الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ الْحَبُّ دَيْنًا لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، يُؤْخَذُ مِنَ التَّرِكَةِ مَعَ سِعَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْكَامِلَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ تَأْبَى ذَلِكَ كُلَّ الْإِبَاءِ، وَتَدْفَعُهُ كُلَّ الدَّفْعِ كَمَا يَدْفَعُهُ الْعَقْلُ وَالْعُرْفُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ تَسْقُطُ بِالَّذِي لَهُ عَلَيْهَا مِنَ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ إِيَّاهَا، وَلَا اقْتَرَضَهُ مِنْهَا حَتَّى يَثْبُتَ فِي ذِمَّتِهَا، بَلْ هِيَ مَعَهُ فِيهِ عَلَى حُكْمِ الضَّيْفِ لِامْتِنَاعِ الْمُعَاوَضَةِ عَنِ الْحَبِّ بِذَلِكَ شَرْعًا. وَلَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُهُ فِي ذِمَّتِهَا لَمَا أَمْكَنَتِ الْمُقَاصَّةُ لِاخْتِلَافِ الدَّيْنَيْنِ جِنْسًا، وَالْمُقَاصَّةُ تَعْتَمِدُ اتِّفَاقَهُمَا. هَذَا وَإِنْ قِيلَ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى النَّفَقَةِ مُطْلَقًا لَا بِدَرَاهِمَ وَلَا بِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عَمَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ وَلَمْ يَجِبْ، فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَسْتَقِرَّ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَيُعَاوِضُ عَنْهَا كَمَا يُعَاوِضُ عَمَّا هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ مِنَ الدُّيُونِ، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ مَخْلَصًا قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا إِذَا أَكَلَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا. قَالَ الرافعي فِي " مُحَرَّرِهِ ": أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ السُّقُوطُ، وَصَحَّحَهُ النووي لِجَرَيَانِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ، وَاكْتِفَاءِ الزَّوْجَةِ بِهِ. وَقَالَ الرافعي فِي " الشَّرْحِ الْكَبِيرِ "، وَ " الْأَوْسَطِ ": فِيهِ وَجْهَانِ. أَقْيَسُهُمَا: أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوفِ الْوَاجِبَ وَتَطَوَّعَ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّشِيدَةِ الَّتِي أَذِنَ لَهَا قَيِّمُهَا، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا لَمْ تَسْقُطْ وَجْهًا وَاحِدًا.
[فصل مَا اسْتُنْبِطَ مِنْ حَدِيثِ شَكْوَى هِنْدٍ]
فَصْلٌ وَفِي حَدِيثِ هند: دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الرَّجُلِ فِي غَرِيمِهِ مَا فِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ عِنْدَ شَكْوَاهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِغِيبَةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ فِي خَصْمِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَفَرُّدِ الْأَبِ بِنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ وَلَا تُشَارِكُهُ فِيهَا الْأُمُّ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا قَوْلٌ شَاذٌّ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ أَنَّ عَلَى الْأُمِّ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مِيرَاثِهَا، وَزَعَمَ
صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ طَرَّدَ الْقِيَاسَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَهُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُمَا وَارِثَانِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ وَأُخْتٌ أَوْ أُمٌّ وَجَدٌّ أَوِ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا، فَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْأُمُّ.
وَالصَّحِيحُ: انْفِرَادُ الْعَصَبَةِ بِالنَّفَقَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا يَنْفَرِدُ الْأَبُ دُونَ الْأُمِّ بِالْإِنْفَاقِ، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، فَإِنَّ الْعَصَبَةَ تَنْفَرِدُ بِحَمْلِ الْعَقْلِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَوِلَايَةِ الْمَوْتِ وَالْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ أُمٌّ وَجَدٌّ أَوْ أَبٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أحمد وَهِيَ الصَّحِيحَةُ فِي الدَّلِيلِ، وَكَذَلِكَ إِنِ اجْتَمَعَ ابْنٌ وَبِنْتٌ، أَوْ أُمٌّ وَابْنٌ، أَوْ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ عَلَى الِابْنِ لِأَنَّهُ الْعَصَبَةُ، وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أحمد. وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، وَقَالَ أبو حنيفة: النَّفَقَةُ فِي مَسْأَلَةِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُرْبِ، وَفِي مَسْأَلَةِ بِنْتٍ وَابْنِ ابْنٍ: النَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، وَفِي مَسْأَلَةِ أُمٍّ وَبِنْتٍ عَلَى الْأُمِّ الرُّبُعُ وَالْبَاقِي عَلَى الْبِنْتِ، وَهُوَ قَوْلُ أحمد، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَنْفَرِدُ بِهَا الْبِنْتُ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عَصَبَةً مَعَ أَخِيهَا، وَالصَّحِيحُ: انْفِرَادُ الْعَصَبَةِ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْوَارِثُ الْمُطْلَقُ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَالْأَقَارِبِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنَّ لِمَنْ لَهُ النَّفَقَةَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِنَفْسِهِ إِذَا مَنَعَهُ إِيَّاهَا مَنْ هِيَ عَلَيْهِ.
وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أبا سفيان كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْأَلْهَا الْبَيِّنَةَ، وَلَا يُعْطَى الْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فَتْوَى مِنْهُ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الظَّفْرِ، وَأَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ إِذَا ظَفِرَ بِهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ الَّذِي جَحَدَهُ إِيَّاهُ، وَلَا يَدُلُّ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ سَبَبَ الْحَقِّ هَاهُنَا ظَاهِرٌ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ فَلَا يَكُونُ الْأَخْذُ خِيَانَةً فِي الظَّاهِرِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ قَوْلُ