الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْهُ فِي الذِّمِّيِّ يَمُرُّ بِالْخَمْرِ عَلَى الْعَاشِرِ، قَالَ: يُضَاعِفُ عَلَيْهِ الْعُشُورَ.
قَالَ أبو عبيد: وَكَانَ أبو حنيفة يَقُولُ: إِذَا مُرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِالْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ، عَشَّرَ الْخَمْرَ، وَلَمْ يُعَشِّرِ الْخَنَازِيرَ، سَمِعْتُ محمد بن الحسن يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْهُ، قَالَ أبو عبيد: وَقَوْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنهما أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ]
فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : عَنْ أبي مسعود، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» ) .
وَفِي (صَحِيحِ مسلم) : عَنْ أبي الزبير، قَالَ:( «سَأَلْتُ جابرا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ، فَقَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ» ) .
وَفِي (سُنَنِ أبي داود) : عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ» ) .
وَفِي (صَحِيحِ مسلم) : مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ» ) .
فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ السُّنَنُ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ.
أَحَدُهَا: تَحْرِيمُ بَيْعِ الْكَلْبِ، وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ كَلْبٍ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا لِلصَّيْدِ، أَوْ لِلْمَاشِيَةِ، أَوْ لِلْحَرْثِ، وَهَذَا مَذْهَبُ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَاطِبَةً، وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ عَنْ أَصْحَابِ مالك، وأبي حنيفة، فَجَوَّزَ أَصْحَابُ أبي حنيفة بَيْعَ الْكِلَابِ، وَأَكْلَ أَثْمَانِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ مَا أُذِنَ فِي اتِّخَاذِهِ مِنَ الْكِلَابِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُكْرَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَحْرُمُ، انْتَهَى.
وَعَقَدَ بَعْضُهُمْ فَصْلًا لِمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَبَنَى عَلَيْهِ اخْتِلَافَهُمْ فِي بَيْعِ الْكَلْبِ، فَقَالَ: مَا كَانَتْ مَنَافِعُهُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةً لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْدُومِ حِسًّا، وَالْمَمْنُوعِ شَرْعًا، وَمَا تَنَوَّعَتْ مَنَافِعُهُ إِلَى مُحَلَّلَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْعَيْنِ خَاصَّةً، كَانَ الِاعْتِبَارُ بِهَا - وَالْحُكْمُ تَابِعٌ لَهَا - فَاعْتُبِرَ نَوْعُهَا، وَصَارَ الْآخَرُ كَالْمَعْدُومِ. وَإِنْ تَوَزَّعَتْ فِي النَّوْعَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ مَا حَرُمَ مِنْهَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ يَصِيرُ مَجْهُولًا.
قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةُ بَيْعِ كَلْبِ الصَّيْدِ، فَإِذَا بُنِيَ الْخِلَافُ فِيهَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، قِيلَ: فِي الْكَلْبِ مِنَ الْمَنَافِعِ كَذَا وَكَذَا، وَعُدِّدَتْ جُمْلَةُ مَنَافِعِهِ، ثُمَّ نُظِرَ فِيهَا، فَمَنْ رَأَى أَنَّ جُمْلَتَهَا مُحَرَّمَةٌ، مَنَعَ، وَمَنْ رَأَى جَمِيعَهَا مُحَلَّلَةً، أَجَازَ، وَمَنْ رَآهَا مُتَنَوِّعَةً، نَظَرَ: هَلِ الْمَقْصُودُ الْمُحَلَّلُ، أَوِ الْمُحَرَّمُ، فَجَعَلَ الْحُكْمَ لِلْمَقْصُودِ، وَمَنْ رَأَى مَنْفَعَةً وَاحِدَةً مِنْهَا مُحَرَّمَةً وَهِيَ مَقْصُودَةٌ، مَنَعَ أَيْضًا، وَمَنِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ كَوْنُهَا مَقْصُودَةً، وَقَفَ أَوْ كَرِهَ، فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّأْصِيلَ وَالتَّفْصِيلَ، وَطَابِقْ بَيْنَهُمَا يَظْهَرْ لَكَ مَا فِيهِمَا مِنَ التَّنَاقُضِ وَالْخَلَلِ، وَأَنَّ بِنَاءَ بَيْعِ كَلْبِ الصَّيْدِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مِنْ أَفْسَدِ الْبِنَاءِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: مَنْ رَأَى أَنَّ جُمْلَةَ مَنَافِعِ كَلْبِ الصَّيْدِ مُحَرَّمَةٌ بَعْدَ
