الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طبق ذلك علي رضي الله عنه عندما واجه عمرو بن عبد ود في غزوة الخندق، فلم يقاتله إنما دعاه قبل قتاله وقتله، وكذلك ما قام به سلمان الفارسي رضي الله عنه في بهرسير
(1)
والقصر الأبيض
(2)
من دعوتهم والانتظار ثلاثة أيام قبل قتالهم، وإرسال الرسل إلى الفرس من قبل خالد بن الوليد، ومن قبل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، ودعوتهم إلى الإسلام، وكل ذلك من الرفق والتيسير، وعدم الغلظة، مع عدم التنازل عن نشر الإسلام وأحكامه.
الضابط السابع: الاجتماع وعدم التفرق:
إن من الواجب على المسلمين بشكل عام، وعلى الدعاة بشكل خاص، الاجتماع وعدم التفرق، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في قوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}
(3)
، فالحث على لزوم الجماعة والائتلاف بين المؤمنين من أساسيات هذا الدين الحنيف، ومن أولوياته؛ لما في ذلك من مصالح حاضرة من تماسك الأمة وتكاتفها ضد أعدائها؛ مما يؤدي إلى عزتها، كما أن من مقاصد الاجتماع عدم التفرق والتشتت؛ مما يؤدي إلى الضعف والاختلاف، قال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
(4)
، فقد اختلف الذين من قبلنا من أهل الكتاب وما كان من اختلافهم إلا الفرقة والعذاب في الآخرة، فنهى الله سبحانه عن ذلك.
(1)
بهرسير: من نواحي سوار بغداد قرب المدائن، وهي غربي دجلة. (انظر: معجم البلدان، ياقوت الحموي، 1/ 541).
(2)
القصر الأبيض: من قصور الحيرة، وقيل: بالرقة. (انظر: معجم البلدان، ياقوت الحموي، 4/ 354).
(3)
سورة آل عمران، الآية:103.
(4)
سورة آل عمران، الآية:105.
وإن من عوامل نصر هذه الأمة هو الاجتماع، وعدم النزاع والافتراق، قال تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}
(1)
، ومن هنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤسس لهذا الضابط لدى صحابته في دعوتهم، ويأمرهم بالاجتماع في جميع أمورهم، قال صلى الله عليه وسلم: (يد الله مع الجماعة (
(2)
، كما بين صلى الله عليه وسلم إثم ومصير من فرق الجماعة في قوله صلى الله عليه وسلم: (سيكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق أمر أمة محمد كائناً من كان فاقتلوه، فإن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يرتكض (
(3)
؛ فلأهمية هذا الأمر في الدين كان جزاء من يخالفه ويفرق بين المسلمين القتل. كما ربى الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة على ذلك، وأدبهم عليه، فعندما أرسل صلى الله عليه وسلم معاذاً وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال لهما: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا (
(4)
،
فجعل لهما صلى الله عليه وسلم ضوابط قبل أن يذهبا إلى اليمن ليدعوا الناس إلى الإسلام، ومنها عدم الاختلاف، كما أنه عندما أذن لمالك بن الحويرث ومن معه قال صلى الله عليه وسلم لهم: (لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم؛ مروهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا،
(1)
سورة الأنفال، الآية:46.
(2)
جامع الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، رقم 2166، ص 498. حديث صحيح (الألباني، صحيح الجامع، رقم 3621، 1/ 677).
(3)
صحيح ابن حبان، باب طاعة الأئمة، ذكر إثبات مصونة الله جل وعلا الجماعة وإعانة الشيطان من فارقها، المجلد الخامس، الجزء السابع، رقم 4583، ص 36. حديث صحيح (الألباني، التعليقات الحسان، رقم 4558، 7/ 23).
(4)
صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه، رقم 3038، ص 501 ..
وإن حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم (
(1)
، ففي هذا الحديث إشارة إلى اجتماعهم على أكبرهم بأن تكون الإمامة له، ولا يختلفوا عليه.
وقد وردت عدة آيات وأحاديث تشير إلى الاجتماع وعدم الاختلاف بين المسلمين، ومنهم الدعاة، وقد جعل الصحابة من الاجتماع وعدم التفرق ضابطاً لهم في دعوتهم لكي يوحد كلمتهم ويقوي شوكتهم، ولا يكونوا مختلفين، فيختلف المدعوون من بعدهم، فنجد أبا موسى الأشعري وافق معاذاً، ولم يخالفه، ونزل عند رغبته، وذلك عندما جاء معاذ إلى أبي موسى رضي الله عنهما، فإذا هو جالس وقد اجتمع الناس إليه، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه فقال معاذ: يا عبدالله بن قيس، أيَمَ هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه، قال: لا أنزل حتى يُقتل، قال: إنما جيء به لذلك، فانزل، قال: ما أنزل حتى يُقتل، فأمر به فقتل ثم نزل
(2)
. وفي هذا دليل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على عدم الاختلاف، وذلك لعدم إصرار أبي موسى الأشعري رضي الله عنه على عدم قتل المرتد، وأنه تحت إمرته، وليس تحت إمرة معاذ رضي الله عنه.
(1)
المرجع السابق، كتاب الأذان، باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم، رقم 685، ص 112.
(2)
انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، المجلد الثالث، الجزء الخامس، ص 97.
وأيضاً من أدلة الاجتماع وعدم التفرقة في الدعوة، توافق الرسل الذين أرسلهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى رستم، وكيف كانت كلمتهم واحدة، وأنهم واثقون من أن المسلمين سوف يتبعون ما اتفقوا عليه مع رستم، ولن يختلفوا معهم؛ مما أعطى انطباعاً لدى الفرس عن مدى قوة المسلمين وتماسكهم ومنعتهم.
ومن ذلك اجتماع المسلمين على سلمان الفارسي رضي الله عنه يوم القصر الأبيض وطاعتهم له عندما دعا الفرس وأعطاهم ثلاثة أيام قبل أن ينهدَّ عليهم، ويفتح حصونهم، وهو داعيتهم، ولم يكن أمير الجند آنذاك.
ومن هذا تتبين أهمية الاجتماع وعدم التفرق، وحرص الصحابة عليه، وأن باجتماع الدعاة يجتمع الناس ويتفقون، وبتفرقهم تفريق للأمة وإضعاف لها، وجعلها أحزاباً كل حزب معادٍ للآخر، ومتربص به، ويبحث عن هفواته وزلاته، فيصبح هَمُّ الدعاة زيادة الفجوة بين الناس لكسب تأييدهم، وزيادة أتباعهم، والقدح والتجريح فيمن هو مخالف لهم، ونسوا أن هناك من يتربص بهذا الدين، ويحيك له المؤامرات والمكائد؛ لكي يبعد الناس عن الحق، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم (
(1)
.
(1)
صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قريناً، رقم 7103، ص 1224.