الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا تَذْكُرُهُ لَهَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ.
[رَدُّ حَدِيثِ سَهْلَةَ بِالْخُصُوصِيَّةِ بِسَالِمٍ]
الْمَسْلَكُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بسالم دُونَ مَنْ عَدَاهُ، وَهَذَا مَسْلَكُ أم سلمة وَمَنْ مَعَهَا مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ تَبِعَهُنَّ، وَهَذَا الْمَسْلَكُ أَقْوَى مِمَّا قَبْلَهُ، فَإِنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا مِمَّا يُبَيِّنُ اخْتِصَاصَهُ بسالم أَنَّ فِيهِ: أَنَّ سهلة سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ، وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُبْدِيَ زِينَتَهَا إِلَّا لِمَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَسُمِّيَ فِيهَا، وَلَا يُخَصُّ مِنْ عُمُومِ مَنْ عَدَاهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِدَلِيلٍ.
قَالُوا: وَالْمَرْأَةُ إِذَا أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيًّا، فَقَدْ أَبْدَتْ زِينَتَهَا لَهُ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ الْآيَةِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ إِبْدَاءَ سهلة زِينَتَهَا لسالم خَاصٌّ بِهِ. قَالُوا: وَإِذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا مِنَ الْأُمَّةِ بِأَمْرٍ، أَوْ أَبَاحَ لَهُ شَيْئًا أَوْ نَهَاهُ عَنْ شَيْءٍ وَلَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يُعَارِضُهُ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَّةِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى تَخْصِيصِهِ، وَأَمَّا إِذَا أَمَرَ النَّاسَ بِأَمْرٍ، أَوْ نَهَاهُمْ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ أَمَرَ وَاحِدًا مِنَ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ النَّاسَ، أَوْ أَطْلَقَ لَهُ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ خَاصَّا بِهِ وَحْدَهُ، وَلَا نَقُولُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: إِنَّ أَمْرَهُ لِلْوَاحِدِ أَمْرٌ لِلْجَمِيعِ، وَإِبَاحَتَهُ لِلْوَاحِدِ إِبَاحَةٌ لِلْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِسْقَاطِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَالنَّهْيِ الْأَوَّلِ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّهُ خَاصٌّ بِذَلِكَ الْوَاحِدِ لِتَتَّفِقَ النُّصُوصُ وَتَأْتَلِفَ، وَلَا يُعَارِضَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَحَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنْ تُبْدِيَ الْمَرْأَةُ زِينَتَهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَأَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لسهلة أَنْ تُبْدِيَ زِينَتَهَا لسالم وَهُوَ غَيْرُ مَحْرَمٍ عِنْدَ إِبْدَاءِ الزِّينَةِ قَطْعًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ رُخْصَةً خَاصَّةً بسالم، مُسْتَثْنَاةً مِنْ عُمُومِ التَّحْرِيمِ، وَلَا نَقُولُ: إِنَّ حُكْمَهَا عَامٌّ، فَيُبْطِلُ حُكْمَ الْآيَةِ الْمُحَرِّمَةِ.
قَالُوا: وَيَتَعَيَّنُ هَذَا الْمَسْلَكُ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَسْلُكْهُ، لَزِمَنَا أَحَدُ مَسْلَكَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا إِمَّا نَسْخُ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ الصِّغَرِ فِي التَّحْرِيمِ، وَإِمَّا نَسْخُهَا بِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّارِيخِ، وَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُعَارَضَةِ، وَلِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، فَإِنَّا إِذَا حَمَلْنَا حَدِيثَ سهلة عَلَى الرُّخْصَةِ الْخَاصَّةِ، وَالْأَحَادِيثَ الْأُخَرَ عَلَى عُمُومِهَا فِيمَا عَدَا سالما، لَمْ تَتَعَارَضْ، وَلَمْ يَنْسَخْ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَعُمِلَ بِجَمِيعِهَا.
