الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: واجبات المدعو من المشركين
كما أن للمدعو حقوقاً فإن عليه واجبات أيضاً، إلا أن المدعو من المشركين تختلف واجباته عن المدعو بشكل عام؛ لأن المشرك بمجرد استجابته للدعوة وقبوله لها فإنه يخرج من إطار الشرك، أما المدعو بشكل عام فهو باقٍ على كونه مدعواً في جميع الأحوال سواء قبل الإسلام أو بعده، إذن الواجبات التي تنطبق على المدعو من المشركين قد تنطبق على المدعوين بشكل عام، ولكن ليس كل واجبات المدعوين تنطبق على واجبات المدعوين من المشركين، فالمدعوون المشركون جزء من كل، ومن واجبات المدعو من المشركين ما يأتي:
أولاً: الاستماع للداعية:
إن الاستماع للمتحدث من الآداب المطلوبة من كل شخص يوجه إليه حديث ما، بغض النظر عن نوع الحديث -إلا فيما يغضب الله سبحانه وتعالى، وذلك في الحديث عن الأمور العامة فكيف بأمور الدعوة إلى الإسلام، وإذا لم يستمع المتلقي للداعية فهذا يعني أنه لن يعلم ماذا يقال له ولم يفكر من البداية في فهم ما يقال له. وهذا من إساءة الأدب وقلة الاحترام للمتحدث، فوجوب الاستماع وجوب أدبي أخلاقي ينطلق من تربية المدعو وبيئته التي اعتاد عليها، وقد كان العرب في السابق يحترمون المتحدث ويلقون له البال حتى يستطيعوا فهم مقالته والرد عليه، ومن الأدلة على ذلك قصة عتبة بن ربيعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال له: يا ابن أخي، إنك منا حيث علمت من السطة في العشيرة والمكان في
النسب، إلى أن قال: فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك أن تقبل منها بعضها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت من هذا القول مالاً جمعنا من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال صلى الله عليه وسلم: فاستمع مني، قال عتبة: أفعل، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن
…
إلى آخر القصة
(1)
،
فنجد هنا استماع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عتبة بن ربيعة مع أنه يدعو إلى ضلال، كما أننا نجد استماع عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه يدعوه إلى أمر لا يقبله، إلا أن كلاً منهما يعلم أنه يجب عليه الاستماع للآخر، فالدعوة هي من النصيحة والاستماع للنصيحة من المنصوح واجبة، وعندما طلب مصعب بن عمير من أسيد بن حضير ومن سعد بن معاذ رضي الله عنهم الجلوس والاستماع له أجابا وكان في ذلك هدايتهم وهداية قومهم رضي الله عنهم أجمعين.
يقول سفيان الثوري: "إن أول العلم الإنصات ثم الاستماع ثم الحفظ ثم العمل به ثم النشر"
(2)
، وفي روايات أنه قدم الاستماع على الإنصات
(3)
، وجميعها تؤدي إلى الهدف نفسه.
(1)
انظر: السيرة النبوية، ابن إسحاق، ص 242 - 243 ..
(2)
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، محمد بن حبان البُستي، ص 34.
(3)
انظر: حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني، 6/ 120. وانظر: فتح الباري، ابن حجر، كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء، رقم 12، 1/ 287.