الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاعْتِدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي مَنْزِلِهَا الَّذِي تُوُفِّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ]
ِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِحُكْمِهِ بِخُرُوجِ الْمَبْتُوتَةِ وَاعْتِدَادِهَا حَيْثُ شَاءَتْ
ثَبَتَ فِي " السُّنَنِ "، عَنْ زينب بنت كعب بن عجرة، عَنِ ( «الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ، فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقُدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَإِنِّي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ. فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ دَعَانِي، أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ قُلْتِ؟ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، قَالَتْ: فَقَالَ: " امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عثمان، أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَضَى بِهِ وَاتَّبَعَهُ» )
قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ، فَإِنَّ زينب هَذِهِ مَجْهُولَةٌ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَهَا غَيْرُ سعد بن إسحاق بن كعب، وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، ومالك رحمه الله وَغَيْرُهُ يَقُولُ فِيهِ
سعد بن إسحاق، وسفيان يَقُولُ: سعيد. وَمَا قَالَهُ أبو محمد غَيْرُ صَحِيحٍ، فَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ فِي الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَأَدْخَلَهُ مالك فِي " مُوَطَّئِهِ "، وَاحْتَجَّ بِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ مَذْهَبَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ زينب بنت كعب مَجْهُولَةٌ، فَنَعَمْ مَجْهُولَةٌ عِنْدَهُ فَكَانَ مَاذَا؟ وزينب هَذِهِ مِنَ التَّابِعِيَّاتِ، وَهِيَ امْرَأَةُ أبي سعيد، رَوَى عَنْهَا سعد بن إسحاق بن كعب وَلَيْسَ بسعيد، وَقَدْ ذَكَرَهَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ. وَالَّذِي غَرَّ أبا محمد قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ: لَمْ يَرْوِ عَنْهَا غَيْرُ سعد بن إسحاق، وَقَدْ رَوَيْنَا فِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ": حَدَّثَنَا يعقوب، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم، عَنْ سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عَنْ عَمَّتِهِ زينب بنت كعب بن عجرة وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أبي سعيد قَالَ:( «اشْتَكَى النَّاسُ عليا رضي الله عنه فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَشْكُوا عليا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللَّهِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) فَهَذِهِ امْرَأَةٌ تَابِعِيَّةٌ كَانَتْ تَحْتَ صَحَابِيٍّ، وَرَوَى عَنْهَا الثِّقَاتُ وَلَمْ يُطْعَنْ فِيهَا بِحَرْفٍ، وَاحْتَجَّ الْأَئِمَّةُ بِحَدِيثِهَا وَصَحَّحُوهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ سعد بن إسحاق غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، فَقَدْ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَالدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا: ثِقَةٌ. وَقَالَ أبو حاتم: صَالِحٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ النَّاسُ: حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَحَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وداود بن قيس، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَلَمْ يُعْلَمْ فِيهِ قَدْحٌ، وَلَا جَرْحٌ الْبَتَّةَ، وَمِثْلُ هَذَا يُحْتَجُّ بِهِ اتِّفَاقًا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،
فَرَوَى عبد الرزاق، عَنْ معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ (عائشة رضي الله عنها. أَنَّهَا كَانَتْ تُفْتِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِالْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهَا وَخَرَجَتْ بِأُخْتِهَا أم كلثوم حِينَ قُتِلَ عَنْهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَى مَكَّةَ فِي عُمْرَةٍ)
وَمِنْ طَرِيقِ عبد الرزاق: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عطاء، عَنِ (ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل: تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَمْ يَقُلْ: تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ) وَهَذَا الْحَدِيثُ سَمِعَهُ عطاء مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ (عطاء قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَلَمْ يَقُلْ: يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ) قَالَ سفيان: قَالَهُ لَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ كَمَا أَخْبَرَنَا.
وَقَالَ عبد الرزاق: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي (أبو الزبير أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَيْثُ شَاءَتْ)
وَقَالَ عبد الرزاق، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ (عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه كَانَ يُرَحِّلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ فِي عِدَّتِهِنَّ)
وَذَكَرَ عبد الرزاق أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ وعطاء قَالَا جَمِيعًا: الْمَبْتُوتَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَحُجَّانِ وَتَعْتَمِرَانِ وَتَنْتَقِلَانِ وَتَبِيتَانِ.