قَالُوا: وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَيَّنَ أَنَّ الرَّضَاعَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الثَّدْيِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ الْفِطَامِ، كَانَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ سهلة عَلَى الْخُصُوصِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، فَلَا يَنْحَصِرُ بَيَانُ الْخُصُوصِ فِي قَوْلِهِ هَذَا لَكَ وَحْدَكَ حَتَّى يَتَعَيَّنَ طَرِيقًا.
قَالُوا: وَأَمَّا تَفْسِيرُ حَدِيثِ «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» بِمَا ذَكَرْتُمُوهُ، فَفِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنَ اللَّفْظِ، وَلَا تَتَبَادَرُ إِلَيْهِ أَفْهَامُ الْمُخَاطَبِينَ، بَلِ الْقَوْلُ فِي مَعْنَاهُ مَا قَالَهُ أبو عبيد وَالنَّاسُ، قَالَ أبو عبيد: قَوْلُهُ: «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي إِذَا جَاعَ كَانَ طَعَامُهُ الَّذِي يُشْبِعُهُ اللَّبَنَ، إِنَّمَا هُوَ الصَّبِيُّ الرَّضِيعُ.
فَأَمَّا الَّذِي شِبَعُهُ مِنْ جُوعِهِ الطَّعَامُ، فَإِنَّ رَضَاعَهُ لَيْسَ بِرَضَاعٍ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: إِنَّمَا الرَّضَاعُ فِي الْحَوْلَيْنِ قَبْلَ الْفِطَامِ، هَذَا تَفْسِيرُ أبي عبيد وَالنَّاسِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ فَهْمُهُ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَى الْأَذْهَانِ، حَتَّى لَوِ احْتَمَلَ الْحَدِيثُ التَّفْسِيرَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، لَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى بِهِ لِمُسَاعَدَةِ سَائِرِ الْأَحَادِيثِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَشْفِهَا لَهُ، وَإِيضَاحِهَا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ غَيْرَ هَذَا التَّفْسِيرِ خَطَأٌ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ، أَنَّ لَفْظَةَ " الْمَجَاعَةِ " إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى رَضَاعَةِ الصَّغِيرِ، فَهِيَ تُثْبِتُ رَضَاعَةَ الْمَجَاعَةِ، وَتَنْفِي غَيْرَهَا، وَمَعْلُومٌ يَقِينًا أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ مَجَاعَةَ اللَّبَنِ لَا مَجَاعَةَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ، فَهَذَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا السَّامِعِ، فَلَوْ جَعَلْنَا حُكْمَ الرَّضَاعَةِ عَامًّا لَمْ يَبْقَ لَنَا مَا يَنْفِي وَيُثْبِتُ.
وَسِيَاقُ قَوْلِهِ: لَمَّا رَأَى الرَّجُلَ الْكَبِيرَ، فَقَالَ:«إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» ، يُبَيِّنُ الْمُرَادَ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُحَرِّمُ رَضَاعَةُ مَنْ يَجُوعُ إِلَى لَبَنِ الْمَرْأَةِ، وَالسِّيَاقُ يُنَزِّلُ اللَّفْظَ مَنْزِلَةَ الصَّرِيحِ، فَتَغَيُّرُ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَكَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ، وَقَوْلُهُ:«انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ» إِنَّمَا هُوَ لِلتَّحَفُّظِ فِي الرَّضَاعَةِ، وَأَنَّهَا لَا تُحَرِّمُ كُلَّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا تُحَرِّمُ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ، وَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا أَنَّمَا الرَّضَاعَةُ مَا كَانَ عَدَدُهَا خَمْسًا فَيُعَبِّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ مِنَ الْمَجَاعَةِ، وَهَذَا ضِدُّ الْبَيَانِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَوْلُكُمْ: إِنَّ الرَّضَاعَةَ تَطْرُدُ الْجُوعَ عَنِ الْكَبِيرِ، كَمَا تَطْرُدُ الْجُوعَ عَنِ الصَّغِيرِ