الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قَصْدٌ جَرَى فِي الِانْتِفَاعِ بِغَيْرِ الزَّرْعِ، فَذَلِكَ تَبَعٌ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ مَنْفَعَةُ شَقِّ الْأَرْضِ وَبَذْرِهَا وَفِلَاحَتِهَا وَالْعَيْنُ تَتَوَلَّدُ مِنْ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ لِحَفْرِ بِئْرٍ، فَخَرَجَ مِنْهَا الْمَاءُ، فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ نَفْسُ الْعَمَلِ لَا الْمَاءُ.
قِيلَ: مُسْتَأْجِرُ الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ مَقْصُودٌ فِي غَيْرِ الْمَغَلِّ، وَالْعَمَلُ وَسِيلَةٌ مَقْصُودَةٌ لِغَيْرِهَا، لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، بَلْ هُوَ تَعَبٌ وَمَشَقَّةٌ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنَ الْحَبِّ بِسَقْيِهِ وَعَمَلِهِ، وَهَكَذَا مُسْتَأْجِرُ الشَّاةِ لِلَبَنِهَا سَوَاءٌ مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ لَبَنِهَا بِعَلْفِهَا وَحِفْظِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا الْبَتَّةَ إِلَّا مَا لَا تُنَاطُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنَ الْفُرُوقِ الْمُلْغَاةِ، وَتَنْظِيرُكُمْ بِالِاسْتِئْجَارِ لِحَفْرِ الْبِئْرِ تَنْظِيرٌ فَاسِدٌ، بَلْ نَظِيرُ حَفْرِ الْبِئْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَكَّارًا لِحَرْثِ أَرْضِهِ وَيَبْذُرَهَا وَيَسْقِيَهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَنْظِيرَ إِجَارَةِ الْحَيَوَانِ لِلَبَنِهِ بِإِجَارَةِ الْأَرْضِ لِمَغَلِّهَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ أَصَحُّ مِنَ التَّنْظِيرِ بِإِجَارَةِ الْخُبْزِ لِلْأَكْلِ.
يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: وَهُوَ أَنَّ الْغَرَرَ وَالْخَطَرَ الَّذِي فِي إِجَارَةِ الْأَرْضِ لِحُصُولِ مَغَلِّهَا أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْغَرَرِ الَّذِي فِي إِجَارَةِ الْحَيَوَانِ لِلَبَنِهِ، فَإِنَّ الْآفَاتِ وَالْمَوَانِعَ الَّتِي تَعْرِضُ لِلزَّرْعِ أَكْثَرُ مِنْ آفَاتِ اللَّبَنِ، فَإِذَا اغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي إِجَارَةِ الْأَرْضِ؛ فَلَأَنْ يُغْتَفَرَ فِي إِجَارَةِ الْحَيَوَانِ لِلَبَنِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
[فصل الِاخْتِلَافُ فِي الْعَقْدِ عَلَى اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ]
فَصْلٌ.
فَالْأَقْوَالُ فِي الْعَقْدِ عَلَى اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ ثَلَاثَةٌ.
أَحَدُهَا: مَنْعُهُ بَيْعًا وَإِجَارَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ أحمد وَالشَّافِعِيِّ وأبي حنيفة.
وَالثَّانِي: جَوَازُهُ بَيْعًا وَإِجَارَةً.
وَالثَّالِثُ: جَوَازُهُ إِجَارَةً لَا بَيْعًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا رحمه الله.
وَفِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ حَدِيثَانِ، أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ عمر بن فروخ
وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ حبيب بن الزبير، عَنْ عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا " «نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، أَوْ سَمْنٌ فِي لَبَنٍ، أَوْ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ» " وَقَدْ رَوَاهُ أبو إسحاق عَنْ عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مِنْ قَوْلِهِ دُونَ ذِكْرِ السَّمْنِ، رَوَاهُ البيهقي وَغَيْرُهُ.
وَالثَّانِي: حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جهضم بن عبد الله اليماني، عَنْ محمد بن إبراهيم الباهلي، عَنْ محمد بن زيد العبدي، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:" «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَمَّا فِي ضُرُوعِهَا إِلَّا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقَسَّمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ» "
وَلَكِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَالنَّهْيُ عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ ثَابِتٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَالنَّهْيُ عَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ، وَهُوَ آبِقٌ مَعْلُومٌ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَالنَّهْيُ عَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ وَمُخَاطَرَةٍ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَاتُ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مَعَ انْتِقَالِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي وَثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَتَعْيِينِهِ لَهُ، وَانْقِطَاعِ تَعَلُّقِ غَيْرِهِ بِهِ، فَالْمَغَانِمُ وَالصَّدَقَاتُ قَبْلَ قَبْضِهَا أَوْلَى بِالنَّهْيِ. وَأَمَّا ضَرْبَةُ الْغَائِصِ فَغَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ.
وَأَمَّا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ بَيْعُ لَبَنٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، فَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ مُطْلَقَةٍ مِنْ هَذِهِ الصَّبْرَةِ
وَهَذَا النَّوْعُ لَهُ جِهَتَانِ: جِهَةُ إِطْلَاقٍ وَجِهَةُ تَعْيِينٍ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْلَمَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَإِذَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الشَّاةِ وَقَدْ صَارَتْ لَبُونًا جَازَ، وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ:( «وَنَهَى عَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا إِلَّا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ» ) فَهَذَا إِذْنٌ لِبَيْعِهِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مُعَيَّنًا أَوْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْصَلْ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ سِوَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَلَوْ كَانَ التَّعْيِينُ شَرْطًا لَذَكَرَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ بَاعَهُ لَبَنَهَا أَيَّامًا مَعْلُومَةً مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ.
