتِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا أُخْتُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أُخْتَهُ مِنْ أَبِيهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ لَيْسَتْ أُخْتًا لَهُ، ( «فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لعائشة
- رضي الله عنها: ائْذَنِي لِأَفْلَحَ؛ فَإِنَّهُ عَمُّكِ» ) ، فَأَثْبَتَ الْعُمُومَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ وَحْدَهُ، فَإِذَا ثَبَتَتِ الْعُمُومَةُ بَيْنَ الْمُرْتَضِعَةِ وَبَيْنَ أَخِي صَاحِبِ اللَّبَنِ، فَثُبُوتُ الْأُخُوَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَوْ مِثْلِهِ.
فَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ مُرَادَ الْكِتَابِ لَا أَنَّهَا خَالَفَتْهُ، وَغَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ أَثْبَتَتْ تَحْرِيمَ مَا سَكَتَ عَنْهُ، أَوْ تَخْصِيصَ مَا لَمْ يَرِدْ عُمُومُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَرَوْنَ التَّحْرِيمَ بِذَلِكَ فَدَعْوَى بَاطِلَةٌ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ علي رضي الله عنه إِثْبَاتُ التَّحْرِيمِ بِهِ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا جَارِيَةً وَالْأُخْرَى غُلَامًا أَيَحِلُّ أَنْ يَنْكِحَهَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا، اللِّقَاحُ وَاحِدٌ، وَهَذَا الْأَثَرُ الَّذِي اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ صَرِيحٌ عَنِ الزبير أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ زينب ابْنَتُهُ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَهَذِهِ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كَانَتْ تُفْتِي: أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، فَلَمْ يَبْقَ بِأَيْدِيكُمْ إِلَّا عبد الله بن الزبير، وَأَيْنَ يَقَعُ مِنْ هَؤُلَاءِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ سَأَلَتْهُمْ فَأَفْتَوْهَا بِالْحِلِّ فَمَجْهُولُونَ غَيْرُ مُسَمَّيْنَ، وَلَمْ يَقُلِ الرَّاوِي: فَسَأَلَتْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ، بَلْ لَعَلَّهَا أَرْسَلَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمْ فَأَفْتَاهَا بِمَا أَفْتَاهَا بِهِ عبد الله بن الزبير، وَلَمْ يَكُنِ الصَّحَابَةُ إِذْ ذَاكَ مُتَوَافِرِينَ بِالْمَدِينَةِ، بَلْ كَانَ مُعْظَمُهُمْ وَأَكَابِرُهُمْ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ الرَّضَاعَةَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا اللَّبَنُ لِلْأَبِ الَّذِي ثَارَ بِوَطْئِهِ، وَالْأُمُّ وِعَاءٌ لَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ تَثْبُتُ أُبُوَّةُ صَاحِبِ اللَّبَنِ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ أُمُومَةُ الْمُرْضِعَةِ، أَوْ
ثُبُوتُ أُبُوَّتِهِ فَرْعٌ عَلَى ثُبُوتِ أُمُومَةِ الْمُرْضِعَةِ؟
قِيلَ: هَذَا الْأَصْلُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أحمد وَالشَّافِعِيِّ، وَعَلَيْهِ مَسْأَلَةُ مَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَأَرْضَعْنَ طِفْلَةً كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَتَيْنِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَصِرْنَ أُمًّا لَهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَمْ تُرْضِعْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ. وَهَلْ يَصِيرُ الزَّوْجُ أَبًا لِلطِّفْلَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِيرُ أَبًا كَمَا لَمْ تَصِرِ الْمُرْضِعَاتُ أُمَّهَاتٍ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ: يَصِيرُ أَبًا لِكَوْنِ الْوَلَدِ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَلَبَنُ الْفَحْلِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُتَفَرِّعٍ عَلَى أُمُومَةِ الْمُرْضِعَةِ، فَإِنَّ الْأُبُوَّةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِحُصُولِ الِارْتِضَاعِ مِنْ لَبَنِهِ لَا لِكَوْنِ الْمُرْضِعَةِ أُمَّهُ، وَلَا يَجِيءُ هَذَا عَلَى أَصْلَيْ أبي حنيفة ومالك فَإِنَّ عِنْدَهُمَا قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ مُحَرَّمٌ، فَالزَّوْجَاتُ الْأَرْبَعُ أُمَّهَاتٌ لِلْمُرْتَضِعِ، فَإِذَا قُلْنَا بِثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - حَرُمَتِ الْمُرْضِعَاتُ عَلَى الطِّفْلِ؛ لِأَنَّهُ رَبِيبُهُنَّ وَهُنَّ مَوْطُوآتُ أَبِيهِ، فَهُوَ ابْنُ بَعْلِهِنَّ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ، لَمْ يَحْرُمْنَ عَلَيْهِ بِهَذَا الرَّضَاعِ.
وَعَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُ بَنَاتٍ فَأَرْضَعْنَ طِفْلًا كُلُّ وَاحِدَةٍ رَضْعَةً لَمْ يَصِرْنَ أُمَّهَاتٍ لَهُ. وَهَلْ يَصِيرُ الرَّجُلُ جَدًّا لَهُ، وَأَوْلَادُهُ الَّذِينَ هُمْ إِخْوَةُ الْمُرْضِعَاتِ أَخْوَالًا لَهُ وَخَالَاتٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ جَدًّا وَأَخُوهُنَّ خَالًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَمَلَ الْمُرْتَضِعُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ مِنْ لَبَنِ بَنَاتِهِ فَصَارَ جَدًّا، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُرْتَضِعُ بِنْتًا وَاحِدَةً. وَإِذَا صَارَ جَدًّا كَانَ أَوْلَادُهُ الَّذِينَ هُمْ إِخْوَةُ الْبَنَاتِ أَخْوَالًا وَخَالَاتٍ، لِأَنَّهُنَّ إِخْوَةُ مَنْ كَمَلَ لَهُ مِنْهُنَّ خَمْسُ رَضَعَاتٍ فَنُزِّلُوا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مَنْزِلَةَ أُمٍّ وَاحِدَةٍ، وَالْآخَرُ: لَا يَصِيرُ جَدًّا وَلَا أَخَوَاتُهُنَّ خَالَاتٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ جَدًّا فَرْعٌ عَلَى كَوْنِ ابْنَتِهِ أُمًّا، وَكَوْنُ أَخِيهَا خَالًا فَرْعٌ عَلَى كَوْنِ أُخْتِهِ أُمًّا، وَلَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ فَلَا يَثْبُتُ فَرْعُهُ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَصَحُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْأُبُوَّةِ فِيهَا لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأُمُومَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْفَرْعِيَّةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْمُرْضِعَاتِ وَأَبِيهِنَّ فَإِنَّهُنَّ بَنَاتُهُ، وَاللَّبَنُ لَيْسَ لَهُ، فَالتَّحْرِيمُ هُنَا بَيْنَ الْمُرْضِعَةِ وَابْنِهَا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ أُمًّا لَمْ يَكُنْ أَبُوهَا جَدًّا،