وَذَكَرَ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ (عطاء قَالَ: لَا يَضُرُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَيْنَ اعْتَدَّتْ)
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ (عطاء وأبي الشعثاء قَالَا جَمِيعًا: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَخْرُجُ فِي عِدَّتِهَا حَيْثُ شَاءَتْ)
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ (حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، قَالَ: سَأَلْتُ عطاء عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا، أَتَحُجَّانِ فِي عِدَّتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَكَانَ الحسن يَقُولُ بِمِثْلِ ذَلِكَ)
وَقَالَ ابن وهب: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ حنين بن أبي حكيم أَنَّ (امْرَأَةَ مُزَاحِمٍ لَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا بِخُنَاصِرَةَ سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَأَمْكُثُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتِي؟ فَقَالَ لَهَا: بَلِ الْحَقِي بِقَرَارِكِ وَدَارِ أَبِيكِ فَاعْتَدِّي فِيهَا)
قَالَ ابن وهب: وَأَخْبَرَنِي يحيى بن أيوب، عَنْ (يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، وَلَهُ بِالْفُسْطَاطِ دَارٌ، فَقَالَ: إِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَلْتَعْتَدَّ، وَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى دَارِ
زَوْجِهَا وَقَرَارِهِ بِالْفُسْطَاطِ فَتَعْتَدَّ فِيهَا فَلْتَرْجِعْ)
قَالَ ابن وهب: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ (بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ: سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَةِ يَخْرُجُ بِهَا زَوْجُهَا إِلَى بَلَدٍ فَيُتَوَفَّى؟ قَالَ: تَعْتَدُّ حَيْثُ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، أَوْ تَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ كُلِّهِمْ.
وَلِأَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ حُجَّتَانِ احْتَجَّ بِهِمَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَدْ حَكَيْنَا إِحْدَاهُمَا، وَهِيَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَمَرَهَا بِاعْتِدَادِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ.
وَالثَّانِيَةُ: مَا رَوَاهُ أبو داود: حَدَّثَنَا أحمد بن محمد المروزي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا شبل، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: قَالَ عطاء: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] قَالَ عطاء: إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ} [البقرة: 240] قَالَ عطاء: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى، تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ)
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: تَعْتَدُّ فِي مَنْزِلِهَا الَّتِي تُوُفِّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ، قَالَ وَكِيعٌ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ منصور، عَنْ مجاهد، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (أَنَّ عمر رَدَّ نِسْوَةً مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَاجَّاتٍ، أَوْ مُعْتَمِرَاتٍ تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ)
وَقَالَ عبد الرزاق: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا حميد الأعرج، عَنْ مجاهد قَالَ:(كَانَ عمر وعثمان يَرْجِعَانِهِنَّ حَاجَّاتٍ وَمُعْتَمِرَاتٍ مِنَ الْجُحْفَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ)
وَذَكَرَ عبد الرزاق، عَنْ معمر، عَنْ أيوب، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ أُمِّهِ مسيكة (أَنَّ امْرَأَةً مُتَوَفًّى عَنْهَا زَارَتْ أَهْلَهَا فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا الطُّلَّقُ، فَأَتَوْا عثمان فَقَالَ: احْمِلُوهَا إِلَى بَيْتِهَا وَهِيَ تَطْلُقُ)
وَذَكَرَ أَيْضًا، عَنْ معمر، عَنْ أيوب، عَنْ نافع، (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا، وَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ بِالنَّهَارِ فَتَتَحَدَّثُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهَا)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ علي بن المبارك، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان (أَنَّ عمر رَخَّصَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَهَا بَيَاضَ يَوْمِهَا، وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يُرَخِّصْ لَهَا إِلَّا فِي بَيَاضِ يَوْمِهَا أَوْ لَيْلِهَا)
