الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاحِدَةً بَائِنَةً، فَإِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَ الرَّجْعَةِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إِثْبَاتَ التَّحْرِيمِ الَّذِي لَا تَعُودُ بَعْدَهُ إِلَّا بِزَوْجٍ وَإِصَابَةٍ؟
فَإِنْ قِيلَ: فَلَازِمٌ هَذَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَلَّكَهُ الطَّلَاقَ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً وَيَكُونُ أَحَقَّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ وَيَبْقَى لَهُ وَاحِدَةٌ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنْ أَوْقَعَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَلَا تَعُودُ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ وَيُصِيبَهَا وَيُفَارِقَهَا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي مَلَّكَهُ إِيَّاهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ أَنْ يُحَرِّمَهَا ابْتِدَاءً تَحْرِيمًا تَامًّا مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ تَطْلِيقَتَيْنِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فصل عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ]
فَصْلٌ
قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُخْتَلِعَةِ أَنَّهَا ( «تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ» ) وَأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ اخْتَارَهَا شَيْخُنَا. وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْأَحَادِيثَ بِذَلِكَ بِإِسْنَادِهَا.
قَالَ النَّسَائِيُّ فِي " سُنَنِهِ الْكَبِيرِ ": بَابٌ فِي عِدَّةِ الْمُخْتَلِعَةِ. أَخْبَرَنِي أبو علي محمد بن يحيى المروزي حَدَّثَنَا شاذان عبد العزيز بن عثمان أخو عبدان حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا علي بن المبارك، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي محمد بن عبد الرحمن أَنَّ ( «ربيع بنت معوذ بن عفراء أَخْبَرَتْهُ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا وَهِيَ جميلة بنت عبد الله بن أبي فجاء أَخُوهَا يَشْتَكِيهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى ثَابِتٍ فَقَالَ: خُذِ الَّذِي لَهَا عَلَيْكَ وَخَلِّ سَبِيلَهَا. فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا» )
أَخْبَرَنَا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
، عَنْ ( «ربيع بنت معوذ قَالَ قُلْتُ لَهَا: حَدِّثِينِي حَدِيثَكِ قَالَتْ: اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي، ثُمَّ جِئْتُ عثمان فَسَأَلْتُ: مَاذَا عَلَيَّ مِنَ الْعِدَّةِ؟ قَالَ: لَا عِدَّةَ عَلَيْكِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِكِ فَتَمْكُثِينَ حَتَّى تَحِيضِي حَيْضَةً. قَالَتْ: وَإِنَّمَا تَبِعَ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مريم المغالية كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ» )
وَرَوَى عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ ( «امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِدَّتَهَا حَيْضَةً» ) رَوَاهُ أبو داود، عَنْ محمد بن عبد الرحيم البزاز، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ الْقَطَّانِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ معمر، عَنْ عمرو بن مسلم، عَنْ عكرمة. وَرَوَاهُ الترمذي، عَنْ محمد بن عبد الرحيم بِهَذَا السَّنَدِ بِعَيْنِهِ.، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ مُوجِبُ السُّنَّةِ وَقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمُوَافِقٌ لِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ لِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَكَفَتْ فِيهِ حَيْضَةٌ كَالْمَسْبِيَّةِ وَالْأَمَةِ الْمُسْتَبْرَأَةِ وَالْحُرَّةِ وَالْمُهَاجِرَةِ وَالزَّانِيَةِ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَنْكِحَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّارِعَ مِنْ تَمَامِ حِكْمَتِهِ جَعَلَ عِدَّةَ الرَّجْعِيَّةِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ لِمَصْلَحَةِ الْمُطَلِّقِ وَالْمَرْأَةِ لِيَطُولَ زَمَانُ الرَّجْعَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْصُ عَلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَالْجَوَابِ عَنْهُ.