الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلِاسْتِبْرَاءِ، أَوْ بِالْوَدِيعَةِ، فَتَحِيضُ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا حِينَئِذٍ، أَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَهِيَ لَا تَخْرُجُ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا. وَمِنْهَا: أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِمَّنْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ، أَوْ وَلَدٍ لَهُ صَغِيرٍ فِي عِيَالِهِ. وَقَدْ حَاضَتْ، فابن القاسم يَقُولُ: إِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ أشهب: إِنْ كَانَتْ مَعَهُ فِي دَارٍ وَهُوَ الذَّابُّ عَنْهَا، وَالنَّاظِرُ فِي أَمْرِهَا، فَهُوَ اسْتِبْرَاءٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ تَخْرُجُ أَوْ لَا تَخْرُجُ.
وَمِنْهَا: إِذَا كَانَ سَيِّدُهَا غَائِبًا، فَحِينَ قَدِمَ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ، أَوْ خَرَجَتْ وَهِيَ حَائِضٌ، فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ.
وَمِنْهَا: الشَّرِيكُ يَشْتَرِي نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنَ الْجَارِيَةِ وَهِيَ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا، وَقَدْ حَاضَتْ فِي يَدِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ، فَهَذِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا تَضَمَّنَتِ الِاسْتِبْرَاءَ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَاكْتَفَى بِهِ مالك عَنِ اسْتِبْرَاءٍ ثَانٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ قَوْلُهُ هَذَا، وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْحَيْضَةَ إِذَا وُجِدَ مُعْظَمُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنِ اسْتِبْرَاءً؟ قِيلَ: لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا، وَهَذِهِ لَهَا مَوْضِعٌ وَهَذِهِ لَهَا مَوْضِعٌ، فَكُلُّ مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ فِيهِ الْمُشْتَرِي إِلَى اسْتِبْرَاءٍ مُسْتَقِلٍّ لَا يُجْزِئُ إِلَّا حَيْضَةٌ، لَمْ يُوجَدْ مُعْظَمُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى اسْتِبْرَاءٍ مُسْتَقِلٍّ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى حَيْضَةٍ وَلَا بَعْضِهَا، وَلَا اعْتِبَارَ بِالِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ الْبَيْعِ، كَهَذِهِ الصُّوَرِ وَنَحْوِهَا.
[فصل اسْتِبْرَاءُ الْمَسْبِيَّةِ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ]
فَصْلٌ
الْحُكْمُ الرَّابِعُ: أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا، فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ حُكْمُ النَّصِّ، فَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ.
[فصل لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمَسْبِيَّةِ الْحَامِلِ قَبْلَ وَضْعِ حَمْلِهَا]
فَصْلٌ
الْحُكْمُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا قَبْلَ وَضْعِ حَمْلِهَا، أَيِّ حَمْلٍ كَانَ، سَوَاءٌ كَانَ يَلْحَقُ بِالْوَاطِئِ، كَحَمْلِ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ، وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةِ، أَوْ لَا يَلْحَقُ بِهِ، كَحَمْلِ الزَّانِيَةِ، فَلَا يَحِلُّ وَطْءُ حَامِلٍ مِنْ غَيْرِ الْوَاطِئِ الْبَتَّةَ، كَمَا صَرَّحَ
بِهِ النَّصُّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:( «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» ) ، وَهَذَا يَعُمُّ الزَّرْعَ الطَّيِّبَ وَالْخَبِيثَ، وَلِأَنَّ صِيَانَةَ مَاءِ الْوَاطِئِ عَنِ الْمَاءِ الْخَبِيثِ حَتَّى لَا يَخْتَلِطَ بِهِ أَوْلَى مِنْ صِيَانَتِهِ عَنِ الْمَاءِ الطَّيِّبِ؛ وَلِأَنَّ حَمْلَ الزَّانِي وَإِنْ كَانَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَلَا لِمَائِهِ، فَحَمْلُ هَذَا الْوَاطِئِ وَمَاؤُهُ مُحْتَرَمٌ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ خَلْطُهُ بِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ اللَّهِ فِي تَمْيِيزِ الْخَبِيثِ مِنَ الطَّيِّبِ، وَتَخْلِيصِهِ مِنْهُ، وَإِلْحَاقِ كُلِّ قِسْمٍ بِمُجَانِسِهِ وَمُشَاكِلِهِ.
وَالَّذِي يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبَ تَجْوِيزُ مَنْ جَوَّزَ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْعَقْدَ عَلَى الزَّانِيَةِ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا وَوَطْئَهَا عَقِيبَ الْعُقَدِ، فَتَكُونُ اللَّيْلَةَ عِنْدَ الزَّانِي وَقَدْ عَلِقَتْ مِنْهُ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَلِيهَا فِرَاشًا لِلزَّوْجِ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ كَمَالَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ عَلِمَ أَنَّهَا تَأْبَى ذَلِكَ كُلَّ الْإِبَاءِ وَتَمْنَعُ مِنْهُ كُلَّ الْمَنْعِ
وَمِنْ مَحَاسِنِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، أَنْ حَرَّمَ نِكَاحَهَا بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى تَتُوبَ، وَيَرْتَفِعَ عَنْهَا اسْمُ الزَّانِيَةِ وَالْبَغِيِّ وَالْفَاجِرَةِ، فَهُوَ رحمه الله لَا يُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ زَوْجَ بَغِيٍّ، وَمُنَازِعُوهُ يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ أسعد مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْأَدِلَّةِ كُلِّهَا مِنَ النُّصُوصِ وَالْآثَارِ، وَالْمَعَانِي وَالْقِيَاسِ، وَالْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ، وَتَحْرِيمِ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا.
وَالنَّاسُ إِذَا بَالَغُوا فِي سَبِّ الرَّجُلِ صَرَّحُوا لَهُ بِالزَّايِ وَالْقَافِ، فَكَيْفَ تُجَوِّزُ الشَّرِيعَةُ مِثْلَ هَذَا، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِإِفْسَادِ فِرَاشِهِ، وَتَعْلِيقِ أَوْلَادٍ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَعَرُّضِهِ لِلِاسْمِ الْمَذْمُومِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَمِ؟ وَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الْعَقْدَ عَلَى الزَّانِيَةِ وَوَطْئَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَامِلًا، أَنْ لَا يُوجِبَ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنَ الزِّنَى، بَلْ يَطَؤُهَا عَقِيبَ مِلْكِهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ السُّنَّةِ.
فَإِنْ أَوْجَبَ اسْتِبْرَاءَهَا، نَقَضَ قَوْلَهُ بِجَوَازِ وَطْءُ الزَّانِيَةِ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، وَإِنْ لَمْ يُوجِبِ اسْتِبْرَاءَهَا، خَالَفَ النُّصُوصَ، وَلَا يَنْفَعُهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ الزَّوْجَ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّيِّدِ فَإِنَّ الزَّوْجَ إِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ عَلَى مُعْتَدَّةٍ، وَلَا حَامِلٍ مِنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ السَّيِّدِ، ثُمَّ إِنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا حَرَّمَ الْوَطْءَ، بَلِ
الْعَقْدَ فِي الْعِدَّةِ خَشْيَةَ إِمْكَانِ الْحَمْلِ، فَيَكُونُ وَاطِئًا حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ، وَسَاقِيًا مَاءَهُ لِزَرْعِ غَيْرِهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ إِذَا تَحَقَّقَ حَمْلُهَا.
وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّ وَلَدَ الزَّانِيَةِ لَيْسَ لَاحِقًا بِالْوَاطِئِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِقْدَامُهُ عَلَى خَلْطِ مَائِهِ وَنَسَبِهِ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِالْوَاطِئِ الْأَوَّلِ، فَصِيَانَةُ مَائِهِ وَنَسَبِهِ عَنْ نَسَبٍ لَا يَلْحَقُ بِوَاضِعِهِ لِصِيَانَتِهِ عَنْ نَسَبٍ يَلْحَقُ بِهِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ وَطْءَ الْأَمَةِ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ، سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا مُحَرَّمًا أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا، فَوَجَدَهَا حُبْلَى، وَجَلَدَهَا الْحَدَّ، وَقَضَى لَهَا بِالصَّدَاقِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ عَلَى الْحَامِلِ مِنَ الزِّنَى. (وَصَحَّ عَنْهُ «أَنَّهُ مَرَّ بِامْرَأَةِ مُجِحٍّ عَلَى بَابٍ فُسْطَاطٍ فَقَالَ:(لَعَلَّ سَيِّدَهَا يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا) ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ» ؟) .
فَجَعَلَ سَبَبَ هَمِّهِ بِلَعْنَتِهِ وَطْأَهُ لِلْأَمَةِ الْحَامِلِ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ حَمْلِهَا، هَلْ هُوَ لَاحِقٌ بِالْوَاطِئِ أَمْ غَيْرُ لَاحِقٍ بِهِ؟ وَقَوْلُهُ:(كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ) أَيْ: كَيْفَ يَجْعَلُهُ عَبْدًا لَهُ يَسْتَخْدِمُهُ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ، فَإِنَّ مَاءَ هَذَا الْوَاطِئِ يَزِيدُ فِي خَلْقِ الْحَمْلِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُ مِنْهُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَزِيدُ وَطْؤُهُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ.
وَقَوْلُهُ: (كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ)، سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ فِيهِ: أَيْ كَيْفَ يَجْعَلُهُ تَرِكَةً مَوْرُوثَةً عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُهُ عَبْدَهُ، فَيَجْعَلُهُ تَرِكَةً تُورَثُ عَنْهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَاءَهُ زَادَ فِي خَلْقِهِ، فَفِيهِ جُزْءٌ مِنْهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَعْنَى: كَيْفَ يُوَرِّثُهُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