الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
(1)
.
(2)
.
(3)
.
وصلى الله وسلم على نبي الأمة وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله، الذي أُرسل رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً، وهو الذي أورث مسؤولية الدعوة إلى أمته بالتأسي به، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
(1)
سورة آل عمران، الآية:102.
(2)
سورة النساء، الآية:1.
(3)
سورة الأحزاب، الآيتان: 70 - 71.
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}
(1)
. وجعل الله سبحانه الدعوة من أحسن الأقوال، وربط بها خيرية الأمة، قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
(2)
(3)
. وكما ورد في حديث درة بنت أبي لهب رضي الله عنها قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أقرؤهم وأتقاهم وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم (
(4)
.
وقد اختار الله سبحانه وتعالى قوماً هم أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ليكونوا صحابته، وشرّفهم بالصحبة، وأثنى عليهم في مواقع كثيرة، قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
(5)
.
(1)
سورة الأحزاب، الآية:21.
(2)
سورة فصلت، الآية:33.
(3)
سورة آل عمران، الآية:110.
(4)
المسند، الإمام أحمد، مسند النساء، رقم 27980، 8/ 863. حديث ضعيف (الألباني، ضعيف الجامع الصغير، رقم 2897، ص 426). وقد ذكر هذا الحديث مع ضعفه للاستئناس به في هذا المجال.
(5)
سورة التوبة، الآية:100.
ومن هذا المنطلق قام صحابة رسول الله رضي الله عنهم باتباع سنته، والحرص على الدعوة في حياته، وبعد مماته صلى الله عليه وسلم؛ ومما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل صحابته، وأنهم خير الناس، حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم
…
(الحديث
(1)
، وقد أوصى صلى الله عليه وسلم باتباع أصحابه رضي الله عنهم، واتباع سنتهم، كما ورد في حديث العرباض بن سارية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ (
(2)
. ولِما لهؤلاء القوم من فضل وتفضيل على من بعدهم، وأمره صلى الله عليه وسلم باتباعهم، فإنه دليل على أن منهجهم هو المنهج الصحيح بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيؤخذ منهم، ويستفاد من طريقتهم، وخصوصاً في مجال الدعوة؛ لأنهم أول من قام بالدعوة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ونشرها بين الناس؛ وذلك ما دعا إلى البحث في منهجهم، وطريقة دعوتهم، وتعاملهم مع من يدعون، فمن هذا يمكن الاستفادة من منهجهم الصحيح، وخبراتهم وتجاربهم الناجحة، خصوصاً في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن والبدع والانحرافات، والتي شملت كل مجال، ومنها مجال الدعوة إلى الله.
(1)
صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، رقم 6473، ص 1110.
(2)
سنن أبي داود، أول كتاب السنة، باب لزوم السنة، رقم 4607، ص 651. حديث صحيح (الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد السادس، القسم الأول، رقم 2735، ص 526).
ومنهج الصحابة رضي الله عنهم في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب يُعد مرجعاً يستفاد منه لتأصيل المنهج الدعوي الصحيح، وذلك بمعرفة الطرق والأساليب والوسائل التي عملوا بها في دعوتهم، وتوضيح ذلك، والاستفادة منه على أرض الواقع، وخصوصاً إذا علمنا أنه يوجد نسبة عالية من سكان العالم ممن هم على أديان مختلفة من غير أهل الكتاب، وهذا مما يؤكد أهمية دراسة هذا الموضوع وتبيان الأحكام المستفادة منه، والبحث في المصادر والمراجع المتعددة؛ لإيضاح منهج الصحابة رضي الله عنهم في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب، والإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه. ومما يدعونا أيضاً للبحث في هذا الموضوع إيماننا أن الإسلام جاء للبشرية أجمع، وبعث الله به أنبياءه من قبل، قال تعالى:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
(1)
(2)
(3)
.
وختم الله الأنبياء بإرسال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام ودين الحق ليظهره على الدين كله، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
(1)
سورة آل عمران، الآية:67.
(2)
سورة البقرة، الآيتان: 132 - 133.
(3)
سورة المائدة، الآية:111.
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
(1)
، فسعى صلى الله عليه وسلم في نشر هذا الدين، وقيض الله له صحابته؛ ليكونوا الدعاة والمبلغين لرسالته صلى الله عليه وسلم، فهم الذين ساروا على نهجه حتى بلغت الدعوة ما بلغت على أيديهم رضي الله عنهم، في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، ولم تكن هذه الدعوة تخص فرداً دون آخر، أو ديناً دون دين، أو عرقاً دون عرق، فقد كانت دعوة شاملةً عالميةً، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
(2)
. فكان الصحابة رضي الله عنهم يدعون أقوامهم من المشركين الوثنيين، فغالبية الصحابة كانوا قبل إسلامهم مشركين من أهل الأوثان، إلا من كان كتابياً أو وُلد في الإسلام، ومن هذا كان لدعوتهم هذه الفئة دور كبير، وتأثير عميق؛ مما جعل الأفواج تدخل في الإسلام بسبب الدعوة إلى الله بالطريقة الصحيحة، ولم يقفوا بالدعوة عند التعريف بالإسلام فقط، بل تعدوا ذلك إلى التأثير على المدعوين بالأخلاق، وحسن المعاملة، ولين الجانب، ومن ذلك ما ورد في قصة إسلام أسيد بن الحضير، وسعد بن معاذ، ودعوة أبي ذر لحويطب بن عبدالعزى، ودعوة أم سليم لأبي طلحة، إضافةً إلى ما قاموا به رضي الله عنهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من جهود في الدعوة، وحتى آخر من توفي من الصحابة، وهو أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي رضي الله عنه والذي توفي سنة مائة للهجرة.
إن الوقوف على منهج الصحابة رضي الله عنهم في دعوتهم للمشركين خلال تلك المدة هو من احتياجات الدعوة الملحة لوضع القواعد الصحيحة للدعوة، وخصوصاً
(1)
سورة التوبة، الآية:33.
(2)
سورة الأنبياء، الآية:107.
في هذا العصر، الذي كثر فيه الاختلاف والابتداع، كما أن كثرة الشعوب المشركة التي ليست على دين أهل الكتاب توجب البحث في هذا المجال، وعمل دراسة علمية وافية.
وكان هذا البحث جزءاً من رسالة دكتوراه بعنوان: منهج الصحابة رضي الله عنهم في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب إلى الإسلام
(1)
. وقد رأيت أن أعيد صياغته بطريقة كتاب ليسهل على كل قارئ الاستفادة منه، فقد حذفت منه التعريفات المطولة، وبعض الفقرات التي لا تلزم القارئ وتشتت أفكاره.
(1)
رسالة دكتوراه مقدمة للمعهد العالي للدعوة والاحتساب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عام: 1434 - 1435 هـ.