قِيلَ: إِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إِلَّا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ، وَكَانَ لَبَنُهَا مَعْلُومًا لَا يَخْتَلِفُ بِالْعَادَةِ جَازَ بَيْعُهُ أَيَّامًا، وَجَرَى حُكْمُهُ بِالْعَادَةِ مَجْرَى كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فَمَرَّةً يَزِيدُ، وَمَرَّةً يَنْقُصُ، أَوْ يَنْقَطِعُ فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ اللَّبَنَ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ بِعَلْفِهِ الدَّابَّةَ، كَمَا يَحْدُثُ الْحَبُّ عَلَى مِلْكِهِ بِالسَّقْيِ، فَلَا غَرَرَ فِي ذَلِكَ، نَعَمْ إِنْ نَقَصَ اللَّبَنُ عَنِ الْعَادَةِ، أَوِ انْقَطَعَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نُقْصَانِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْإِجَارَةِ، أَوْ تَعْطِيلِهَا يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الْفَسْخِ، أَوْ يَنْقُصُ عَنْهُ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابن عقيل، وَصَاحِبُ " الْمُغْنِي ": إِذَا اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ لَزِمَتْهُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمَنْفَعَةِ نَاقِصَةً، فَلَزِمَهُ جَمِيعُ الْعِوَضِ، كَمَا لَوْ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ مَعِيبًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنَ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَذَلَ الْعِوَضَ الْكَامِلَ فِي مَنْفَعَةٍ كَامِلَةٍ سَلِيمَةٍ، فَإِذَا لَمْ تُسَلَّمْ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ جَمِيعُ الْعِوَضِ.
وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ رَضِيَ بِالْمَنْفَعَةِ مَعِيبَةً، فَهُوَ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِالْبَيْعِ مَعِيبًا، جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِنْ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا، بِأَنْ يَأْخُذَ أَرْشَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، فَرِضَاهُ بِالْعَيْبِ مَعَ الْأَرْشِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ.
الثَّانِي: إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَا أَرْشَ لِمُمْسِكٍ لَهُ الرَّدُّ، لَمْ يَلْزَمْ سُقُوطُ الْأَرْشِ فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ رَدُّ الْمَنْفَعَةِ كَمَا قَبَضَهَا؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي رَدِّ بَاقِي الْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنَ الْإِمْسَاكِ، فَإِلْزَامُهُ بِجَمِيعِ الْأُجْرَةِ مَعَ الْعَيْبِ الْمُنْقِصِ ظَاهِرًا، وَمَنْعُهُ مِنِ اسْتِدْرَاكِ ظِلَامَتِهِ إِلَّا بِالْفَسْخِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا لِمُسْتَأْجِرِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ، أَوْ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ لِلسَّفَرِ فَتَتَعَيَّبُ فِي الطَّرِيقِ، فَالصَّوَابُ: أَنَّهُ لَا أَرْشَ فِي الْمَبِيعِ لِمُمْسِكٍ لَهُ الرَّدُّ، وَأَنَّهُ فِي الْإِجَارَةِ لَهُ الْأَرْشُ.
وَالَّذِي يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ، وَهِيَ أَنْ يَسْقُطَ عَنْ مُشْتَرِي الثِّمَارِ مِنَ الثَّمَرَةِ، بِقَدْرِ مَا أَذْهَبَتْ عَلَيْهِ الْجَائِحَةُ مِنْ ثَمَرَتِهِ، وَيُمْسِكَ الْبَاقِيَ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الثِّمَارَ لَمْ تَسْتَكْمِلْ صَلَاحَهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَخْذِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ سَوَاءٌ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُصَرَّاةِ خَيَّرَ الْمُشْتَرِيَ بَيْنَ الرَّدِّ وَبَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِلَا أَرْشٍ، وَفِي الثِّمَارِ جَعَلَ لَهُ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْأَرْشِ، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْإِجَارَةُ أَشْبَهُ بِبَيْعِ الثِّمَارِ، وَقَدْ ظَهَرَ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّبَهِ فِي وَضْعِ الشَّارِعِ الْجَائِحَةَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَنَافِعُ لَا تُوضَعُ فِيهَا الْجَائِحَةُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
قِيلَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ فِي الْمَنَافِعِ، وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَقَدْ وَهِمَ، قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ وَضْعِ الْجَائِحَةِ فِي الْمَبِيعِ كَمَا فِي الثَّمَرِ الْمُشْتَرَى، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ تَلَفِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْعَقْدِ أَوْ فَوَاتِهَا.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي الْإِجَارَةِ إِذَا تَلِفَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنِ اسْتِيفَائِهَا، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ مِثْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ حَيَوَانًا فَيَمُوتُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ فَتَتْلَفَ الصَّبْرَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّمْيِيزِ، فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِلَا نِزَاعٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُسْتَأْجِرُ مِنَ ازْدِرَاعِ الْأَرْضِ لِآفَةٍ حَصَلَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ.