الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» ) مُحْتَجًّا عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَظَنَّ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِيَوْمِ خَيْبَرَ رَاجِعٌ إِلَى الْفَصْلَيْنِ، فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى، ثُمَّ أَفْرَدَ بَعْضُهُمْ أَحَدَ الْفَصْلَيْنِ وَقَيَّدَهُ بِيَوْمِ خَيْبَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي غَزَاةِ الْفَتْحِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِبَاحَتُهَا، فَإِنَّ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ:( «كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا بَعْدَ أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عبد الله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87] » )[الْمَائِدَةِ: 87] وَلَكِنْ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": عَنْ علي رضي الله عنه ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ» ) .
وَهَذَا التَّحْرِيمُ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ مِنْهُ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، وَلَكِنَّ النَّظَرَ: هَلْ هُوَ تَحْرِيمُ بَتَاتٍ أَوْ تَحْرِيمٌ مِثْلُ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَيُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ؟ هَذَا هُوَ الَّذِي لَحِظَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَفْتَى بِحَلِّهَا لِلضَّرُورَةِ، فَلَمَّا تَوَسَّعَ النَّاسُ فِيهَا، وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، أَمْسَكَ عَنْ فُتْيَاهُ وَرَجَعَ عَنْهَا.
[فَصْلٌ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ]
وَأَمَّا نِكَاحُ الْمُحْرِمِ فَثَبَتَ عَنْهُ فِي " صَحِيحِ مسلم " مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» ) .
وَاخْتُلِفَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم، هَلْ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا، وَقَالَ أبو رافع: تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُ أبي رافع أَرْجَحُ لِعِدَّةِ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِذْ ذَاكَ كَانَ رَجُلًا بَالِغًا، وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مِمَّنْ بَلَغَ الْحُلُمَ، بَلْ كَانَ لَهُ نَحْوُ الْعَشْرِ سِنِينَ، فأبو رافع إِذْ ذَاكَ كَانَ أَحْفَظَ مِنْهُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ الرَّسُولَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَهَا، وَعَلَى يَدِهِ دَارَ الْحَدِيثُ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ أَشَارَ بِنَفْسِهِ إِلَى هَذَا إِشَارَةَ مُتَحَقِّقٍ لَهُ وَمُتَيَقِّنٍ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ غَيْرِهِ، بَلْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذْ ذَاكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ عَذَرَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْوِلْدَانِ، وَإِنَّمَا سَمِعَ الْقِصَّةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ مِنْهُ لَهَا.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَحَلَقَ ثُمَّ حَلَّ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ: أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا فِي طَرِيقِهِ، وَلَا بَدَأَ بِالتَّزْوِيجِ بِهَا قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَا تَزَوَّجَ فِي حَالِ طَوَافِهِ، هَذَا مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ، فَصَحَّ قَوْلُ أبي رافع يَقِينًا.
الْخَامِسُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم غَلَّطُوا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يُغَلِّطُوا أبا رافع.
السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَ أبي رافع مُوَافِقٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ يُخَالِفُهُ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا لِنَسْخِهِ، وَإِمَّا لِتَخْصِيصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِجَوَازِ النِّكَاحِ مُحْرِمًا، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَلَا يُقْبَلُ.