الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَتَابُعُ الشَّهْرَيْنِ، وَالثَّانِي: وُقُوعُ صِيَامِهِمَا قَبْلَ التَّمَاسِّ، فَلَا يَكُونُ قَدْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ إِلَّا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ.
[فَصْلٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي إِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ التَّمْلِيكُ وَلَا إِطْعَامُهُمْ جُمْلَةً أَوْ مُفَرَّقِينَ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سبحانه وتعالى أَطْلَقَ إِطْعَامَ الْمَسَاكِينِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَدْرِ، وَلَا تَتَابُعٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُمْ فَغَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكِ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ جَازَ، وَكَانَ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِ اللَّهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، ومالك، وأبي حنيفة، وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ أَطْعَمَهُمْ جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقِينَ.
[فَصْلٌ لَا بُدَّ مِنْ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُخْتَلِفِينَ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنِ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ السِّتِّينَ، فَلَوْ أَطْعَمَ وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا لَمْ يَجْزِهِ، إِلَّا عَنْ وَاحِدٍ، هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ: مالك، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْوَاجِبَ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَلَوْ لِوَاحِدِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة. وَالثَّالِثَةُ: إِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا أَجْزَأَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ، وَهِيَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ.
[فَصْلٌ لَا تُدْفَعُ الْكَفَّارَةُ إِلَّا إِلَى الْمَسَاكِينِ وَيَدْخُلُ فِيهِمُ الْفُقَرَاءُ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ دَفْعُ الْكَفَّارَةِ إِلَّا إِلَى الْمَسَاكِينِ وَيَدْخُلُ فِيهِمُ الْفُقَرَاءُ كَمَا يَدْخُلُ الْمَسَاكِينُ فِي لَفْظِ الْفُقَرَاءِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَعَمَّمَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمُ الْحُكْمَ فِي كُلِّ مَنْ يَأْخُذُ مِنَ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ: الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ وَالْغَارِمُ لِمَصْلَحَتِهِ وَالْمُكَاتَبُ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ اخْتِصَاصُهَا بِالْمَسَاكِينِ فَلَا يَتَعَدَّاهُمْ.
[فَصْلٌ تَرْجِيحُ الْمُصَنِّفِ اشْتِرَاطَ الْإِيمَانِ فِي الرَّقَبَةِ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَطْلَقَ الرَّقَبَةَ هَاهُنَا وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْإِيمَانِ وَقَيَّدَهَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِالْإِيمَانِ، فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَشَرَطَهُ الشَّافِعِيُّ، ومالك، وأحمد، فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أبو
حنيفة، وَلَا أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوا الْإِيمَانَ قَالُوا:
لَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، كَمَا بَيَّنَهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، بَلْ يُطْلَقُ مَا أَطْلَقَهُ، وَيُقَيَّدُ مَا قَيَّدَهُ فَيُعْمَلُ بِالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ. وَزَادَتِ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِيمَانِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ نَسْخٌ، وَالْقُرْآنُ لَا يُنْسَخُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ، أَوْ خَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ.
قَالَ الْآخَرُونَ: - وَاللَّفْظُ لِلشَّافِعِيِّ - شَرَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ مُؤْمِنَةً، كَمَا شَرَطَ الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ، وَأَطْلَقَ الشُّهُودَ فِي مَوَاضِعَ، فَاسْتَدْلَلْنَا بِهِ عَلَى أَنَّ مَا أُطْلِقَ مِنَ الشَّهَادَاتِ عَلَى مِثْلِ مَعْنَى مَا شُرِطَ، وَإِنَّمَا رَدَّ اللَّهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، لَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَفَرَضَ اللَّهُ الصَّدَقَاتِ، فَلَمْ تَجُزْ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ، فَكَذَلِكَ مَا فَرَضَ مِنَ الرِّقَابِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِمُؤْمِنِ، فَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ لِسَانَ الْعَرَبِ يَقْتَضِي حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، فَحُمِلَ عُرْفُ الشَّرْعِ عَلَى مُقْتَضَى لِسَانِهِمْ.
وَهَاهُنَا أَمْرَانِ
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بَيَانٌ لَا قِيَاسٌ.
الثَّانِي: أَنَّهُ إِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اتِّحَادُ الْحُكْمِ. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُطْلَقِ إِلَّا أَصْلٌ وَاحِدٌ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لَمْ يُحْمَلْ إِطْلَاقُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ يُعَيِّنُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ نَذَرَ رَقَبَةً مُطْلَقَةً لَمْ يَجْزِهِ إِلَّا مُؤْمِنَةٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَأَنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَوَاجِبُ الْعِتْقِ، لَا يَتَأَدَّى إِلَّا بِعِتْقِ الْمُسْلِمِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ ( «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِمَنِ اسْتَفْتَى فِي عِتْقِ رَقَبَةٍ مَنْذُورَةٍ ائْتِنِي بِهَا، فَسَأَلَهَا أَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ) قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا وَصَفَتِ الْإِيمَانَ، أَمَرَ بِعِتْقِهَا. انْتَهَى.