تَعْدِيدِهَا، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ قَطُّ، وَقَدِ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى إِبَاحَةِ مَنَافِعِ كَلْبِ الصَّيْدِ مِنَ الِاصْطِيَادِ وَالْحِرَاسَةِ، وَهُمَا جُلُّ مَنَافِعِهِ، وَلَا يُقْتَنَى إِلَّا لِذَلِكَ، فَمَنِ الَّذِي رَأَى مَنَافِعَهُ كُلَّهَا مُحَرَّمَةٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُرَادَ مَنَافِعُهُ الشَّرْعِيَّةُ؟ فَإِنَّ إِعَارَتَهُ جَائِزَةٌ.
وَقَوْلُهُ: وَمَنْ رَأَى جَمِيعَهَا مُحَلَّلَةً، أَجَازَ، كَلَامٌ فَاسِدٌ أَيْضًا، فَإِنَّ مَنَافِعَهُ الْمَذْكُورَةَ مُحَلَّلَةٌ اتِّفَاقًا، وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَمَنْ رَآهَا مُتَنَوِّعَةً، نَظَرَ، هَلِ الْمَقْصُودُ الْمُحَلَّلُ أَوِ الْمُحَرَّمُ؟ كَلَامٌ لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ الْبَتَّةَ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ كَلْبِ الصَّيْدِ هِيَ الِاصْطِيَادُ دُونَ الْحِرَاسَةِ، فَأَيْنَ التَّنَوُّعُ وَمَا يُقَدَّرُ فِي الْمَنَافِعِ مِنَ التَّحْرِيمِ يُقَدَّرُ مِثْلُهُ فِي الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ؟ وَقَوْلُهُ: وَمَنْ رَأَى مَنْفَعَةً وَاحِدَةً مُحَرَّمَةً وَهِيَ مَقْصُودَةٌ مَنَعَ. أَظْهَرُ فَسَادًا مِمَّا قَبْلَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ مُشْتَرِيَهُ قَصَدَهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَصَدَ مَنْفَعَةً مُحَرَّمَةً مِنْ سَائِرِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَتَبَيَّنَ فَسَادُ هَذَا التَّأْصِيلِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ الصَّحِيحَ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ الصَّرِيحُ الَّذِي لَا مُعَارِضَ لَهُ الْبَتَّةَ مِنْ تَحْرِيمِ بَيْعِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَلْبُ الصَّيْدِ مُسْتَثْنًى مِنَ النَّوْعِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الترمذي، مِنْ حَدِيثِ جابر رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، إِلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ» ) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنِي إبراهيم بن الحسن المصيصي، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أبي الزبير، عَنْ جابر رضي الله عنه أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ، إِلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ» ) .
وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا يحيى بن أيوب، حَدَّثَنَا المثنى بن الصباح، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «ثَمَنُ الْكَلْبِ سُحْتٌ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» ) .
وَقَالَ ابن وهب: عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «ثَلَاثٌ هُنَّ سُحْتٌ: حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَمَهْرُ الزَّانِيَةِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ» ) .
وَقَالَ ابن وهب: حَدَّثَنِي الشمر بن عبد الله بن ضميرة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ( «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ» ) .