وَذَكَرَ عبد الرزاق، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ علقمة قَالَ:(سَأَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ نِسَاءً مِنْ هَمْدَانَ نُعِيَ إِلَيْهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَقُلْنَ: إِنَّا نَسْتَوْحِشُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تَجْتَمِعْنَ بِالنَّهَارِ، ثُمَّ تَرْجِعُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ إِلَى بَيْتِهَا بِاللَّيْلِ)
وَذَكَرَ الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أبو عوانة، عَنْ منصور، عَنْ إبراهيم (أَنَّ امْرَأَةً بُعِثَتْ إِلَى أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها: إِنَّ أَبِي مَرِيضٌ وَأَنَا فِي عِدَّةٍ أَفَآتِيهِ أُمَرِّضُهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ بَيِّتِي أَحَدَ طَرَفَيِ اللَّيْلِ فِي بَيْتِكِ)
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا هشيم، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: أَتَخْرُجُ فِي عِدَّتِهَا؟ فَقَالَ: (كَانَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَشَدَّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ: لَا تَخْرُجُ وَكَانَ الشَّيْخُ - يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يُرَحِّلُهَا)
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: (الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا إِلَّا أَنْ يَنْتَوِيَ أَهْلُهَا فَتَنْتَوِيَ مَعَهُمْ)
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا هشيم، أَخْبَرَنَا يحيى بن سعيد هو الأنصاري (أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالُوا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لَا تَبْرَحُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا)
وَذَكَرَ أَيْضًا (عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عطاء وجابر، كِلَاهُمَا قَالَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لَا تَخْرُجُ)
وَذَكَرَ وَكِيعٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ المغيرة، (عَنْ إبراهيم فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ بِالنَّهَارِ، وَلَا تَبِيتَ عَنْ بَيْتِهَا)
وَذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ (أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَنَقَلَهَا أَهْلُهَا، ثُمَّ سَأَلُوا، فَكُلُّهُمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ تُرَدَّ
إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَرَدَدْنَاهَا فِي نَمَطٍ) ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، ومالك، وَالشَّافِعِيِّ، وأبي حنيفة رحمهم الله وَأَصْحَابِهِمْ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وأبي عبيد، وإسحاق.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَبِهِ يَقُولُ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ، وَمِصْرَ.
وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ حَدِيثُ الفريعة بنت مالك، وَقَدْ تَلَقَّاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه بِالْقَبُولِ، وَقَضَى بِهِ بِمَحْضَرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتَلَقَّاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ طَعَنَ فِيهِ، وَلَا فِي رُوَاتِهِ، وَهَذَا مالك مَعَ تَحَرِّيهِ وَتَشَدُّدِهِ فِي الرِّوَايَةِ.
وَقَوْلُهُ لِلسَّائِلِ لَهُ عَنْ رَجُلٍ: أَثِقَةٌ هُوَ؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ ثِقَةً لَرَأَيْتُهُ فِي كُتُبِي: قَدْ أَدْخَلَهُ فِي " مُوَطَّئِهِ " وَبَنَى عَلَيْهِ مَذْهَبَهُ.
قَالُوا: وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ النِّزَاعَ بَيْنَ السَّلَفِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَمَّا السُّنَّةُ فَثَابِتَةٌ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَمُسْتَغْنًى عَنْهُ مَعَ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إِذَا نَزَلَ فِي مَسْأَلَةٍ كَانَتِ الْحُجَّةُ فِي قَوْلِ مَنْ وَافَقَتْهُ السُّنَّةُ.
وَقَالَ عبد الرزاق: أَخْبَرَنَا معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:(أَخَذَ الْمُتَرَخِّصُونَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِقَوْلِ عائشة رضي الله عنها وَأَخَذَ أَهْلُ الْعَزْمِ وَالْوَرَعِ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ) .
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ مُلَازَمَةُ الْمَنْزِلِ حَقٌّ عَلَيْهَا، أَوْ حَقٌّ لَهَا؟ قِيلَ: بَلْ هُوَ حَقٌّ عَلَيْهَا إِذَا تَرَكَهُ لَهَا الْوَرَثَةُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ ضَرَرٌ، أَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ لَهَا، فَلَوْ حَوَّلَهَا الْوُرَّاثُ، أَوْ طَلَبُوا مِنْهَا الْأُجْرَةَ لَمْ يَلْزَمْهَا السَّكَنُ وَجَازَ لَهَا التَّحَوُّلُ.
، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ هَلْ لَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ حَيْثُ شَاءَتْ، أَوْ يَلْزَمُهَا التَّحَوُّلُ إِلَى أَقْرَبِ الْمَسَاكِنِ إِلَى مَسْكَنِ الْوَفَاةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
فَإِنْ خَافَتْ هَدْمًا، أَوْ غَرَقًا، أَوْ عَدُوًّا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ حَوَّلَهَا صَاحِبُ الْمَنْزِلِ لِكَوْنِهِ عَارِيَةً رَجَعَ فِيهَا، أَوْ بِإِجَارَةٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهَا، أَوْ مَنَعَهَا السُّكْنَى تَعَدِّيًا، أَوِ امْتَنَعَ مِنْ إِجَارَتِهِ، أَوْ طَلَبَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، أَوْ لَمْ تَجِدْ مَا تَكْتَرِي بِهِ، أَوْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا مِنْ مَالِهَا فَلَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ لِأَنَّهَا حَالُ عُذْرٍ، وَلَا يَلْزَمُهَا بَذْلُ أَجْرِ الْمَسْكَنِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهَا فِعْلُ السُّكْنَى لَا تَحْصِيلُ الْمَسْكَنِ، وَإِذَا تَعَذَّرَتِ السُّكْنَى سَقَطَتْ، وَهَذَا قَوْلُ أحمد، وَالشَّافِعِيُّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلِ الْإِسْكَانُ حَقٌّ عَلَى الْوَرَثَةِ تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَعَلَى الْمِيرَاثِ أَمْ لَا حَقَّ لَهَا فِي التَّرِكَةِ سِوَى الْمِيرَاثِ؟ قِيلَ: هَذَا مَوْضُوعٌ اخْتُلِفَ فِيهِ.
فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَلَا سُكْنَى لَهَا فِي التَّرِكَةِ، وَلَكِنْ عَلَيْهَا مُلَازَمَةُ الْمَنْزِلِ إِذَا بُذِلَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ لَهَا السُّكْنَى حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْمَالِ تُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ، وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا تُبَاعُ الدَّارُ فِي دَيْنِهِ بَيْعًا يَمْنَعُهَا سُكْنَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى الْوَارِثِ أَنْ يَكْتَرِيَ لَهَا سَكَنًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْهُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ. وَإِنِ اتَّفَقَ الْوَارِثُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى نَقْلِهَا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ السُّكْنَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزِ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى إِبْطَالِهَا، بِخِلَافِ سُكْنَى النِّكَاحِ فَإِنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِدَّةِ، وَالْعِدَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِلزَّوْجَيْنِ.
وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ سُكْنَى الرَّجْعِيَّةِ كَذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى إِبْطَالِهَا، هَذَا مُقْتَضَى نَصِّ الْآيَةِ، وَهُوَ مَنْصُوصُ أحمد وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا السُّكْنَى بِكُلِّ حَالٍ حَامِلًا كَانَتْ، أَوْ حَائِلًا، فَصَارَ فِي مَذْهَبِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ:
وُجُوبُهَا لِلْحَامِلِ وَالْحَائِلِ وَإِسْقَاطُهَا فِي حَقِّهِمَا وَوُجُوبُهَا لِلْحَامِلِ دُونَ الْحَائِلِ، هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ أحمد فِي سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا.
وَأَمَّا مَذْهَبُ مالك فَإِيجَابُ السُّكْنَى لَهَا حَامِلًا كَانَتْ، أَوْ حَائِلًا، وَإِيجَابُ السُّكْنَى عَلَيْهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ، قَالَ أبو عمر: فَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ بِكِرَاءٍ؟ فَقَالَ مالك: هِيَ أَحَقُّ بِسُكْنَاهُ مِنَ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ، وَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمُتَوَفَّى إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَقْدٌ لِزَوْجِهَا وَأَرَادَ أَهْلُ الْمَسْكَنِ إِخْرَاجَهَا.
وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ لَزَوْجِهَا لَمْ يُبَعْ فِي دَيْنِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مالك: هِيَ أَحَقُّ بِالسُّكْنَى مِنَ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ إِذَا كَانَ الْمِلْكُ لِلْمَيِّتِ، أَوْ كَانَ قَدْ أَدَّى كِرَاءَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَدَّى فَفِي " التَّهْذِيبِ ": لَا سُكْنَى لَهَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَرَوَى محمد، عَنْ مالك: الْكِرَاءُ لَازِمٌ لِلْمَيِّتِ فِي مَالِهِ، وَلَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ أَحَقَّ بِهِ وَتُحَاصُّ الْوَرَثَةُ فِي السُّكْنَى وَلِلْوَرَثَةِ إِخْرَاجُهَا إِلَّا أَنْ تُحِبَّ أَنْ تَسْكُنَ فِي حِصَّتِهَا وَتُؤَدِّيَ كِرَاءَ حِصَّتِهِمْ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ:، فَإِنَّ لَهُ فِي سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَهَا السُّكْنَى حَامِلًا كَانَتْ، أَوْ حَائِلًا.
