الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
ضوابط منهج الصحابة رضي الله عنهم في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب
إن ضوابط منهج الصحابة رضي الله عنهم في دعوة المشركين هي كل ما قام به الصحابة رضي الله عنهم من أجل السيطرة والمحافظة على منهج دعوتهم ليتم به معرفة مدى مطابقة هذا المنهج لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
الضابط الأول: جعل التوحيد هو الموضوع الرئيس في جميع دعوتهم:
إن عبادة الله وحده هي التي بعث الله بها رسله وأنزل بها كتبه وأوجبها على جميع خلقه، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
(1)
، وهي أصل رسالة الأنبياء والرسل عليهم السلام؛ فجميعهم جاؤوا بالدعوة إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}
(2)
، وهي أول ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بدعوة العباد إلى عبادة رب العباد وحده لا شريك له، ونبذ الأوثان والأصنام، وما يشرك به مع
(1)
سورة الذاريات، الآية:56.
(2)
سورة النحل، الآية:36.
الله، قال تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}
(1)
. وهي أول ركن من أركان الإسلام وهو: "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله (
(2)
. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقف على القبيلة فيقول: (يا بني فلان، إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به (
(3)
.
ويقول الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في إحدى رسائله: "فاعلم أن التوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم: إفراد الله بالعبادة كلها ليس فيها حق لملك مقرب ولا نبي مرسل فضلاً عن غيرهم. فمن ذلك لا يدعى إلا إياه"
(4)
، "والتوحيد: الإيمان بالله وحده لا شريك له"
(5)
، ولابن أبي العز الحنفي في "شرح العقيدة الطحاوية" قول بليغ في التوحيد يقول: "اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله، والصحيح أن أول واجب يجب على المكلف: شهادة أن لا إله إلا الله، وأول ما يؤمر به العبد الشهادتان، فالتوحيد هو أول ما يدخل في الإسلام، وآخر ما
(1)
سورة البقرة، الآية:163.
(2)
صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، رقم 2946، ص 487.
(3)
المسند، الإمام أحمد، مسند المكيين والمدنيين، مسند ربيعة بن عباد الديلي، رقم 16121، 5/ 500.
(4)
الرسائل الشخصية، الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ص 166.
(5)
لسان العرب، ابن منظور، مادة: وحد، 3/ 451.
يخرج من الدنيا"
(1)
، ويقول شيخ الإسلام:"إن التوحيد هو أصل الدين الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين ديناً غيره، وبه أرسل الرسل وأنزل الكتب"
(2)
.
ويقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "إن التوحيد هو أصل دين الإسلام، وهو أساس الملة، وهو رأس الأمر وأهم الفرائض، وهو الحكمة من خلق الثقلين والحكمة من إرسال الرسل جميعاً إليهم"
(3)
.
ومن هنا كان الضابط الأساسي والأول في دعوة الصحابة جعل التوحيد هو الموضوع الرئيس في دعوتهم، وكما أن جميع أعمال الصحابة كانت تستمد من نهج الرسول صلى الله عليه وسلم فإن دعوتهم كانت على فهمٍ واقتباسٍ من هديه صلى الله عليه وسلم، بهذا الضابط بدأت دعوة الصحابة واعتمدت عليه، خصوصاً وأن المدعوين هم من المشركين الذين يفتقدون التوحيد الذي لا تصح عبادة بدونه، لذلك لم تخرج دعوتهم رضي الله عنهم من التوحيد، فكان هو المقياس والمعيار الذي تقاس به صحة هذه الدعوة من عدمها؛ فكل دعوة لا تشتمل على التوحيد صراحةً أو ضمناً هي دعوة باطلة.
ومن ذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن ليدعوهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن قال: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس
(1)
شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز، ص 26، 27.
(2)
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ابن تيمية، ص 19.
(3)
حراسة التوحيد، عبدالعزيز بن باز، ص 53.
صلوات
…
(
(1)
، فوضع الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه موضوع التوحيد ضابطاً أساسياً تأتي بعده العبادات الأخرى، فمن هذا نجد دعوة الصحابة لم تخرج عن هذا الضابط؛ ففي غزوة الأحزاب عندما برز علي رضي الله عنه لعمرو بن عبد ود بعد اقتحامه الخندق ما كان من علي رضي الله عنه إلا أن عرض عليه خيارين كان أولهما دعوة إلى الله وحده ورسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام.
وفي دعوة ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه لقومه عندما أتاهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "بئست اللات والعزى"، فكان ذلك أول دعوة للتوحيد ولنبذ الشريك لله، وهي آلهتهم وأوثانهم، فأراد رضي الله عنه أن يجعل التوحيد هو بداية الدعوة وحافظها من الشرك أولاً وقبل كل شيء.
وبهذا كان البدء بالتوحيد ونبذ الأنداد والشركاء وما يعبد من دون الله هو الضابط الرئيسي لدعوة الصحابة وجعل كلمة التوحيد هي المنطلق لدعوتهم رضي الله عنهم.
والاهتمام بجعل التوحيد هو الموضوع الرئيس في دعوة الصحابة يقصد به إخراج المدعو من ظلام الشرك إلى نور الإسلام؛ لأنه لا يكون المرء مسلماً إلا بتوحيد الله سبحانه وتعالى، وذلك الفرق بين المشرك والمسلم، ولعلم الصحابة بذلك فقد راعوا هذا الجانب مما أدى إلى جعل التوحيد موضوعاً يدخل في كل مجالات دعوتهم، وليس أدل على ذلك من تتبع النشاط الدعوي لديهم رضي الله عنهم، ومعرفة مدى اهتمامهم بذلك.
(1)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم 29، ص 31.