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَيْضًا، أَنَّ جابرا أَحَدُ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَقَدْ رَخَّصَ جابر نَفْسُهُ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ صَالِحٌ لِتَخْصِيصِ عُمُومِ الْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ حُجَّةً، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَعَهُ النَّصُّ بِاسْتِثْنَائِهِ وَالْقِيَاسُ؟ وَأَيْضًا لِأَنَّهُ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَيَصِحُّ نَقْلُ الْيَدِ فِيهِ بِالْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْهِبَةِ، وَتَجُوزُ إِعَارَتُهُ وَإِجَارَتُهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ،
وَهُمَا وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ، فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اسْتِثْنَاءُ كَلْبِ الصَّيْدِ بِوَجْهٍ: أَمَّا حَدِيثُ جابر رضي الله عنه فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ: هَذَا مِنَ الحسن بن أبي جعفر، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى جابر. وَقَالَ الترمذي: لَا يَصِحُّ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه هَذَا لَا يَصِحُّ، أبو المهزم ضَعِيفٌ، يُرِيدُ رَاوِيَهُ عَنْهُ. وَقَالَ البيهقي: رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وأبو جحيفة، اللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ فِي اسْتِثْنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ لَا يَصِحُّ وَكَأَنَّ مَنْ رَوَاهُ أَرَادَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنِ اقْتِنَائِهِ فَشُبِّهَ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أبي الزبير، فَهُوَ الَّذِي ضَعَّفَهُ الْإِمَامُ أحمد رحمه الله بالحسن بن أبي جعفر، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ طَرِيقُ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ أَعَلَّهُ ابْنُ حَزْمٍ، بِأَنَّ أبا الزبير لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالسَّمَاعِ مِنْ جابر، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَلَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ الليث عَنْهُ. وَأَعَلَّهُ البيهقي بِأَنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ وَهِمَ مِنِ اسْتِثْنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ مِمَّا نُهِيَ عَنِ اقْتِنَائِهِ مِنَ الْكِلَابِ فَنَقَلَهُ إِلَى الْبَيْعِ.
قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ حَدِيثِ جابر هَذَا، وَأَنَّهُ خُلِّطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:( «أَرْبَعٌ مِنَ السُّحْتِ: ضِرَابُ الْفَحْلِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ» ) . وَهَذَا عِلَّةٌ أَيْضًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنِ اسْتِثْنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ، فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْمَوْقُوفِ وَالْمَرْفُوعِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ المثنى بن الصباح، عَنْ عطاء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ يحيى بن أيوب، وَقَدْ شَهِدَ مالك عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ، وَجَرَّحَهُ الْإِمَامُ
أحمد. وَفِيهِ المثنى بن الصباح، وَضَعْفُهُ عِنْدَهُمْ مَشْهُورٌ، وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْحَدِيثِ، مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، حَدَّثَنَا الحسن بن أحمد بن حبيب، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أسباط، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: ( «أَرْبَعٌ مِنَ السُّحْتِ: ضِرَابُ الْفَحْلِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ» ) .
وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَلَا يُدْرَى مَنْ أَخْبَرَ ابن وهب، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَلَا مَنْ أَخْبَرَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ علي رضي الله عنه فَفِيهِ ابن ضميرة فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآثَارِ السَّاقِطَةِ الْمَعْلُولَةِ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْآثَارِ الَّتِي رَوَاهَا الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: إِنَّ نَقْلَهَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلَافُهَا الْبَتَّةَ، بَلْ هَذَا جابر، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، يَقُولُونَ: ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ.
قَالَ وَكِيعٌ: حَدَّثَنَا إسرائيل، عَنْ عبد الكريم، عَنْ قيس بن حبتر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَرْفَعُهُ:( «ثَمَنُ الْكَلْبِ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْخَمْرِ حَرَامٌ» ) .
وَهَذَا أَقَلُّ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا قِيَاسُ الْكَلْبِ عَلَى الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، فَمِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ، بَلْ قِيَاسُهُ عَلَى الْخِنْزِيرِ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الشَّبَهَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخِنْزِيرِ أَقْرَبُ مِنَ الشَّبَهِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَلَوْ تَعَارَضَ الْقِيَاسَانِ لَكَانَ الْقِيَاسُ الْمُؤَيَّدُ بِالنَّصِّ