وَالثَّانِي: لَا سُكْنَى لَهَا حَامِلًا كَانَتْ، أَوْ حَائِلًا، وَيَجِبُ عِنْدَهُ مُلَازَمَتُهَا لِلْمَسْكَنِ فِي الْعِدَّةِ بَائِنًا كَانَتْ، أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا، وَمُلَازَمَةُ الْبَائِنِ لِلْمَنْزِلِ عِنْدَهُ آكَدُ مِنْ مُلَازَمَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَائِنِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ الْقَدِيمُ، وَلَا يُوجِبُهُ فِي الرَّجْعِيَّةِ بَلْ يَسْتَحِبُّهُ.
وَأَمَّا أحمد فَعِنْدَهُ مُلَازَمَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا آكَدُ مِنَ الرَّجْعِيَّةِ، وَلَا يُوجِبُهُ فِي الْبَائِنِ. وَأَوْرَدَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله عَلَى نَصِّهِ بِوُجُوبِ مُلَازَمَةِ الْمَنْزِلِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مَعَ نَصِّهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا سُؤَالًا. وَقَالُوا: كَيْفَ يَجْتَمِعُ النَّصَّانِ وَأَجَابُوا بِجَوَابَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا مُلَازَمَةُ الْمَسْكَنِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ، لَكِنْ لَوْ أُلْزِمَ الْوَارِثُ أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا
الْمُلَازَمَةُ حِينَئِذٍ، وَأَطْلَقَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ الْجَوَابَ هَكَذَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ مُلَازَمَةَ الْمَنْزِلِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ ضَرَرٌ بِأَنْ تُطَالِبَ بِالْأُجْرَةِ، أَوْ يُخْرِجَهَا الْوَارِثُ، أَوِ الْمَالِكُ فَتَسْقُطُ حِينَئِذٍ.
وَأَمَّا أَصْحَابُ أبي حنيفة فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَلَا لِلْبَائِنِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهَا لَيْلًا، وَلَا نَهَارًا، وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَتَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ، وَلَكِنْ لَا تَبِيتُ فِي مَنْزِلِهَا قَالُوا: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ نَفَقَتُهَا فِي مَالِ زَوْجِهَا.
فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ كَالزَّوْجَةِ، بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَإِنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ تَخْرُجَ بِالنَّهَارِ لِإِصْلَاحِ حَالِهَا قَالُوا: وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي يُضَافُ إِلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ قَالُوا: فَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا، أَوْ أَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمُ انْتَقَلَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ، وَالْكَوْنُ فِي بَيْتِهَا عِبَادَةٌ، وَالْعِبَادَةُ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، قَالُوا: فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ كِرَاءِ الْبَيْتِ الَّذِي هِيَ فِيهِ لِكَثْرَتِهِ فَلَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى بَيْتٍ أَقَلَّ كِرَاءً مِنْهُ، وَهَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ السَّكَنِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ السَّكَنُ عَنْهَا لِعَجْزِهَا عَنْ أُجْرَتِهِ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهَا تَسْكُنُ فِي نَصِيبِهَا مِنَ التَّرِكَةِ إِنْ كَفَاهَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا سُكْنَى عِنْدَهُمْ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَامِلًا كَانَتْ، أَوْ حَائِلًا، وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَلْزَمَ مَسْكَنَهَا الَّذِي تُوُفِّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ لَيْلًا لَا نَهَارًا، فَإِنْ بَذَلَهُ لَهَا الْوَرَثَةُ وَإِلَّا كَانَتِ الْأُجْرَةُ عَلَيْهَا، فَهَذَا تَحْرِيرُ مَذَاهِبِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ فِيهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَلَقَدْ أَصَابَ فريعة بنت مالك فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظِيرُ مَا أَصَابَ فاطمة بنت قيس فِي حَدِيثِهَا، فَقَالَ بَعْضُ الْمُنَازِعِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْمَنْزِلِ. وَقَدْ أَنْكَرَتْ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وُجُوبَ الْمَنْزِلِ وَأَفْتَتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِالِاعْتِدَادِ حَيْثُ شَاءَتْ كَمَا أَنْكَرَتْ حَدِيثَ فاطمة بنت قيس وَأَوْجَبَتِ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ مَنْ نَازَغَ فِي حَدِيثِ الفريعة قَدْ قُتِلَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلْقٌ كَثِيرٌ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَيَوْمَ مُؤْتَةَ وَغَيْرِهَا وَاعْتَدَّ أَزْوَاجُهُمْ بَعْدَهُمْ، فَلَوْ كَانَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ تُلَازِمُ مَنْزِلَهَا زَمَنَ الْعِدَّةِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَظْهَرِ الْأَشْيَاءِ وَأَبْيَنِهَا بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ هُوَ دُونَ ابْنِ عَبَّاسٍ وعائشة، فَكَيْفَ خَفِيَ هَذَا عَلَيْهِمَا وَعَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ حَكَى أَقْوَالَهُمْ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْعَمَلِ بِهِ اسْتِمْرَارًا شَائِعًا، هَذَا مِنْ أَبْعَدِ الْأَشْيَاءِ، ثُمَّ لَوْ كَانَتِ السُّنَّةُ جَارِيَةً بِذَلِكَ لَمْ تَأْتِ الفريعة تَسْتَأْذِنُهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَلْحَقَ بِأَهْلِهَا وَلَمَّا أُذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِرَدِّهَا بَعْدَ ذَهَابِهَا وَيَأْمُرُهَا بِأَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مُسْتَمِرًّا ثَابِتًا لَكَانَ قَدْ نُسِخَ بِإِذْنِهِ لَهَا فِي اللَّحَاقِ بِأَهْلِهَا، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ الْإِذْنُ بِأَمْرِهِ لَهَا بِالْمُكْثِ فِي بَيْتِهَا فَيُفْضِي إِلَى تَغْيِيرِ الْحُكْمِ مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا لَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرِيعَةِ فِي مَوْضِعٍ مُتَيَقَّنٍ.
قَالَ الْآخَرُونَ: لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُوجِبُ رَدَّ هَذِهِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي تَلَقَّاهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَأَكَابِرُ الصَّحَابَةِ بِالْقَبُولِ وَنَفَّذَهَا عثمان وَحَكَمَ بِهَا، وَلَوْ كُنَّا لَا نَقْبَلُ رِوَايَةَ النِّسَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَذَهَبَتْ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ رَوَاهَا عَنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ، وَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْبَغِي وُجُوبُ الِاعْتِدَادِ فِي الْمَنْزِلِ حَتَّى تَكُونَ السُّنَّةُ مُخَالِفَةً لَهُ، بَلْ غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِحُكْمٍ سَكَتَ عَنْهُ الْكِتَابُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا تُرَدُّ بِهِ السُّنَنُ، وَهَذَا الَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنِهِ أَنْ تُتْرَكَ السُّنَّةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَظِيرُ حُكْمِهَا فِي الْكِتَابِ.
وَأَمَّا تَرْكُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها لِحَدِيثِ الفريعة - فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهَا، وَلَوْ بَلَغَهَا فَلَعَلَّهَا تَأَوَّلَتْهُ، وَلَوْ لَمْ تَتَأَوَّلْهُ فَلَعَلَّهُ قَامَ عِنْدَهَا مُعَارِضٌ لَهُ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَالْقَائِلُونَ بِهِ فِي تَرْكِهِمْ لِتَرْكِهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ أَعْذَرُ مِنَ التَّارِكِينَ لَهُ لِتَرْكِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ، فَبَيْنَ التَّرْكَيْنِ فَرْقٌ عَظِيمٌ.
وَأَمَّا مَنْ قُتِلَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ فَلَمْ يَأْتِ قَطُّ أَنَّ نِسَاءَهُمْ كُنَّ يَعْتَدِدْنَ حَيْثُ شِئْنَ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُنَّ مَا يُخَالِفُ حُكْمَ حَدِيثِ فُرَيْعَةَ الْبَتَّةَ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ لِأَمْرٍ لَا يُعْلَمُ كَيْفَ كَانَ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَعْتَدِدْنَ حَيْثُ