الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
سهولة التجاوب بين المتحاورين.
5 -
في المخاطبة إمكانية دعوة مجموعة من المشركين في وقت واحد.
ثانياً: الشعر:
"الشعر هو اسم للموزون المقفى من الكلام"
(1)
، ويصف الناشي أبو العباس الشعر بقوله:"قيد الكلام، وعقال الأدب، وسور البلاغة، ومحل البراعة، ومجال الجنان، ومسرح البيان، وذريعة المتوسل، ووسيلة المتوصل، وذمام الغريب، وحرمة الأديب، وعصمة الهارب، وعذر الراهب، وفرحة المتمثل، وحاكم الإعراب، وشاهد الصواب"
(2)
. والشعر وسيلة كلامية، استخدمها العرب منذ القدم للتواصل والاتصال وإذاعة الأخبار وتوثيقها، فأصبح كالسجل لهم يدون أحوالهم وأفعالهم ومفاخرهم وأيامهم، ويبين مجدهم وشرفهم، فكان من ذلك شهرة الشعراء وإذاعة صيتهم بين العرب حتى حرصت كل قبيلة على إبراز شعرائها في المحافل والأسواق التي كانت تقام بين العرب في الجاهلية كسوق عكاظ، فكانوا منابر إعلامية لأقوامهم، يفتخرون بهم ويذكرون مناقبهم أمام الناس، وله تأثير قوي في نفوس العرب في الجاهلية، فبالقصائد ترفع الأحساب وتخفض، وتؤرخ أيامهم وتوضح مناقبهم ومثالبهم.
(1)
المفردات في غريب القرآن، الأصفهاني، كتاب الشين، ص 262.
(2)
البصائر والذخائر، أبو حيان التوحيدي، 5/ 218 - 219.
والشعر ليس بالهين، فليس كل أحد يستطيع أن يصبح شاعراً، يقول الأصمعي:"الشعر ما قل لفظه ودق معناه ولطف، الذي إذا سمعته ظننت أنك تناله، فإذا حاولته وجدته بعيداً"
(1)
.
لقد كان في الصحابة عدة شعراء يدافعون عن الإسلام وعن النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: حسان بن ثابت، وعبدالله بن رواحة، وكعب بن مالك، وعبدالله بن جحش، وأخوه عبيد وغيرهم
(2)
، فكانوا مجاهدين بألسنتهم مع أسنتهم، ومع قلة عدد الشعراء المسلمين مقارنة بالمشركين إلا أنهم رضي الله عنهم دافعوا عن الإسلام دفاع الأقوياء ورفعوا أصواتهم بنصرة الدين حتى بلغت أشعارهم جميع العرب في ذلك الوقت، فكانوا دعاية للإسلام ودعوة له. وقد حوربت دعوتهم بالمثل من قِبل المشركين فكانوا يجندون شعراء للرد والتشويه على الإسلام، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حال شعراء المشركين وشعراء المؤمنين في سورة الشعراء، قال تعالى:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}
(3)
،
ويذكر الحاكم في المستدرك: أن أبا الحسن مولى بني نوفل قال: إن عبدالله بن رواحة وحسان بن ثابت أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت: {طسم} الشعراء يبكيان وهو
(1)
نضرة الإغريض في نصرة القريض، المظفر بن الفضيل العلوي، ص 10.
(2)
انظر: دراسات في أدب الدعوة الإسلامية، محمود حسن زيني، ص 55.
(3)
سورة الشعراء، الآيات: 224 - 227 ..
يقرأ عليهم: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} حتى بلغ {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قال: "أنتم"، {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} قال:"أنتم"، {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} قال:"أنتم"
(1)
، ففي هذه الآيات وهذا الحديث ذكر لمناقب وفضل شعراء الصحابة ومن هم على شاكلتهم بشعرهم، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعين بهم في الرد على المشركين والمفاخرة بالإسلام.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله"
(2)
، وقد أرسل حسان بن ثابت قصيدة لعبدالله بن الزبعرى قبل أن يسلم وذلك بعد أن هرب إلى نجران عندما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة ولجأ إلى حصن فيها فقال حسان:
لا تعدمن رجلاً أحلك بغضه
…
نجران في عيش أحذَّ لئيم
بليت قناتك في الحروب فألفيت
…
خمانةً جوفاء ذات وصوم
غضب الإله على الزبعرى وابنه
…
وعذاب سوء في الحياة مقيم
فلما جاء ابن الزبعرى شعر حسان تنبه إلى حاله ونفسه ثم جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه
(3)
.
وقد أصبح الشعر الإسلامي في عهد الصحابة وسيلة للتعريف بالإسلام في ذلك الوقت؛ فقصيدة عبدالله بن رواحة رضي الله عنه فيها عقيدة وتوحيد خالص لله
(1)
المستدرك على الصحيحين، الحاكم، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، رقم 6166، 4/ 204.
(2)
صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه، رقم 2490، ص 1095.
(3)
انظر: المغازي، الواقدي، ص 569 - 570.