الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَكَانَ فَصْلَ النِّزَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلَوِ اتَّفَقَتْ آثَارُ الصَّحَابَةِ، لَكَانَتْ فَصْلًا أَيْضًا.
وَأَمَّا فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ فَمُتَجَاذَبٌ، فَإِنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ إِذَا هَدَمَتْ إِصَابَتُهُ الثَّلَاثَ، وَأَعَادَتْهَا إِلَى الْأَوَّلِ بِطَلَاقٍ جَدِيدٍ، فَمَا دُونَهَا أَوْلَى، وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَقُولُونَ: لَمَّا كَانَتْ إِصَابَةُ الثَّانِي شَرْطًا فِي حِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ هَدْمِهَا وَإِعَادَتِهَا عَلَى طَلَاقٍ جَدِيدٍ، وَأَمَّا مَنْ طُلِّقَتْ دُونَ الثَّلَاثِ، فَلَمْ تُصَادِفْ إِصَابَةُ الثَّانِي فِيهَا تَحْرِيمًا يُزِيلُهُ، وَلَا هِيَ شَرْطٌ فِي الْحِلِّ لِلْأَوَّلِ، فَلَمْ تَهْدِمْ شَيْئًا، فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوَّلِ، وَإِحْلَالُهَا لَهُ، فَعَادَتْ عَلَى مَا بَقِيَ، كَمَا لَوْ لَمْ يُصِبْهَا، فَإِنَّ إِصَابَتَهُ لَا أَثَرَ لَهَا الْبَتَّةَ، وَلَا نِكَاحَهُ، وَطَلَاقُهُ مُعَلَّقٌ بِهَا بِوَجْهٍ مَا، وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا فِيهِ.
[حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي]
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": عَنْ عائشة رضي الله عنها، ( «أَنَّ امْرَأَةَ رفاعة القرظي جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي، فَبَتَّ طَلَاقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عبد الرحمن بن الزبير القرظي، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رفاعة. لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» ) .
وَفِي " سُنَنِ النَّسَائِيِّ ": عَنْ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «الْعُسَيْلَةُ الْجِمَاعُ وَلَوْ لَمْ يُنْزِلْ» ) .
وَفِيهَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ( «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَيَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ، فَيُغْلِقُ الْبَابَ، وَيُرْخِي السِّتْرَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا؟ قَالَ: لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعَهَا الْآخَرُ» ) .
فَتَضَمَّنَ هَذَا الْحُكْمُ أُمُورًا:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا.
الثَّانِي: أَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ الثَّانِي شَرْطٌ فِي حِلِّهَا لِلْأَوَّلِ، خِلَافًا لِمَنِ اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ مَرْدُودٌ بِالسُّنَّةِ الَّتِي لَا مَرَدَّ لَهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ، بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْعَلْ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ نِكَاحُ رَغْبَةٍ كَافِيًا، وَلَا اتِّصَالَ الْخَلْوَةِ بِهِ، وَإِغْلَاقَ الْأَبْوَابِ وَإِرْخَاءَ السُّتُورِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ الْوَطْءُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ عَقْدِ التَّحْلِيلِ الَّذِي لَا غَرَضَ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فِيهِ سِوَى صُورَةِ الْعَقْدِ، وَإِحْلَالِهَا لِلْأَوَّلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ عَقْدُ الرَّغْبَةِ الْمَقْصُودُ لِلدَّوَامِ غَيْرَ كَافٍ حَتَّى يُوجَدَ فِيهِ الْوَطْءُ، فَكَيْفَ يَكْفِي عَقْدُ تَيْسٍ مُسْتَعَارٍ لِيُحِلَّهَا لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي إِمْسَاكِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ عَارِيَةٌ كَحِمَارِ الْعَشْرِيِّينَ الْمُسْتَعَارِ لِلضِّرَابِ؟ .